واقترب يوم عظيم

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/12/07 - 2024/06/13 00:19AM

الحمد لله على نعمائه والشكر له على أفضاله وآلائه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وصفاته وأسمائه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة خلقه وسيد أنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأوليائه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا شعائره، [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ]

نداءات نبوية تخترق طبقات الزمن تستحث الخطى وتنبه الغافلين وتذكر الغارقين في سكرة الهوى وتنادي ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) .. نداءات توقظ الآمنين من مكر الله في زمن الفتن تناديهم ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )

نداءات نبوية للناس باستغلال الخمس قبل الخمس ، واستثمار المنح الربانية قبل المنع ، وتدارك مافات قبل الوفاة

وهاهي العشر توالي نفحاتها وخيراتها ، وتنشر عبير مآثرها وأجورها ، وايامها تمضي والناس فيها مابين مؤثر للدنيا وزينتها محب للعاجلة تارك وراءه يوما ثقيلا ، وآخرين مريدين للآخرة ساعين لها سعيها فأولئك كان سعيهم مشكورا

أيام خالدة يعلو فيها صوت التكبير تعظيما لله مستحق التعظيم وإعلانا بيقين لايهتز ولا يزيغ بأن كل متكبر بعد الله فهو صغير وأن كل متعاظم بعد الله فهو حقير 0

ايام العشر تمضي والصالحون من عباد الله يعمرونها ذكرا وشكرا وصياما وقياما وعبادة ومسارعة للخيرات ونأياً عن المعاصي ومواطن المنكرات .. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وأولئك هم أولو الألباب

تمضي العشر بأنوارها وسيأتي بعد ايام خير الأيام .. وهناك تعود بنا الذكريات

هاهو رسول المرحمة صلى الله عليه وسلم واقف وسط الجموع المحتشدة قد قرت عينه وهو يرى الأمة تشهد له في هذا الموقف بأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة .. وفجأة تتسمر ناقة رسول الله في مكانها وينخفض رأسها ثم تبرك وينزل منها الرسول المصطفى ويتنزل الوحي برسالة من السماء فتشرئب الأعناق وتحدق الأبصار ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علا البشر محياه ونزل الوحي من السماء ( اليوم أكملت لكم دينكم .. ) وقبل الغروب يصدر أمر نبوي لبلال بأن يستنصت الناس فأنصتت تلك الجموع للمكرمة النبوية من رب الأرض والسماء ( ياأيها الناس أاني جبريل آنِفًا فأقرأني السلام من ربِّي وقال: بشِّر أهلَ الموقف والمشعر أنَّ الله قد غفَر لهم، وتحمَّل عنهم التَّبِعات)، فقال عمر: يا رسول الله، هذه لنا خاصَّة؟ فقال: ((بل لكم ولِمَن بعدَكم إلى يوم القيامة)، فقال الفاروق: كثُر خيرُ الله.

ذاك يوم عرفة يوم العتق والمغفرة والمباهاة من الملك الجبار

إننا نترقب يوما ترسم فيها معالم الإيمان والأخوة على صعيد عرفات .. إنها اللحظات التي يصبح الشيطان فيها مدحورا مثبورا

ايام وتتجمع جموع الحجيج على ثرى عرفات حيث تتجلى أنصع معالم عالمية الإسلام وعظمة هذا الدين .. اللباس واحد والهدف واحد والمكان واحد والمعبود رب واحد لاشريك له .. هناك تسقط كل الفوارق الطبقية والنعرات القبلية والمقاييس البشرية ، ويبقى شعار واحد ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وتبقى راية واحدة عنوانها ( لافضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على اسود إلا بالتقوى )

في عرفات تختلط العبارات بالعبرات ويكثر الدعاء والتضرع إلى رب الأرض والسماء وخير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ماقاله نبينا والمرسلون ( لإله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )

وإذا كان حجاج بيت الله يتعرضون لرحمات الله في صعيد عرفات في ذلك اليوم العظيم المبارك حيث يقفون مواقف إيمانية خالدة .. فياأيها المقيمون لاتحزنوا ولا تأسوا على مافاتكم فإن فضل الله عظيم وثوابه جزيل ورحمته وسعت كل شي ..

اعلموا أن مدار الأمور على النيات والمقاصد فكم تارك للحج احتسابا يعطيه الله أجر من حج واعتمر وقد قال ( ص ) للمجاهدين في تبوك ( إن بالمدينة أقواما ماسرتم مسيرا ولا نزلتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر )

فيامن لم يدرك الحج وقلبه يخفق شوقا إلى البيت العتيق ..

