وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا
غازي بن طامي بن حماد الحكمي
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِالإِسْلَامِ وَأَعَزَّنَا بِهِ قُوَّةً وَإِيمَاناً ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِنَا فَجَعَلَنَا أَحِبَّةً وَإِخْوَاناً ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ هُدىً وَرَحْمَةً وَتِبْياناً ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ هَدَى اللهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الجَهَالَةِ ، وَأَعَزَّ بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ ، وَكَثَّرَ بِهِ بَعْدَ القِلَّةِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ عَلَى الحَقِّ إِخْوَاناً وَأَعْوَاناً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ ، وَقَابِلُوا نِعَمَهُ بِالشُّكْرِ وَالعِرْفَانِ :) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( [ المائدة:2] .
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِهَذَا الدِّينِ، وَشَرَّفَنَا بِهِ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ ، فَلَقَدْ عَلَّمَنَا اللهُ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ، وَهَدَانَا بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَكَثَّرَنَا بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ ، وَأَعَزَّنَا بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنِ الْعَرَبُ قَبْلَ الإِسْلاَمِ يَعْرِفُونَ لِلتَّوْحِيدِ دَلِيلاً ، وَلَا لِلْوَحْدَةِ سَبِيلاً ، فَجَمَعَ الإِسْلاَمُ عَلَى التَّوْحِيدِ شَمْلَهُمْ ، وَوَحَّدَ عَلَى الْحَقِّ رَايَتَهُمْ قال تَعَالَى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( [آل عمران:110].
وَقَدْ ذَكَّرَهُمُ اللهُ ـ جَلَّ جَلَالُهُ ـ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العُظْمَى وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا وَيُحَافِظُوا عَلَى ثَمَرَاتِهَا ، وَيَتَجَنَّبُوا كُلَّ مَا يُذْهِبُ رِيحَهُمْ ، وَيُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ ، وَيَسْلُبُ نِعْمَتَهُمْ ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( [آل عمران:103].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: وَكَذَلِكَ يُرِيدُنَا الإِسْلَامُ أَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً ، فِي ظِلِّ رَايَةِ حَقٍّ وَاحِدَةٍ ، لَا عَصَبِيَّةٌ تُفَرِّقُنَا ، وَلَا عُنْصُرِيَّةٌ تُمَزِّقُنَا ، وَلَا أَهْوَاءٌ تَزِيغُ بِنَا ، وَلاَ اخْتِلاَفَاتٌ تَذْهَبُ بِقُوَّتِنَا ، تِلْكَ الرَّايَةِ الَّتِي انْضَوَى تَحْتَهَا بِلَالٌ الْحَبَشِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَصُهَيْبٌ الرُّومِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَانْضَوَى تَحْتَهَا كُلُّ عَرَبِيٍّ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلَامِ دِيناً ، وَبِمُحَمَّدٍ r نَبِيّاً ، فَالْتَقَوْا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَذَابَتْ بَيْنَهُمْ فَوَارِقُ الْجِنْسِ وَالْوَطَنِ ، وَاضْمَحَلَّتْ نَوَازِعُ الْعَصَبِيَّاتِ وَالْفِتَنِ، وَحَلَّتْ رَابِطَةُ الإِسْلَامِ مَحَلَّ رَابِطَةِ الدَّمِ وَالْعَشِيرَةِ .
فَلِلّهِ دَرُّ الإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ ، وَلَا بَيْنَ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ ، وَلَا بَيْنَ سَيِّدٍ وَمَسُودٍ إِلَّا بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( [الحجرات:13].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْحِفَاظَ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ شَرْعِيٌّ ، وَوَاجِبٌ حَتْمِيٌّ ، لَا يَجُوزُ التَّفْرِيطُ فِيهِ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ ؛ إِذِ الاِجْتِمَاعُ عَلَى الْحَقِّ وَسِيلَةٌ لِقُوَّةِ الأُمَّةِ وَتَمَاسُكِهَا ، وَأَدَاةٌ لِحِفْظِ كِيَانِهَا وَدَفْعِ شَرِّ أَعْدَائِهَا ، وَهُوَ اسْتِجَابَةٌ لِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالاِعْتِصَامِ بِدِينِهِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهِ ، إِذْ يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَحْفَظُ لِلأُمَّةِ قُوَّتَهَا، وَيُبْقِي لَهَا وَحْدَتَهَا: التَّمَسُّكَ بِدِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كِتَاباً وَسُنَّةً ، عِلْماً وَعَمَلاً ، فَهْماً وَسُلُوكاً ، آدَاباً وَأَخْلَاقاً ، وَالتَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانِ ، وَنَبْذَ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْعُدْوَانِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( [المائدة:2].
وَمِمَّا يَجِبُ عَلَيْنَا : الْحِفَاظُ عَلَى شَوْكَةِ الأُمَّةِ وَمُقَوِّمَاتِ الشَّعْبِ الْوَاحِدِ بِإِيثَارِ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْرَةِ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِينَ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ r ، وَقِيَامِ الرَّاعِي بِحُقُوقِ الرَّعِيَّةِ وَالسَّهَرِ عَلَيْهَا ، وَقِيَامِ الرَّعِيَّةِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ أَمْرِهَا ، وَالِالْتِفَافِ حَوْلَهُ ، وَالنُّصْحِ لَهُ وَالذَّبِّ عَنْهُ ، وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ أَمْرَهُ ، وَلَا الخُرُوجِ عَلَيهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ؛ فَلَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ صَرِيحًا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ r ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ([النساء: 59].
