(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
إبراهيم بن سلطان العريفان
1443/10/05 - 2022/05/06 01:59AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[ فتعالوا اليوم مع آية من آيات من كتاب الله، نتدبرها، ونسبح في بحار معانيها، ونرتشف من رحيقها المختوم، مع قوله تعالى ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[ قال سالم بن عبد الله بن عمر: اليقين هنا هو الموت. كما قال رسول الله ﷺ حين مات عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَالَ (أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ).
فقوله تعالى ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[ أي: اعبد يا محمد ربك حتى يأتيك الموت الذي أنت موقن به، والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح ]وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا[.
وفيه رد على من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة يسقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، فالمراد باليقين ههنا الموت، قال الحسن البصري رحمه الله: يا قوم المداومة المداومة، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ، فلم يجعل الله في الآية الكريمة حداً زمانياً، أو مكانياً، أو كمية من العمل، إذا وصل إليها العبد توقف عن العبادة وإنما جعل ذلك حتى الموت.
وهذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حيًا وله عقل ثابت يميز به فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته، فالمداومة على العمل الصالح دون انقطاع حتى الموت، هي وصية الله عز وجل لعبده ورسوله محمد ﷺ وقد كان النبي ﷺ كذلك لا يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ، بل كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَطِيعُ. كما قالت عائشة رضي الله عنها.
أيها المسلمون ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[ ففي هذه الآيةِ الكريمةِ دعوةٌ صريحةٌ منَ الله تعالى لعبده المؤمن، إلى ضرورة المداوَمة على العبادة، حتى يَلقَى ربَّه، فالمؤمن اليَقِظ يحرص على العبادة حتى تُؤتي ثمارها، وتظهر عليه آثارُها، فليس منَ الفطنة في شيء أن يَعمدَ المسلم إلى القرآن مثلا، فيُداوم على قراءته طوال شهر رمضان المبارك، فإذا خرج رمضان لم تبقَ له بالقرآن الكريم صِلة تُذْكَر، فالمداوَمة على العمل الصالح تُمِدُّ المؤمنَ بالهمَّة على مجاهدة نفسه، وتُبعد عنه الغفلة؛ ولهذا حَثَّ الرسولُ ﷺ على المداوَمة على الأعمال، وإنْ كانت يسيرة قليلة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) إنَّ القليل الدائم خيرٌ منَ الكثير المنقطع، لأنه بدوام القليل تدُوم الطاعة، والذِّكْر، والمراقَبة، والنِّيَّة، والإخلاص، والإقبال على الله سبحانه، ويستمرُّ القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
فالواجب على الإنسان أن يكون عبدًا لله في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، وفي كل شأن من شؤون حياته، يتحرى صحة العمل وإخلاص العبودية لله، والمعصية مذلة ومهانة وضنك وشقاء، فإنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي ينتقل من طاعة إلى طاعة، ومن عبادة إلى عبادة، ويحرص على الإكثار من الدعاء فالدعاء هو العبادة، ولن يهلك مع الدعاء أحد، وإذا ألهم العبد الدعاء فإن الإجابة معه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين ..
معاشر المؤمنين ... المطلوب من المؤمن الصبر، والثبات على الهداية، وعلى تعظيم كلمات الله، بتطبيقها واقعاً حيًا معاشاً، مع دوام التسبيح، والمسارعة بالتوبة عند الوقوع في فخ المعصية، كما قال الله تعالى ]فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ[ ] فَاصْبِرْ [ يا أيها الرسول كما صبر من قبلك من أولي العزم المرسلين ]إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[ ليس مشكوكًا فيه، وهذه من الأسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله وعن ما يكرهه الله ]وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ[ فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذور ] وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ[.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ...
المرفقات
1651802363_واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.docx
1651802370_واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.pdf