ابشروا إن لكم مانويتم ولن يضيع الله أجركم ومن سأل الله الشهادة بصدق كتب من الشهداء وإن مات على فراشه ، ومن هم بالحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة ،

وإن فاتكم الحج فأمامكم أبواب من الخير مشرعة .. صدقات وصلوات ودعوات وأذكار وتكبير وتهليل ، والأضحية يقع دمها عند الله بمكان قبل أن يقع لى الأرض

صوموا يوم عرفة وإن وافق سبتا فالحديث الوارد في النهي لايصح وصيام عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده ، وأكثروا من الجلوس في المساجد فذلكم الرباط وأقرنوا صيامكم بكثرة الدعاء والتضرع فللصائم دعوة لاترد ، وجميل أن يجمع مع الصيام صدقة وعيادة مريض واتباع جنازة فمن جمعها في يوم دخل الجنة ، وكم من قاعد فاق منازل الحجاج ، والإنسان يدرك بنيته ومقصده مالايدركه بعمله وإن لم نصل إلى مكانهم فلنصل انكسارنا بانكسارهم وإن لم نصل عرفات فلنستدرك مافات ، وإن لم نقبل الحجر فليلن كل قلب حجر وإن لم نشرف بالمبيت بمنى فلنظهر اللجوء إلى الله هنا

توجهوا إلى الله وأنتم تعيشون لحظات الصفاء وأنتم أقرب ماتكونون إلى الله وادعوه لأنفسكم وأولادكم ووالديكم وأهليكم ولأمتكم بأن يرفع عنها البلاء ويكف عنها كيد الأعداء ويحقق لها النصر على الخصوم الألداء

فهل ياترى تنشرح الصدور لمشاهد المؤمنين وهي تعمر بيت الله بالذكر والقرآن وتلهج ألسنتهم بالدعاء والتضرع وسؤال رب العالمين .. هذا هو المرتجى ، والمحروم من حرم طاعة الله وتخاذل عن استغلال منح الله وعطاياه

وفقني الله وإياكم لمرضاته وهدانا لسبيل جناته ..

أقول هذا القول ...

 

الخطبة الثانية

أما بعد :

فحينما يمضي يوم عرفة وتنقضي ليلة مزدلفة يحل على المسلمين يوم الحج الأكبر أعظم الأيام عند الله وفيه يتقرب المقيمون إلى الله بذبح أضاحيهم يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا والأضحية من شعائر الله فعظموا شعيرته وكلوا منها وأهدوا وأطعموا البائس الفقير وتذكروا حين ذبحها قصة التضحية والفداء والتسليم لرب الأرض والسماء والتي سطرها الخليل وابنه عليهما السلام ليرسما للبشرية معنى الإسلام والتسليم والخضوع لرب العالمين

عظموا شعيرة الأضحية ولاتجعلوا منها مادة للسخرية والتندر والنكت والطرائف والعبث والتصوير ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب

 ، ثم تأتي ايام التشريق وهي ايام أكل وشرب وذكر لله تعالى كما صح بذلك الأثر.. والذكر يا عباد الله في الإسلام ذو دائرة واسعة لا تحد مجالاتها. في ميادين عريضة من القول والعمل والفكر والاعتقاد.

الذكر ليس ساعة مناجاة محدودة في الصباح والمساء في المسجد أو في المحراب لينطلق العبد بعدها في أرجاء الأرض يعبث كما يشاء ويفعل ما يريد. الذاكر الحي والمتدين الحق يرقب ربه في كل حال وحيثما كان، وينضبط مسلكه ونشاطه بأوامر ربه ونواهيه يشعر بضعفه البشري فيستعين بربه في كل ما يعتريه أو يهمه.

وفي هذا يقول سعيد بن جبير رحمه الله: كل عامل لله بطاعة فهو ذاكر لله تعالى.

المسلم الذاكر يصحو وينام ويقوم ويقعد ويغدو ويروح وفي أعماقه إحساس بأن دقات قلبه وتقلبات بصره وحركات جوارحه كلها في قبضة الله وتحت قدرته، في أعماقه إحساس وإيمان بأن إدبار الليل وإقبال النهار وتنفس الصبح وغسق الليل وحركات الأكوان وجريان الأفلاك كل ذلك بقدرة الله وأقداره [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

أيها المسلمون: ومما يتأكد في مثل هذه الأيام الفاضلة بذل الصدقات في سبيل الله. وكلما أكثر العبد من الصدقات وسارع إلى البذل والإنفاق كان ذلك تطهيراً لنفسه وماله ومضاعفة لأجره عند الله سبحانه.

واعلموا أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم

اللهم صل وسلم ...

المرفقات

1718227158_واقترب يوم عظيم.doc

المشاهدات 749 | التعليقات 0