{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} 5/10/ 1443ه
الحمد لله ذي العزةِ والجلال، غافرِ الذنبِ وقابلِ التوب شديد المِحال، وأشهد أن لا إله إلا الله أولاً وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }
لقد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} قال الإمام البخاري رحمه الله: "فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ".
رمضان رسخ في أذهاننا أن الإسلام ليس مقصورا على المسجد والسجادة ، بل هو مهيمن على العمل والسوق والسياحة
ولواءُ الإسلامِ في كل أرضٍ ** خافقُ يحُمي به الخافقان
ما أجمل تورع المسلم وهو يسأل عن قطرة العين في الصيام، لكن الأجمل أن تحفظ هذه العين عن النظر إلى ماحرم الله ، وما أبهى وجه المرأة وهو ينهمر بكاءً في القنوت ، لكن الأبهى أن يكسوه الحياء بعد الصلاة ، ويحفظ ويستر في الأسواق والمتنزهات .
لايصح من مسلم ومسلمه أن يكون في المسجد عبدا لله وفي خارجه عبدا لشهواته وهواه {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
مُشَرعُ الإسلام الذي قال {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } هو الشرع القائل ( من غشنا فليس منا) ، والقائل {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي} هو القائل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}.
إن الفصل بين العبادة وبين شؤون الحياة هو هدف أعداء الدين، فهم ينشدون جيلا يصلي في المسجد ولايجد حرجا في الفواحش ، جيلا يصوم عن الطعام والشراب لكنه لايتورع عن الفسوق والعصيان، جيلا يصلي ويصوم ويتقبل الربا والتبرج والاختلاط.
إنها سياسة سنها قوم شعيب حينما قالوا له { أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} فهم يستنكرون أثر الصلاة في سلوكهم واقتصادهم ومعاملاتهم .. وهو منطق دعاة الشهوات اليوم الذين يتساءلون في استنكار .. ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ ما للإسلام والعري ؟ ما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ ما للإسلام وتناول كأس الخمر لإصلاح المزاج؟ ما للإسلام والقوامة ؟ ما للدين وشؤون الأسرة ؟؟
نتيجته حين ترى من يتحرج من الغرغرة في صيامه ، ولا يبالي أن يلوك أعراض المسلمين بلسانه .
نتيجته حينما ترى المرأة قانتة في مسجدها، خاشعة في سجادتها ، وإذا خرجت تبرجت ، واختلطت بالرجال ..
قوةُ الإيمانِ وصلاحُ الدين.. حصنٌ من المزالق، وأمانٌ من النكبات، وحرزٌ من المهالِكِ وقوةٌ في النائبات.
يُفترى على الشريعةِ الغراءِ، ويُتهم حملتُها، ويتقولُ على الله بلا علم .. لأن متقولَها لم يقتطعْ من وقتهِ لسماعِ الحقِ الناصعِ بلا تشويشٍ، ولم يدركْ سرَ التشريعِ برضى وتسليم ..
إن لم يكن للعلم دين يقوده …*… تحرف عن مهج الهدى وتنكبا
ان لم يكن للمرء دين مسيطر …*… عليه تعدى طوره وترببا
(وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )
أخذَ الدين بقوة.. هو قبولُ لكُلِّ أوامِرِهِ ونواهيه، وأحكامه وتشريعاتِه بانقيادٍ تامٍ واستسلامٍ كامل. من غير ترددٍ ولا توَقُّف، ولا تخبطٍ ولا انتقاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} فمن لَزَمَ هذا الصراطِ ألبسَه الله تاج العِزِّ، وأقامَه مقام القوةِ، وأمدَّه بالعونِ والتمكين.
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية :الحمدُ لله أحاط بكل شيءٍ علماً، وجعل لكل شيءٍ قدراً ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابِه إلى يوم الدِّينِ. أما بعد
الصبُر على الطاعات ، والمجاهدةُ في الثبات عند التنازلات ، واليقين بنصرة الحق وقت الشدائد والأزمات .. رمز البقاء ، وبشرى بورد الحوض مع المصطفى .. دعا النبي الأنصارَ فقال لهم " إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً ، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ " متفق عليه.
الحقُ ابلجُ والمنجاةُ عن كثبٍ ** والأمرُ للهِ والعقبى لمن صلحا
يا ويح نفسٍ توانت عن مراشدِها ** وطرفُها في عنان الغي قد جمحا
ترجو الخلاصَ ولم تنهج مسالكها ** من باع رشدا بغي قلما ربحا
من أراد محبة الله فليلزم فرائضه.. ومن أراد قربه فليلذ بجنابه، ولايضعف عن دعائه ، منافذ القربات عديدة "فاسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ .. الصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
هذه مقوماتُ النجاح لمن أرادها ، وبراهين الفوزِ لمن تمسك بها ، "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ".
بلَّغنا الله وإياكم منازل الأبرار ، بجوار النبي المختار ، فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (*) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .
ربنا تقبل منا إن أنت السميع العليم
المرفقات
1651784885_{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.docx
1651784894_{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.pdf
تركي العتيبي
الله يسعدك خطبة مباركة
تعديل التعليق