واكتمل الحج وعاد الحجيج – خطب مختارة

الفريق العلمي
1439/12/14 - 2018/08/25 17:05PM

على خير وبركة من اللطيف المنَّان، أتمَّ حُجُّاج بيت الله الحرام مناسكهم، وقضوا تفثهم، وبدأت الوفود في العودة إلى ديار تناءت أقطارها، وتباعدت أماكنها، يحدوهم الأمل في العودة إلى التمتُّع بزيارة الحرمين؛ إذ الغالب على كثير من المؤمنين أن الحج والعمرة لمرة واحدة لا يطفئ لهيب شوقهم، بل يرجع العباد بعد الموسم وهم أشد شوقًا إلى العودة إلى الحج والعمرة والزيارة، وكم بذل أناسٌ من أموالهم وصحتهم في سبيل الوصول إلى هذه المشاعر المقدسة؟! نسأل الله أن ييسر لنا ولجميع المسلمين الحج والعمرة والزيارة، اللهم آمين.

  

تدبر أهداف العبادات والحكمة منها

في آية جامعة ماتعة ينبِّه الله عباده ويرشدهم إلى عدم التعلق بالأشياء الظاهرة وإنما الهدف من العبادة صلاح القلب واستقامته وحسن الأوبة والتوبة إلى اللطيف الخبير، قال ربي ذو الجلال: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37].

 

وفي ظلال هذه الآية معاني عظيمة توجِّه العبد إلى أهمية الاعتناء بالباطن وعدم التركيز على العمل الظاهري فقط، ورغم أن إصلاح العمل والحرص على سلامته ومتابعة السُّنَّة في أدائه من أسباب القبول إلا أن القلب هو موضع نظر الرب -سبحانه جل شأنه- وعلى المعوّل والمدار في القبول والرفض.

 

وقد نبَّه إلى هذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" (صحيح مسلم 2564).

 

قال الحافظ ابن كثير: "(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) وهو غني عن جميع خلقه وجميع خلقه فقراء إليه، وهو واسع الفضل، لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب، فليعلم أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، ويجزيه بها، ويضاعفها له أضعافاً كثيرة، من يقرض غير عديم ولا ظلوم، وهو الحميد أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه" (تفسير ابن كثير 1/395).

 

وفي التفسير الميسر "لن ينال اللهَ مِن لحوم هذه الذبائح ولا من دمائها شيء، ولكن يناله الإخلاص فيها، وأن يكون القصد بها وجه الله وحده، كذلك ذللها لكم -أيها المتقربون-؛ لتعظموا الله، وتشكروا له على ما هداكم من الحق، فإنه أهلٌ لذلك. وبشِّر- أيها النبي- المحسنين بعبادة الله وحده والمحسنين إلى خلقه بكل خير وفلاح". (التفسير الميسر 6/57).

 

وعليه ينبغي للحجيج ولعموم المسلمين ممن صاموا يوم عرفة ونحروا الأضاحي أن يعظموا الله الجليل في قلوبهم وأن يعلموا أن أرقى مقاصد العبادة تعظيم الله -تعالى-، واليقين بوحدانيته، وقيوميته على خلقه، وأنه المقصود الأعلى بكل حركة وسكنة، وما أحوج الأمة إلى دعاة صادقين ووعاظ صالحين يذكرونهم بمقاصد العبادات حتى لا يقفوا على مجرد العمل الظاهر ويغفلوا أعمال القلوب وهم أهم وأعظم شأنًا.  

 

التقوى خير زاد

أوصى الله الحجيج أن يتزودوا لرحلة الحج ويستعدوا لها، فقال العظيم الوهاب: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

 

فأرشد ربنا -سبحانه- في هذه الآية إلى بعض محظورات الحج وأمرهم بتجنُّبها، وأخبرهم أنه مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم، ثم أوصاهم باتخاذ الزاد ونبَّههم إلى أعظمه، والمقصود الأعظم من شعيرة الحج ألا وهو تحصيل تقوى الله -تعالى- وتوطين النفس على طاعة الله –جل شأنه-.

 

قال السعدي –رحمه الله-: " ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم، سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين، وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع.

 

وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.

 

ثم أمر بها أولي الألباب فقال: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي". (تفسير السعدي 1/97).

 

فتحقيق التقوى، وتعظيم الله -تعالى-، واجتناب مساخطه، من مقاصد العبادة النافعة التي تدل على القبول وتظهر ثمراتها الزاكية على العبد في حياته وبعد رحيله.

 

نداء للحجيج

بعد أن منَّ الله عليكم بأداء شعائر الحج، ينبغي لكم الإكثار من شكر لله –تعالى- على ما منَّ به عليكم بأن جعلك من حجاج بيته الحرام لهذا العام، وأنالكم شرف زيارته؛ فالشكر مفتاح القبول وحفظ النعم، واعتراف لله –جل وعلا- بأن الفضل في البداية منه والقبول في النهاية إليه.