وَمِنْ أَقْوَى الرَّوَابِطِ وَأَوْثَقِ الْعُرَى: الشُّعُورُ بِالأُخُوَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَمُرَاعَاةُ حُقُوقِهَا ، وَتَرْسِيخُ مَعَانِيهَا فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ ، وَمُمَارَسَتُهَا وَاقِعاً بَيْنَ أَفْرَادِ الشَّعْبِ الْمُسْلِمِ .
وَقَدْ أَكَّدَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الأُخُوَّةَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( [التوبة:71].
فَالْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ، قَالَ النَّبِيُّ r : «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَلَا يَخْفَى مَا لِلإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَثَرٍ عَظِيمٍ فِي إِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ وَالْعَدَاوَاتِ ، وَتَطْهِيرِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ أَوْضَارِ الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعَاتِ ، وَإِقَامَةِ مُجْتَمَعٍ سَلِيمٍ مُعَافىً مِنَ الْعِلَلِ الْبَاطِنِيَّةِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ( [الحجرات:9].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِيمَانِ وَأَكْرَمَنَا بِالْقُرْآنِ ، وَغَمَرَنَا بِالْفَضْلِ وَالنِّعَمِ وَالإِحْسَانِ ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَعَلَ الإِسْلَامَ عِصْمَةً لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْفُرْقَةِ وَالْهَوَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى الإِنْسِ وَالْجَانِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللهِ بِاللِّسَانِ وَالْمَالِ وَالسِّنَانِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى الْمَلِكِ الدَّيَّانِ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ ، وَاحْذَرُوا النِّزَاعَ وَالشِّقَاقَ وَالْخِصَامَ ، وَاعْلَمُوا - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - أَنَّ اللهَ أَمَرَنَا أَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وَنَهَانَا عَنْ أَنْ نَتَفَرَّقَ إِلَى مِلَلٍ وَنِحَلٍ ؛ إِيثَاراً لِسَلاَمَةِ الدِّينِ ، وَإِبْقَاءً لِوَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ حَيْثُ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ([الأنبياء:92].
وَإِنَّ مِنْ أَخْبَثِ أَسْلِحَةِ أَعْدَائِنَا الْيَوْمَ مُحَاوَلَتَهُمْ إِلْهَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ وَاجِبَاتِهِمْ وَشَغْلَهُمْ بِبَعْضِهِمْ ، وَإِثَارَةَ الْفِتَنِ وَالْعَصَبِيَّاتِ ، وَإِذْكَاءَ نَارِ الْفُرْقَةِ وَالاِنْقِسَامَاتِ ، وَمِنْ هُنَا كَانَ وَاجِباً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَيَقَّظُوا لِمَا يُدَبِّرُهُ لَهُمُ الأَعْدَاءُ مِنَ الْمَكَايِدِ وَالْمُؤَامَرَاتِ ، وَيَحِيكُونَهُ مِنَ الدَّسَائِسِ وَإِثَارَةِ النَّعَرَاتِ ، وَأَنْ يَحْفَظُوا وَحْدَتُهُمُ الإِيمَانِيَّةَ ، وَيَتَمَسَّكُوا بِأُخُوَّتِهِمُ الإِسْلاَمِيَّةِ .
قَالَ النَّبِيُّ r : «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ : لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، وَلاَ يَحْقِرُهُ ، ...كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ كُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى ائْتِلَافِ القُلُوبِ وَمَوَدَّتِهَا، وَاجْتِمَاعِ النُّفُوسِ وَتَآلُفِهَا وَمَحَبَّتِهَا- مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا يُسَبِّبُ تَباعُدَ القُلُوبِ وتَنافُرَهَا ، وَاخْتِلافَ الكَلِمَةِ وَتَفَرُّقَهَا ، وَشَقَّ الصُّفُوفِ وَتَمَزُّقَهَا – أَمْرٌ مُحَرَّمٌ فِي دِينِ اللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ ، فَالوَاجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا أَنْ يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا يَجْلِبُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ ، وَالنِزَاعَ والشَّحْنَاءَ ، وَأَنْ يَعْمَلَ عَلَى تَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ التَّآزُرِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ ، وَيَبْتَعِدَ عَنْ أَسْبابِ الفِتْنَةِ وَالتَّنَاحُرِ وَالتَّهاجُرِ ، وَأَنْ لَا يَخُوضَ المَرْءُ فِي أُمُورٍ لَا تَعْنِيهِ ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ المُتَرَبِّصُونَ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ ، وَلَا يَسْتَغِلَّهُ السُّفَهاءُ وَالأَعْدَاءُ ؛ فَيَكُونَ مَطِيَّةً لِنَشْرِ أَضَالِيلِهِمْ ، وَمَعْبَراً لِنَقْلِ أَبَاطِيلِهِمْ ، وَمِعْوَلَ هَدْمٍ وَتَفْتِيتٍ ، وَأَدَاةَ إِشَاعَاتٍ مُغْرِضَةٍ وَتَشْتِيتٍ ، فَالْزَمْ - يَا عَبْدَ اللهِ- غَرْزَكَ ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ نَفْسَكَ ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ أَدَاةً طَيِّعَةً لَأَعْدَاءِ دِينِكَ وَأُمَّتِكَ مِنْ خِلَالِ وَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَدَعْ عَنْكَ مَا يُنْقَلُ فِيهَا مِنْ أَخْبَارٍ كَاذِبَةٍ، وَدِعَايَةٍ مُغْرِضَةٍ ، وَقَصَصٍ مُفْتَرَاةٍ ، وَفِتَنٍ وَإِشَاعَاتٍ ، وَأَبَاطِيلَ وَإِثَارَاتٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( [الإسراء :36 ].
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ t قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ:« أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ»[ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
المرفقات
1730471768_واعتصموا بحبل الله جميعا ملتقى الخطباء.doc
1730471773_واعتصموا بحبل الله جميعا ملتقى الخطباء.pdf