وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ

محمد البدر
1443/06/01 - 2022/01/04 05:40AM

الْخُطْبَةِ الأُولَى:

إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.

وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71].

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً﴾.﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾أي:الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف.كذلك﴿الْجَارِ الْجُنُبِ﴾أي:الذي ليس له قرابة.وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.

عِبَادَ اللَّهِ:وإن من أسباب دخول الجنة الإحسان إلى الجار،ومن أسباب دخول النار إيذاء الجار. قَالَﷺ:«مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلُ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَة يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ هِيَ فِي النَّارِ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَة يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ:هِيَ فِي الْجَنَّةِ»رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ»قِيلَ:وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:«الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.ولذلك ينبغي على كل جار أن يحافظ على سر جاره سواء كان في ماله أو عرضه، ولا يخون جاره ولا يؤذيه ولا يتمُّ إيمان عبد حتى يأمَنه جارُه،فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّﷺ:«أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ قَالَ:أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ:إِنَّ ذَلِكَ لَعَظيمٌ، قلْتُ:ثُمَّ أَيّ قَالَ:وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ:ثُمَّ أَيّ قَالَ:أَنْ تُزانِيَ حَليلَةَ جارِكَ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.ومن علامات الإيمان بالله واليوم الآخر إكرام الجار فقد أكثر جبريل عليه السلام من الوصية بالجار قَالَﷺ:«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلُ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللَّهِ:لقد كنا قبل أن تفتح علينا الدنيا مثالاً يقتدى به في حسن الجوار, فكان كل جار يعرف أحوال جيرانه, ويشاركهم في همومهم وأفراحهم, وكان الجار يراقب أبناء جاره ويؤدبهم إذا أخطأوا وينصحهم, فكانوا مترابطين ومتكاتفين في التربية والنصيحة،أما اليوم ومع وسائل الانفتاح فلا أحد يسأل عن أحد, ولا يتعارف الجيران على بعضهم, بل لا يصبر بعضهم على بعض, وقد يؤذي بعضهم بعضا،ففي هذا الزمان فجوة بين الجيران فالبعض لا يعرف من هو جاره والآخر لا يسأل عن جيرانه ، وآخر لا يتكلم مع جاره أيَّامًا طِوَالاً.والبعض يجعل من خلافات الأبناء وسيلة لقطع أواصر العلاقة بينه وبين جاره بل قد يكيل له التهم والشتائم وبعضهم لا يهتم بتفقد أحوال جيرانه والمبادرة لمساعدته، ولا يُهَنِّئهم بالمناسبات السعيدة ولا يحضر زواجاتهم ، ولا يواسيهم في أحزانهم.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..


الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .

عِبَادَ اللَّهِ:اعلموا أن عرض الجار وماله أشد حرمة من غيره؛ فقد سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِﷺأَصْحَابَهُ عَنِ الزِّنَا قَالُوا حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ:«لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ» وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ قَالُوا حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ فَقَالَ:«لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وإن مما ينفع الإنسان قبل سكنى الدار أن يختار الجار، ومن أعظم السعادة أن يوفق المسلم لجار صالح؛قَالَﷺ:«مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ومن ابتلي بجار سيء يؤذيه فعليه بالصبر والتصبر وكَانَ مِنْ دُعَاءئهﷺ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الدُّنْيَا يَتَحَوَّلُ»حَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وقدوتنافي التعامل مع الجيران هو رسول اللهﷺفقد كان يحسن إلى جيرانه بالإطعام والمعاملة الحسنة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من الأقوال والأفعال الحسنة, و يصبر على أذى جيرانه،لذلك لا بد أن يراعي كل منا حق جاره، وأن يتفقد أحواله، وأن يراعي ظروفه، ويعينه فيما احتاج.قَالَﷺ:«لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المحسنين للجار, القائمين بحق الجوار, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللّهمّ واصرف عن بلادنا جائحة كورونا وعن سائر بلاد المسلمين.عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

المرفقات

1641274798_وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ.pdf

المشاهدات 1659 | التعليقات 0