وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

عباد الله : لقد انتهى شهر رمضان،  بأنفاسه الخاشعة الزاكية، لكن الذي يؤلم القلب أننا نرى إعراضاً وفتوراً عن كثير من الطاعات بعد انقضاء رمضان، فإن كثيراً من المسلمين لا ينطلقون للعبادة إلا في رمضان، ومع أول فجر من شهر شوال ترى كثيراً منهم قد تفلت من عبادة الكبير المتعال ولو حققوا الغاية التي خلقهم الله تعالي من أجلها لتعلقوا به ولملأ قلوبهم بحبه خلق اللهٌ تعالي عبادهٌ من أجلِ أن يفردوهُ بالعبادةِ لو اقتضي الأمرُ إن تخرجَ من بلدكَ ومن أهلكَ ومن مالكَ لتحققَ العبادة وجبَ عليكَ ذلك قال الله تعالي { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }إنما ذكرَ اللهُ الموتَ بعدَ السياحة في البلدانِ طلباَ للعبادة كأنَ اللهَ يقول لك كن عبداً لله ومتْ حيثُ شئتَ ، مضى رمضان فيا أسفا عليه ، سوق أقامه الله تعالى ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ، مضى رمضان فرأينا عجبا من العباد رأينا نفورا  وإعراضا عن الطاعة ، أين أقدام قد اصطفت فيه لمولاها، حين دعاها للهو واللعب هواها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها، حين تذكرت قبيح صنعها؟ أين قلوب حلقت فيه بجناحين من خوف ورجاء، وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس النجاة ولقد رأينا المساجد في رمضان قد ملئت عن بكرتها فما أن مضي رمضان حتي قلة العزيمة وضعفت الهمم ،فيا ترى هل يبقى الصائم بعد رمضان على ما كان عليه في رمضان أم أنه يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً؟ ويا ترى هل يبقى هذا الذي كان في رمضان صائماً وللقرآن تالياً وقارئاً وللصدقة معطياً وباذلاً ولليل قائماً وفيه داعياً هل يبقى على هذا بعد رمضان أم أنه يسلك الطريق الآخر أعني طريق الشيطان فيرتكب المعاصي والآثام وكل ما يغضب الرحيم الرحمن؟

إياك أن تكون كصاحب البستان

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ {(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) (البقرة:266) }  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ أَيُّ عَمَلٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ ) فمَن حصَّل في رمضان الحسنات الكثيرة كهذا الغني -الذي ضرب به المثل في الآية- صاحب الجنة ذات النخيل والعنب -وخص النخيل والأعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الأشجار-، وله ذرية صغار ضعفاء مِن البنات والغلمان؛ فكانت معيشته ومعيشة ذريته مِن ذلك البستان، فلما ضيع ما كان معه مِن الحسنات بعمل السيئات التي أضاعتْ عليه ثواب ما كان قدَّم في "رمضان" - كان حاله بذلك كحال صاحب هذا البستان عندما أصاب بستانه ريح فيها نار فأحرقته، فلم يعد يملك شيئًا، ولم يكن عنده قوة -لكبره- على أن يغرس شجره ثانية، ولم يكن عند بنيه خير فيعودون به على أبيهم، فافتقر عند أشد الحاجة للبستان وشجره؛ عند كبر سنه وضعف ذريته .

واعلموا يا عباد الله أن للمداومة على العمل الصالح فوائد عظيمة

منها:أن هذا كان من دأبه عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً "  وعن علقمة قال: قلت لعائشة: "هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص شيئًا من الأيام؟ "قالت: "لا بل كان عمله دِيمةً ) تَقُصُّ عَلَيْنَا أُمُّ حَبِيبَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَبَرَهَا، فَتَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: "فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ومن حافظ علي الطاعات سَيِّئَاتُهُ وَخَطِيئَاتُهُ فِي تَكْفِيرٍ دَائِمٍ؛ "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ"

