وَاجِبُ المُعَلِّمِ وَالمُتَعَلِّمِ وَوَلِيِّهِ 24-12-1438

عبدالعزيز محمد الخرمي
1438/12/23 - 2017/09/14 12:29PM

الخطبة الأولى : للشيخ محمد بن صالح العثيمين مع تصرف يسير وضبط للشكل .

الخطبة الثانية : جزء من خطبة للشيخ أحمد بن حسن الفقيهي .

 

وَاجِبُ المُعَلِّمِ وَالمُتَعَلِّمِ وَوَلِيِّهِ

24 /12/ 1438ه

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

الْحَمْدُ للهِ الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم: (الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْأِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:1-4] وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الفَضْلِ وَالعَفْوِ وَالإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بَعَثَهُ اللهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيَمْحُوَ البَاطِلَ بِالحُجَّةِ وَالبُرْهَانِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ .

أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ نَلِجُ أَبْوَابَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيْدٍ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجَعَلَهُ عَامَ خَيْرٍ، وَبَرَكَةٍ، وَجِدٍّ، وَاجْتِهَادٍ وَنَشَاطٍ .

أَيُّهَا النَّاس: إِنَّنِي لَا أَدْرِي إِلَى مَنْ أُوَجِّهُ خُطْبَتِي؟ هَلْ أُوَجِّهُهَا إِلَى العُمُومِ أَوْ أُوَجِهُهَا إِلَى أَصْنَافٍ مُعَيَّنِيْنَ؟ إِنَّنِي أَقُولُ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ أُوَجِّهُ خُطْبَتِي هَذِهِ إِلَيْهِمْ ثَلَاثُ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ المُعَلِّمُونَ وَالمُتَعَلِّمُونَ وَأَوْلِيَاءِ أُمُورِ المُتَعَلِّمِيْنَ..

أَمَّا المُعَلِّمُونَ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَنْ يُدْرِكُوا العُلُومَ الَّتِي يُلْقُونَهَا إِلَى الطَّلَبَةِ إِدْرَاكًا جَيِّدًا مُسْتَقِرًّا فِي نُفُوسِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ الطَّلَبَةِ حَتَّى لَا يَقَعَ الوَاحِدُ مِنْهُم فِي حِيْرَةٍ عِنْدَ سُؤَالِ التَّلَامِيْذِ لَهُ وَمُنَاقَشَتَهُم إِيَّاهُ؛ فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مُقَوِّمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ لَدَى الطَّلَبَةِ أَنْ يَكُونَ المُعَلِّمُ قَوِيًّا فِي عِلْمِهِ وَمُلَاحَظَتِهِ.

إِنَّ قُوَّةَ المُعَلِّمِ العِلْمِيَّة فِي تَقْوِيْمِ شَخْصِيَّتِهِ لَا تَقِلُّ عَنْ قُوَّةِ مُلَاحَظَتِهِ، إِنَّ المُعَلِّمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ ارْتَبَكَ عِنْدَ السُّؤالِ فَيَنْحَطُّ قَدْرَهُ فِي أَعْيُنِ تَلَامِيْذِهِ، وَإِنْ أَجَابَ بِالْخَطَأِ فَلَنْ يَثِقُوا بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ انْتَهَرَهُمْ عِنْدَ السُّؤالِ وَالمُنَاقَشَةِ فَلَنْ يَنْسَجِمُوا مَعَهُ.. إِذًا فَلَابُدَّ لِلْمُعَلِّمِ مِنْ إِعْدَادٍ وَاسْتِعْدَادٍ وَتَحَمُّلٍ وَصَبْرٍ عِنْدَ تَوْجِيْهِ السُّؤالِ لَهُ؛ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ رَاسِخٌ فِي ذِهْنِهِ مُسْتَقِرٍ فِي نَفْسِهِ أَجَابَ بِكُلِّ سُهُولَةٍ وَانْطِلَاقَةٍ وَإِلِّا إِنَّهُ لَا يَخْلُو بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الارْتِبَاكُ أَوْ الخَطَأُ أَوْ الانْتِهَارُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنَافِي الآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ المُعَلِّمُ عَلَيْهَا..

وَإِذَا كَانَ عَلَى المُعَلِّمِ أَنْ يُدْرِكَ العِلْمَ الَّذي سُيُلْقِيْهِ أَمَامَ الطَّلَبَةِ - فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى حُسْن إِلْقَائِهِ إِلَيْهِم؛ بَأَنْ يَسْلُكَ أَسْهَلَ الطُّرُقِ فِي إِيْضَاحِ المَعَانِي، وَضَرْبِ الأَمْثَالِ، وَمُنَاقَشَةِ الطَّلَبَةِ فِيْمَا أَلْقَاهُ عَلَيْهِم سَابِقًا؛ لِيَكُونُوا عَلَى صِلَةٍ بِالمَاضِي وَيَعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ مُتَابَعَةً مِنَ المُعَلِّمِ.. أَمَّا أَنْ يَأْتِيَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الشَّيْءَ قِرَاءَةً لَا يَدْرِي مَنْ فِهِمَ وَمَنْ لَمْ يَفْهَم وَلَا يُنَاقِشُ فِيْمَا مَضَى - فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ طَرِيْقَةٌ عَقِيْمَةٌ جِدًّا لَا تُثْمِرُ ثَمَرَةً وَلَا تُنْتِجُ نَتِيْجَةً طِيِّبَةً.

