وارتفعت الأسعار ... فماذا أنت فاعل !

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عل أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله قد غلا السعر فسعِّر لنا ! فقال ( إنَّ اللهَ هوالمُسعِّرُ القابِضُ الباسِطُ الرَّازِقُ، وإنِّي لَأرجُو أن ألقَى اللهَ وليس أحَدٌ منكم يُطالِبُني بمَظْلِمَةٍ في دمٍ ولا مالٍ ) وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا جاء، فقال: يا رسول الله سَعِّر ! فقال ( بل أدعو ) ثم جاءه رجل، فقال:  يا رسول الله سَعّر ! فقال ( بلِ اللَّهُ يخفِضُ ويرفعُ ، وإنِّيلأرجو أن ألقى اللَّهَ وليسَ لأحَدٍ عندي مَظلِمةٌ ).

عباد الله ... من هذين الحديثين يتبيَّن لنا: أن ارتفاع الأسعار ورخصها بيد الله تعالى، لأن من صفاته جل وعلا أنه يبسط ويقبض ويرفع ويخفض، ومن ذلك أنه يبسط الأرزاق ويكثرها فترخص أسعارها، ويقبض الأرزاق ويقللها فترتفع أسعارها، وفي ذلك دليل على كمال قدرته سبحانه يقلب الليل والنهار وما فيهما كما يشاء سبحانه وتعالى.

وإذا كانت هذه الأمور بيد الله سبحانه هو المتصرف فيها كما يشاء فعلى العباد أن يعلقوا قلوبهم بالله ويسألوه ما ينفعهم من رخص الأسعار ووفرة الأرزاق، ولهذا قال النبي ﷺ لما قيل له سَعِّر !قال ( بل أدعو ) أي بل أدعو الله تعالى أن يرخص الأسعار ويبسط الأرزاق.

وعلى العباد أن يرضوا ربهم بطاعته والقيام بشكر نعمته واجتناب معصيته ... فإنهم إن فعلوا ذلك فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض كما قال جل جلاله ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ). وفي الأثر: أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. فمحاسبة الناس أنفسهم ومراجعتهم أحوالهم وإصلاحهم سرائرهم وعلانيتهم من أسباب رفع العقوبات ونزول البركات.

ثم اعلموا ... أن غلاء الأسعار لم يسلم منه أفضل العهود وأزكاها عصرُ النبي ﷺ وأصحابِه، ففيه تسلية وعزاء لكل مجتمع قد يصاب في دنياه بشيء من المصائب ولو كان على دين وتقوى وصلاح، فإن الابتلاءات كما تكون عقوبات فإنها قد تكون أيضاً لتكفير السيئات ورفع الدرجات.

وتأملوا – يا عباد الله - في قوله ﷺ ( إنَّ اللهَ هوالمُسعِّرُ القابِضُ الباسِطُ الرَّازِقُ ) تنبيه أن الله هو الذي يرزق عباده كما قال تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فهو الذي قد تكفل برزق عباده إنسهم وجنهم ودوابهم وبهائمهم كم قال تعالى ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) وقال تعالى ( وكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ) فالذي يرزق الناس في حال الرخص هو الذي يرزقهم في حال الغلاء فلا ينبغي للمؤمن أن يأخذه الهلع والجزع بل يكون مطئمن القلب واثقاً من وعد الله تعالى عالماً بأن ما كتبه الله له فلا بد أن يصل إليه وما لم يكتبه له فلن يصل إليه. قد كتبه له رزقه بالتفصيل وهو في بطن أمه ابنَ مائة وعشرين يوماً.

اللهم إنا نسألك رخص الأسعار وبركة الأرزاق ودوام نعمة الأمن واجتماع الكلمة وتحكيم الشريعة إنك سميع الدعاء .

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... اتقوا الله حق التقوى، وتفاءلوا ولا تتشاءموا، واعلموا أن المسعر هو الله تعالى وأنه هو الذي يُغْلِي الأسعار وهو الذي يُرْخِصُها، قال رسول الله ﷺ (عِظَمُ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاَهم،  فمن رضيَ فلَهُ الرِّضا، ومن سخِطَ فلَهُ السُّخط ).

واحذروا – يا عباد الله - فإن الذين يشنون الحملات المسعورة على ولاة أمورنا وفقهم الله إذا حصل شيء من ارتفاع الأسعار في بعض السلع حسب ما تقتضيه ظروف الوقت قد خالفوا السبيل القويم والمنهج المستقيم.

أنهم حين يحرضون الرعية على الراعي والشعب على الحاكم من أجل هللات أو ريالات فهم في حقيقة الأمر لا يحلون مشكلة ولا يصلحون فسادًا وإنما يطلبون دمارًا عارمًا وخرابًا واسعًا، فإن اختلاف الكلمة بين الراعية والرعية تفضي إلى مصائبَ وخيمة وأهوالٍ عظيمة كما لا يخفى عليكم جميعًا. ومن المؤسف ما نشاهده من مقاطع وصور يتناقلها الناس عبر وسائل التواصل مما يعبر المستقبل من باب التنفيس زعموا، وإني أخشى أنه يكون باب من أبواب التشاؤم الذي نهانا عنه رسول الله ﷺ.

إن المسلم المؤمن الخاضع لأمر الله تعالى المتبع لرسول الله ﷺ لا يربط بين بيعته لولاة أمره وبين ما يصله من دنياهم، بل يبايعهم لله إن أعطوه حقه حمد الله وسمع وأطاع، وإن منعوه حقه صبر واحتسب وسمع وأطاع أيضًا. وحقه إن لم يصل إليه في الدنيا وصل إليه يوم القيامة قال ﷺ ( إنكم ستروْنَ بعدي أَثَرَةً وأمورًا تُنكرونها ) قالوا : فما تأمُرُنا يا رسولَ اللهِ؟ قال ( أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا اللهَ حقَّكم ).

نعم .. فليس من سلوك وأخلاق أهل الإيمان أن يرضى ويسمع ويطيع إذا أعطوه ويسخط أو يحرض أو يثير الفتنة إذا منعوه، قال ﷺ ( ثلاثٌ لا يُكلِّمُهمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يَنظرُ إليهِمْ ولا يُزكِّيهمْ ولهمْ عذابٌ أليمٌ ) وذكر منهم فقال ( ورجلٌ بايَعَ إمامًا لا يُبايِعُهُ إلا لِدنْيا، فإنْ أعطاهُ مِنْها وفَى، وإنْ لمْ يُعطِهِ مِنْها لمْ يَفِ ).

عباد الله ... لنضع نصب أعيينا هذه العبارة ونتذكرها دائمًا ( إن الله هو المسعِّر ) لنحمدِ الله ولنشكره على نعمه ومننه وآلائه، فنحن نعيش في رغد من العيش، ولو لم يكن لنا من الدنيا إلا أننا نعيش في أمن لكفى بها نعمة فكيف ونحن نتقلب في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى نعمة الدين والدنيا، فاشكروا الله فبالشكر تدوم النعم ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ).

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين

 

المشاهدات 846 | التعليقات 0