ومنها: أن المداومة سبب لمحبة الله  وفي الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) وفي مسند الإمام أحمد بسند قال عنه الهيثمي رجاله رجال الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاتَ اللَّهِ، فَلاَ يَزَالُ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ فُلانًا عَبْدِى يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِى أَلاَ وَإِنَّ رَحْمَتِى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلاَنٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ، حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إِلَى الأَرْضِ)

 ومنها: أن المداومة سبب للنجـاة من الشدائـد وفي الحديث: ((احفظ الله يحفظك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة) هذه السيدة حفصة بنت عمر رضوان الله عليها زوج رسول الله، وقعت في شدة فقد طلقها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن  كان للصيام أثر طيب في حياتها، وقد أبقاها الله زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله -كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة-: طلقها ذات يوم، فنثر عمر التراب على وجهه، وقال: ما أصبح الله يبالي بـ عمر ولا بابنة عمر، فنزل جبريل من السماء وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة؛ لأنها قوامة صوامة، وإنها زوجتك في الجنة.

ومنها : المداومة على العمل الصالح دليل على حسن الخاتمة فمن ثبت على طاعة ربه ختم الله للعبد بخاتمة السعادة روي الحاكم في المستدرك بسند صححه الألباني عن عمرو بن الحمق قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أحب الله عبدا عسله قال : يا رسول الله و ما عسله ؟ قال : يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه ـ أو قال ـ من حوله "  قال بن رجب الحنبلي إنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ،فالخواتيم ميراثُ السوابق كان عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا صلى رفع يديه قائلاً: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة قال أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني وأنا ساجد فقام وصلى، فقبض الله روحه وهو ساجد.

وهذا الإمام إبراهيم بن إسحاق النيسابوري إمام جليل من أئمة هذه الأمة تلميذ الإمام أحمد بن حنبل، وصاحب كتاب مسائل الإمام أحمد، هذا الإمام العابد كان نسيج وحده في الصيام، لدرجة أن الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة يقول لابنه إسحاق: ومن يطيق ما كان يطيق أبوك؟! هذا الإمام ضل ستين سنة يسرد الصوم سرداً، لا يفطر إلا الأيام التي يحرم فيها الصوم. فلما جاءه الموت قال لابنه: يا بني! قرِّب إليّ قدحاً من الماء لأشرب، ثم قال لابنه: يا بني! هل غربت الشمس؟ قال: لا يا أبت! قال: فنح القدح إذاً، ثم مات وهو يتلوا قول الله تبارك وتعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61].

 يقول الحافظ ابن كثير : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه؛ فإن عشت على طاعة وعلى عمل صالح اقتضى عدل الله أن يتوفاك على ذات الطاعة ونفس العمل الصالح، فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر : ( يبعث كل عبد على ما مات عليه )

قصص من ثبات السلف الصالح

كم هو جميل ثباتك يا ثابت ثابت البناني التي كانت تسمع تلاوة القرءان من قبره ورد عن الذي ألحده في قبره أنه قال أنا والذي لا إله إلا هو أدخلت ثابت البناني في لحده فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا به يصلي في قبره فقلت للذي معي : ألاتراه ؟ قال : اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها : ما كان عمل ثابت ؟ قالت : وما رأيتم ؟ فأخبرناها فقالت : كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه : اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره فأعطينيها ، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء " والقصة صححها الإمام الذهبي قال الذهبي رحمه الله في "السير "(5/ 520):عَفَّانُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ ، قَالَ: كَانَ ثَابِتٌ يَقُوْلُ: " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَداً الصَّلاَةَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِي الصَّلاَةَ فِي قَبْرِي " .فأثبت ذلك بالسند الصحيح ، ثم قال :" فَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ اسْتُجِيْبَتْ لَهُ، وَإِنَّهُ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، فِيْمَا قِيْلَ " انتهى .

