والثلث كثير 11-9-1442

محمد آل مداوي
1442/09/10 - 2021/04/22 15:04PM

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:

فلم تَزَلِ الوصيةُ بالتقوَى هي خيرُ الوصايا، وهي العُدَّةُ في الرَّزايا، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) فاتّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنَّكم غدًا أمامَ اللهِ مَوقوفون، ويومَ العَرْضِ عليه مُحاسَبون، وبأعمالكم مجزِيُّون، واعلَموا أنَّ للقبورِ وَحْشَةٌ أُنْسُها الأعمالُ الصالحة، وبها ظُلْمَةٌ يُبدِّدُها تَدارُكُ الموَاسِمِ السَّانِحة، فلا تغُرَّنَّكمُ الحياةُ الدنيا، ولا تُلهيَنَّكمْ عن الآخرة.

أيها المسلمون: التوبةُ حَبِيبَةٌ إلى الله، والتائبُ حَبِيبُ الله، فهو سبحانه يحبُّ التائبينَ ويَفْرَحُ بهم.. اللهُ الذي خلقَكَ ورزقَك، وعافاك وأعطاك؛ هو في عُلُوِّهِ وجَلالِه، وكبريائهِ وجبَروته، وسَعَةِ مُلْكِه؛ رَحيمٌ بك، يَفْرَحُ بكَ إذا أقْبَلْتَ عليه، ويُحبُّكَ إذا أَنَبْتَ إليه.

التوبةُ -يا عباد الله- هي مِنْ أحسنِ الأعمَالِ في هذا الشّهرِ الكريم.. ورمضانُ يُكفِّرُ اللهُ بالأعمالِ الصالحة فيهِ ما بينَه وبينَ رمضانَ الآخر؛ فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: "الصلواتُ الخمس، والجُمعةُ إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان؛ مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَتِ الكبائر" رواه مسلم.

عباد الله: ولقد مثَّلَ عالِمُ الصحابةِ -رضي الله عنهم-: عبدُالله بنُ مسعودٍ t حالَ المؤمنِ الصادقِ معَ ذنوبِه وخطاياه بمثالٍ ينبغي الوقوفُ عنده، فقال t: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عليه، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ على أَنْفِهِ فقال بِهِ هَكَذَا" رواه البخاري.

عباد الله: لقد مضَى مِنْ شَهْرِنا ثلُثَهُ، والثُّلُثُ كثير.. فأَقْبِلُوا على اللهِ سبحانه، وأَقْلِعوا عن كلِّ ذنب، فهذه فُرصَةُ العُمر، وما يُدريك؟ لعلَّها لا تتكرَّرُ لك مرةً أخرى! فالأوبةَ الأوبةَ إلى اللهِ في هذا الشَّهرِ الكريم.

روى الترمذيُّ مِنْ حديثِ أبي هريرة t عن النبيِّ r قال: "إذا كانَ أوّلُ ليلةٍ مِن رمضان غُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتَحْ منها باب، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها باب، ويُنادِي مُنَادٍ: يا باغِيَ الخير: أقبِلْ، ويا باغِيَ الشرِّ: أقصِرْ، وللهِ عُتقاءُ مِنَ النارِ وذلك في كلِّ ليلةٍ، حتى ينقضِي رمضان".

أيها المسلمون الصائمون: هذا الموسِمُ فُرْصَةٌ للتغييرِ لِمَنْ أطْلَقَ بصرَهُ في الحرَام، وأرخى لِسانَهُ في الآثام، وهو فرصةٌ للتغييرِ لِمَن طاشَ مِيزانُ الصلاةِ في حياتِه.. رمضانُ فرصةٌ للتغييرِ نحوَ الخيرِ والطاعة. وهو فرصةٌ أيضًا للقضاءِ على سيِّئِ الأخلاق، وغرْسِ القِيَمِ والمكارم: "وإذا كانَ يومُ صَومِ أحدِكُم، فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّه أحدٌ، فلْيَقُلْ: إنِّي صائم".

وبعدُ عبادَ الله: عَظِّموا شهرَكم، واحفَظوا صِيامَكم؛ وبادروا إلى التوبةِ النَّصُوح، والخروجِ من المظالِم، ومُحاسبةِ النفسِ بالقيامِ بما قصَّرَت فيه. وكلٌّ أعلمُ بنفسِه. ولا تدري -أيُّها المسلم- متى يأتيكَ الأجل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، فيا فوزَ المستغفرين!.

 

الخطبة الثانية 

 

 

الحمدُ لله العليِّ الأعلى، الذي خلقَ فسوَّى، والذي قدَّر فهدَى، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعدُ: فإنَّ مِنَ الواجبِ علينا -ونحن ُفي ظِلِّ هذهِ الجائحةِ- أنْ نَشْكُرَ اللهَ قولاً وعملاً على نِعمَةٍ عظيمة؛ ألا وهيَ: قِيَامُنا معَ المؤمنين، وإحياءُ المسَاجِدِ بالتراويح، قُرآنٌ يُتلَى، وسجودٌ وركوع، ودُعاءٌ وخشوع، ورَبٌّ كريم.. كلُّ ذلكَ ونحنُ مُتَقيِّدونَ بالإجراءاتِ الاحترازية، والتدابيرِ الوقائية.. نُصلِّي معَ الإمامِ الوقتَ المُقدَّر فيَكتُبُ اللهُ لنا قيامَ ليلةٍ كاملة، وفي الحديث الصحيح: "مَنْ قامَ مع الإمامِ حتّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة".

 

ألاَ فاتقوا الله عبادَ الله، وأَرُوا اللهَ مِن أنفُسِكم خيرا، فاليومَ عَمَلٌ ولا حِسَاب، وغدًا حِسَابٌ ولا عَمَل، (وتَزَوَّدُا فإنَّ خيرَ الزَّادِ التقوى).

واعلموا أنَّ الله أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال r: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين.. اللهم صلِّ وسلّم عليه، وعلى أزواجه وذريَّته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا سميع الدعاء.

اللَّهم اُنْصُر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، وعاف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخيرٍ يا رب العالمين.

اللهم تقبَّل منا صيامنا وقيامنا، اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ، اللهمّ كما بلّغتنا أولَ هذا الشهر فبلّغنا آخره، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، يا أرحم الراحمين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

1619103843_والثلث كثير 11-9-1442.docx

المشاهدات 1156 | التعليقات 0