وَإِذَا كَانَ عَلَى المُعَلِّمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الأُمُورِ العِلْمِيَّةِ تَحْصِيْلًا وَعَرْضًا - فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الأُمُورِ العَمَلِيَّةِ التَّعَبُّدِيَّةِ ..

عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ النِّيَّةِ وَالتَّوْجِيْهِ؛ فَيَنْوِيَ بِتَعْلِيْمِهِ الإِحْسَانُ إِلَى طَلَبَتِهِ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي أُمُورِ دِيْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلْيَجْعَل نَفْسَهُ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَبِ الشَّفِيْقِ الرَّفِيْقِ؛ لِيَكُونَ لِتَعْلِيْمِهِ أَثّرٌ بَالِغٌ فِي نُفُوسِهِمْ.

وَعَلَى المُعَلِّمِ أَنْ يَظْهَرَ أَمَامَ طَلَبَتِهِ بِالمَظْهَرِ الَّلَائِقِ مَنَ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ وَالآدَابِ العَالِيَةِ الَّتِي أَسَاسُهَا التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِيَكُونَ قُدْوَةً لِتَلَامِيْذِهِ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ؛ فَإِنَّ التَّلْمِيْذَ رُبَّمَا يَتَلَقَّى مِنْ مُعَلِّمِهِ مِنَ الأَخْلَاقِ وَالآدَابِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَلَقَّى مِنْهُ العِلْمَ مِنْ حَيْثُ التَّأَثُّرِ؛ لِأَنَّ أَخْلَاقَ المُعَلِّمِ وَآدَابَهُ صُوْرَةٌ مَشْهُودَةٌ مُعَبِّرَةٌ عَمَّا فِي نَفْسِهِ ظَاهِرَةٌ فِي سُلُوكِهِ، فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الصُّورَةُ تَمَامًا عَلَى إِرَادَةِ التَّلَامِيْذِ وَاتِّجَاهِهِمْ.

إِنَّ عَلَى المُعَلِّمَ أَنْ يَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَفِي مَنْ وَلَّاهُمُ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّلَامِيْذِ، وَأَنْ يَحْرِصَ غَايَةَ الحِرْصِ عَلَى أَنْ يَمْثُلَ أَمَامَهُمْ بِالآدَابِ وَالأَخْلَاقِ حَتَّى يَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةُ " وَمَنْ سَنَّ فِيْ الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ".

وَإِنَّنِي أَقُولُ لِلْمُعَلِّمِيْنَ: إِنَّ عِنْدَ التَّلَامِيْذِ مُلَاحَظَةً دَقِيْقَةً عَجِيْبَةُ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِم. إِنَّ المُعَلِّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَأَوهُ يُخَالِفُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فَإِنَّهُمْ سَوْفَ يَضَعُونَ عَلَامَةَ الاسْتِفْهَامِ أَمَامَ وَجْهِ هَذَا المُعَلِّمِ، كَيْفَ يُعَلِّمُنَا بِشَيْءٍ وَيَأْمُرُنَا بِهِ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا كَانَ يُعُلِّمُنَا وَيَأْمُرُنَا بِهِ؟ لَا تَسْتَهِنْ -يَا مُعَلِّمُ- لَا تَسْتَهِنْ بِالتَّلَامِيْذِ -وَلَوُ كَانُوا صِغَارًا- فَعِنْدَهُمْ مِنَ المُلَاحَظَاتِ أَمْرٌ عَجِيْبٌ.

أَيُّهَا المُتَعِلِّمُونَ: ابْذُلُوا غَايَةَ الجُهْدِ فِي تَحْصِيْلِ العِلْمِ مِنْ أَوَّلِ العَامِ حَتَّى تُدْرِكُوا المُعْلُومَاتِ إِدْرَاكًا حَقِيْقِيًّا ثَابِتًا فِي قُلُوبِكُمْ رَاسِخًا فِي نُفُوسِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ إِذَا اجْتَهَدتُمْ مِنْ أَوَّلِ العَامِ أَخْذْتُمْ العُلُومَ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَسَهُلَتْ عَلَيْكُمْ، وَرَسَخَتْ فِيْ نُفُوْسِكُمْ، وَسَيْطَرْتُمْ عَلَيْهَا سَيْطَرَةً تَامَّةً، وَإْنْ أَنْتُمْ أهْمَلْتُمْ وَتَهَاوَنْتُمْ فِي أَوَّلِ العَامِ وَاسْتَبْعَدتُمْ آخِرَهُ - انْطَوَى عَنْكُمُ الزَّمَنَ، وَتَرَاكَمَتْ عَلَيْكُمُ الدُّرُوسَ، فَأَصْبَحْتُمْ عَاجِزِيْنَ عَنْ تَصَوِّرِهَا فَضْلًا عَنْ تَحْقِيْقِهَا، فَنَدِمْتَ حِيْنَ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةَ، وَبِئْتُمْ بِالفَشَلِ وَالمَلَامَةِ.