هذا الرجل الصالح ثبت علي صلاة النافلة خمسين سنة ويدعوا الله أن يرزقه الصلاة في قبرة فأكرمة الله بذلك ، ومن الناس اليوم من يتكاسلون عن تأدية الفريضة منهم من يصلي في رمضان فقط فإذا مضي رمضان ينقطع عن الصلاة ، ورسول الله صلي الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج رأي قوما ترضخ رؤوسهم أي تكسر ثم تعود كما كانت فقال من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة ،

ثبات أبو هريرة رضى الله عنه على طاعة ربه

روى البخاري (1149) ، ومسلم (2458) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ : ( يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ ) قَالَ: " مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ  )  دف نعليك : يعني حركة نعليك وصوتهما في الأرض .

 وأخرج الترمذي (3689) عن بُرَيْدَةَ ، قَالَ: " أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ : ( يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي ، دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي ، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا : لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ ، فَقُلْتُ : أَنَا عَرَبِيٌّ ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ) ، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِهِمَا)  ) . وصححه الألباني في " صحيح الترمذي  .

نصائح بعد إنتهاء الشهر الكريم

أولاً : لا تغتر بعبادتك فرسول الله مع نبوته وعظيم زلفته لا يدري ما يفعل به صلى الله عليه وسلم روي البخاري في صحيحة عن  خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ  ....) واليقين كما فسره أهل العلم وأهل التفسير: الموت، كما فسر ذلك فيما نقل البخاري عدد من الصحابة رضي الله عنهم وعدد من التابعين كـ قتادة و الحسن و عكرمة و مجاهد و سالم وغيرهم أن اليقين هو الموت،

                                    أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجان

                                    وأين ما شاده شداد في إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان

أتى على الكل أمرٌ لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

" وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا قَالَتْ وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ  )

فالنبي صلي الله عليه وسلم يعلم أمته أن لا يغتروا بطاعتهم وأن يعملوا ويجتهدوا في عبادة ربهم تبارك وتعالى حتى الموت .

ثانياً : وليخشي العبد أن يقلب الله قلبه إذا بدل الطاعة بعد رمضان إلي عصيان

روي أحمد في مسنده بسند صحيح قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ يَعْنِي بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَمَا سَمِعْتَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنْ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا )

وفي رواية  أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بسند صحيح  عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذَا الْقَلْبَ كَرِيشَةٍ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُقِيمُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ )

ثالثاً : الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، واللجوء إليه بالدعاء الكثير في كلّ وقت وخصوصاً في السجود، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء: (يامُقَلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ) صححه الألباني.  قول الحسَنُ: "إنَّ الله لم يجعل لعمل المؤمن أجَلاً دون الموت"، ثم قرأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، فالمؤمن لا ينقطع عن العمل إلاَّ بانقطاع الأجل، وقد سُئِل الإمام أحمد: متى يجد العبدُ طعم الراحة؟ قال: عند أول قدمٍ في الجنَّة.  وقد سُئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان، فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان. يقول الإمام ابن حجر  "فينبغي للمَرْء ألا يَزْهد في قليلٍ من الخير أَنْ يأتِيَه، ولا في قليلٍ من الشر أنْ يجتَنِبَه؛ فإنَّه لا يَعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيِّئة التي يَسْخط عليه بها"

رابعاً : اجبر خلل الفرائض بكثرة النوافل لابد للعبد في طريقه إلى الله - عز وجل - من تقصير في الاستقامة، ومن نقص في الطاعة، وخلل في الهداية؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} {فصلت: 6} فيجبر التقصير بالاستغفار، ويسد الخلل بالتوبة والأوبة، ويكمل النقص بنوافل العبادات، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

ومن النوافل التي حث عليها الشارع ورغب فيها وأرشد على القيام بها، صيامُ ست من شوال فعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَامَ رَمضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ))؛ رواه مسلم.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وختم لنا بخاتمة السعادةأجمعين

 

 

المشاهدات 1056 | التعليقات 0