 

واعلم أخي الحاج أن اصطفاء الله –تعالى- لك للحج من بين ملايين المسلمين لا يعني أفضليتك عليهم، فلربما كان منهم من هو أشد شوقًا منك وأقرب لله منك، ولكنها الأقدار والابتلاءات، فكم تقطعت قلوب الصالحين شوقًا للحج، ولكن منعتهم أعذارهم، فإياك والرياء والتسميع بحجك والتفاخر به، واحذر أن تفيض في وصف متاعب ومشاق الحج، ولكن اشكر الله وحده واحمده سبحانه على ما أولاك من فضله.

 

وإذا جاءك إخوانك وجيرانك للتهنئة بالحج والعودة سالمًا؛ فها هنا مفتاح آخر للأجر وسبب جيد للغنيمة؛ بأن تُشَوِّق إخوانك من المسلمين إلى الحجّ، وتذكرهم بروحانية الحج وعظمة تلك البقاع، وأهمية السعي لزيارتها، والمتابعة بين الحج والعمرة.

 

وإذا كنت أخي الحاج من وجب عليهم هدي أو دم أو فدية فيجب الوفاء بذلك والمبادرة إليه؛ إتمامًا لنسكك وإبراءً لذمتك؛ فإتمام شرائط الحج فرض واجب لا ينبغي للعبد أن يتأخر عنها ما دام قادرًا مستطيعًا.

  

واحرص دائمًا على سؤال الله القبول والإخلاص في عملك، واعلم أن من علامة قبول الحسنة التوفيق لفعل الحسنة بعدها، والاستمرار على الطاعة والقربة، ولكن لا يغرنك الشيطان فلن تصبح مَلَكًا ولا معصومًا، فإن زلت قدمك فَعُدْ، وسارع بالأوبة والتوبة، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

 

من حُرِمَ الحج

فإذا كان الموسم قد انتهى، ورجع الحجيج إلى بلادهم، فإن من حُرِمَ الحجَّ هذا العام، فأمامه فرص عظيمة للفوز برضوان الله -تعالى- من خلال الاجتهاد في الباقيات الصالحات؛ فالعام مليء بمواسم عظيمة وكرائم جزيلة لقربات وطاعات؛ من عمر وصلاة وصدقة وصيام وذكر ودعوة وإصلاح وإحسان وغيرها.

 

كما أن الواجب أن يسعى المسلم ويجد ويجتهد من أول المحرم ترتيبًا وإعدادًا وترقبًا لبدء إجراءات الموسم الجديد، ففي كثير من بلاد المسلمين تبدأ هذه الإجراءات مبكرًا، وعليه أن يعزم على أداء هذا الركن الأعظم والشعيرة الجليلة من شعائر الدين ووحدة المسلمين.

 

ونحن في ملتقى الخطباء جمعنا لك أيها الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة تتحدث عن الواجب على الأمة بعد انتهاء مناسك الحج، فنسأل الله أن يجري الحق على لسانك وقلبك وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال. كما نسأله -سبحانه- أن يتقبل من حجاج بيته الحرام، ويخلف عليهم نفقتهم، ويردهم سالمين غانمين، ونرجوه -تعالى- أن يحملنا إلى بلده الحرام حُجّاجًا ومعتمرين، وألا يحرمنا مع فقرنا وضعفنا إنه جود كريم.

 

ما بعد الحج، الشيخ د. : عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/175302

 

وقفة بعد الحج، الشيخ د: صالح بن محمد آل طالب

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/180537

 

مقام الشكر بعد ركن الحج، الشيخ د. : أسامة بن عبدالله خياط

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/178575

 

ماذا بعد الحج؟ الشيخ : صلاح بن محمد البدير

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/173583

 

من دروس الحج، الشيخ د. : حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/173576

 

ما بعد الحج، الشيخ د. : إبراهيم الدويش

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/178623

حال المؤمن بعد الحج، الشيخ د: محمد بن عبدالرحمن العريفي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/280132

 

العج بالدروس المستفادة بعد العشر والحج، الشيخ : خالد بن علي أبا الخيل

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/182574

 

وعاد الحجيج، الشيخ عبد الله بن محمد البصري

http://www.khutabaa.com/index.cfm?method=home.con&ContentID=2019

 

ماذا بعد الحج؟ الشيخ : منصور محمد الصقعوب

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/176152

 

ما بعد الحج، الشيخ : محمد بن مبارك الشرافي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/176915

 

ماذا بعد الحج؟ الشيخ : صالح بن عبد الرحمن الخضيري

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/182546

 

وماذا بعد الحج، الشيخ د: ناصر بن محمد الأحمد

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/173902

 

وقفات بعد الحج، الشيخ : خالد بن سعد الخشلان

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/176928

المشاهدات 1632 | التعليقات 0