أَيُّهَا المُدَرَاءُ: إِذَا كَانَ عَلَى المُعَلِّمِيْنَ وَالمُتَعَلِّمِيْنَ وَاجِبَاتٍ تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا؛ فَإِنَّ عَلَى إِدَارَةِ المَدْرَسَةِ أَوْ المَعْهَدِ أَوْ عِمَادَةِ الكُلِّيَّةِ أَنْ تَرْعَى مَنْ تَحْتَ مَسْئُولِيَّتِهَا مِنْ مُدَرِّسِيْنَ وَطُلَّابٍ وَمُرَاقِبِيْنَ؛ لِأَنَّهَا مَسْئُولَةً عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَمَامَ المَسْئُولِيْنَ فَوْقَهُمْ، ثُمَّ أَمَامَ عَامَّةِ الأُمَّةِ بِمُقْتَضَى الأَمَانَةِ الَّتِي تَحَمَّلُوهَا نَحْوَهُمْ.

أَيُّهَا الأَوْلِيَاء: وَإِذَا كَانَ عَلَى المَدْرَسَةِ مُعَلِّمِيْهَا وَمُدِيْرِيْهَا وَعُمَدَهَا وَاجِبَاتٌ؛ فَإِنَّ عَلَى أَوْلِيَاءَ الطَّلَبَةِ مِنَ الآبَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَاجِبَاتٌ يَلْزَمُهُم القِيَامُ بِهَا.. عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَفَقَّدُوا أَوْلَادَهُمْ وَأَنْ يُرَاقِبُوا سَيْرَهُمْ وَنَهْجَهُمْ العِلْمِيُّ وَالفِكْرِيُّ وَالعَمَلِيُّ، وَأَنْ لَا يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا لَا يَبْحَثُونَ مَعَهُمْ، وَلَا يَسْأَلُونَهُم عَنْ طَرِيْقَتِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ وَمَنْ يُعَاشِرُونَهُمْ وَيُصَادِقُونَهُمْ .

إِنَّ إِهْمَالَ الأَوْلَادِ ظُلْمٌ وَضَيَاعٌ وَمَعْصِيَةٌ لِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم :6].

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلْيَقُمْ كُلٌّ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ لَهُ وَحُقُوقٍ لِعِبَادِهِ؛ لِتَفُوزُوا بِالْمَطْلُوبِ كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكُمْ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) [الأحزاب :70-71].

أَيُّهَا النَّاس: إِنَّ مَا قُلْنَاهُ فِي حَقِّ الأَوْلَادِ لَا نَقْصُدُ بِهِ الأَبْنَاءَ فَقَط، وَإِنَّمَا نَقْصُدُ بِهِ الأَبْنَاءَ وَالبَنَاتِ؛ لِأَنَّ الأَوْلَادَ فِي كِتَابِ اللهِ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَادُ بِهِمْ الذُّكُورَ والإِنَاثَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) [النساء : 11] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُم " فَمَا كَانَ فِي حَقِّ البَنِيْنَ مِنْ رِعَايَةٍ وَمِنْ عِنَايَةٍ وَحِمَايَةٍ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ البَنَاتِ كَذَلِكَ.

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ هُدَاةً مُهْتَدِيْنَ صَالِحِيْنَ مُصْلِحِيْنَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيْمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ .

  

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ تَعْظِيْماً لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن .

أَمَّا بَعْدُ، فَالوَصِيَّةُ لِي وَلَكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.

عِبَادَ اللهِ، بَقِيَتْ هَمْسَةٌ لَطِيْفَةٌ أَخْتِمُ بِهَا حَدِيْثِيْ إِلَيْكُمْ، أَلَا وَهِيَ ظُرُوفُ الحَيَاةِ فَيْ هَذِهِ الأَيَّامِ تَشْتَدُّ عَلَى بَعْضِ الدَّارِسِيْنَ وَالدَّارِسَاتِ، وَقَدْ يَشْقُ عَلَيْهِمْ تَوْفِيْرُ مَا يَسْتَطِيْعُ نُظَرَاؤُهُمْ تَوْفِيْرَهُ، فَهَلْ يَجِدُ هَؤُلَاءِ مِنَ المَدْرَسَةِ رِعَايَةً خَاصَّةً وَبِطَرِيْقَةٍ مُنَاسِبَةٍ لَا تَجْرَحُ شُعُورًا وَلَا تُقَلِلُّ قَدْرًا؟! وَهَلْ يَجِدُ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الآبَاءِ مُسَاهَمَةً فِي عَدَمِ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ حِيْنَ لَا يُسْرِفُونَ فِي تَأْمِيْنِ الأَدَوَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ لِأَبْنَائِهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ مِنَ الأَمْوَالِ مَا يَفُوقُ حَاجَتِهِمْ؛ مُرَاعَاةً لِنَفْسِيَّاتِ أَبْنَاءِ الأُسَرِ الفَقِيْرَةِ مِنْ زُمَلائِهِمْ؟!.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَوْ أَسْهَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي تَخْفِيْفِ الأَعْبَاءِ المَدْرَسِيَّةِ عَمَّنْ يَحْتَاجُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَجِيْرَانِهِ لَمَسَحْنَا دُمُوعًا كَثِيْرَةً، وأرَحْنَا هُمُومًا عَدِيْدَةً، تَرْزَحُ عَلَى قُلُوبِ أُولَئِكَ الضُعَفَاءُ  .

وَإِنَّ مِمَّا يُوَصَى بِهِ فِي هَذَا المَقَامُ أَنَّ الجَمْعِيِّاتِ الخَيْرِيَّةِ تَقُومُ بِمْشْرُوعٍ عَظِيْمٍ، أَلَا وَهُوَ تَوْفِيْرُ الحَقَائِبِ المَدْرَسِيَّةِ لِأَبْنَاءِ الفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِيْنَ، فَأَسْهِمُوا -عِبَادَ اللهِ- بَأَمْوَالِكُم فِي هَذَا الخَيْرِ، وَلَا تُحْرِمُوا أَنْفُسَكُم بِابًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكُم، ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة:261] .

 

هَذَا وَصَلُّوْا رَحِمَكُمُ الْلَّهُ عَلَىَ مَنْ أُمِرْتُمْ بِالْصَّلاةِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَقُوْلُ الْلَّهُ تَعَالَىْ: " إِنَّ ٱلَلَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَىَ ٱلَنَّبِىِّ يُٰأَيُّهَا ٱلَّذِيَنَ ءَامَنُوا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْما " وَيَقُوْلُ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ مَنْ صَلَّىَ عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَا ". الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَىَ عَبْدِكَ وَرَسُوْلِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىَ آَلِهِ الطَّيِّبِيْنَ وَخُلَفَائِهِ الأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِيْنَ وَأَصْحَابِهِ أجمعين وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىَ يَوْمِ الْدِّيْنِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الْرَّاحِمِيْنَ .

اللّهُمَّ أعَزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعَداءَكَ أعْدَاءَ المِلَّةِ وَالدِّيْنِ. وَانْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ سُبَلَ السَّلَامِ، اللَّهُمَّ اكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ وَأَبْطِلْ مَكْرَهُمْ وَأَفْسِدْ مُخَطَّطَاتِهِمْ إِنَكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير, اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، وَأَعِذْنَا مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ،  اَللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِيْنَ وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى المُسْلِمِيْنَ.

اَللَّهُمَّ انْصُرِ جُنُودَنَا الَّذِيْنَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيْلِكَ عَلَى الحُدُودِ . واحْقِنْ دِمَاءَ المُسْلِمِيْنَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ  .  اللّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا خَاصَّةً وَبِلَادِ المُسْلِمِيْنَ عَامَّةً مِنْ دَنَسِ المُفْسِدِيْنَ وَأَعْمَالِ المُخَرِّبِيْنَ وَاجْعَلْنَا آمِنِيْنَ مُطْمَئِنِّيْنَ .

الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الْشَّرِيِفَيْنِ ، وَأَطِلْ فِي عُمْرِهِ ، وَبَارِكْ لَهُ فِي عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِيْنَ، وَفِّقْهُمْ جَمِيْعاً لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَواصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ ، وَارْزُقْهُمْ الْبِطَانَة الْصَالِحَة الَّتِيْ تُدِلْهُمْ عَلَىَ الْخَيْرِ وَالرُّشْدِ وَالْصَّلَاحِ .  رَبَّنَا آَتِنَا فِيْ الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ الْنَّارِ .

عِبَادَ الْلَّهِ اذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَظِيْمَ الْجَلِيْلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوْهُ عَلَىَ وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ .

المرفقات

المعلم-والمتعلم-ووليه-24-12-1438هـ

المعلم-والمتعلم-ووليه-24-12-1438هـ

المشاهدات 1228 | التعليقات 0