{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}

محمد البدر
1436/08/02 - 2015/05/20 12:22PM
الخطبة الأولى :
قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ( سورة النور 36 – 38 ) .
وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
والآية معناها: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن أن يأتوا الصلاة في أوقاتها في جماعة، وأن يذكروا ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، والذي يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق .
عباد الله: المبادرةُ إلى صلاةِ الجماعة، والتبكيرُ في الذُاب إلى المساجدِ لأداءِ الصلواتِ المفروضةِ، من فضائلِ الأعمالِ التي يَغْفل عنها ويقصِّرُ فيها كثيرٌ من الناسِ اليوم، فالمؤمنُ حين يذوقُ طعمَ الإيمان، ويستشعرُ لذةَ العبادة، لا يكادُ يصبرُ حتى يسمعَ النداءَ ليذهبَ إلى المسجد، بل تجدُهُ مُسارعًا مُسابقًا، لا يَدخلُ وقتُ الصلاةِ إلا وقد اشتاقَ إليها، ويَصْدقُ عليه وصفُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ العظيم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وقد رهب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التأخر عن شهود الصلاة في الصف الأول، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
هذا، وقد حض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا على إجابة داعي الله وإتيان الصلاة في جماعة في المسجد فحسب؛ لكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغب المسلمين في المبادرة إلى الذهاب إلى المساجد، والتبكير في شهود الجمع والجماعات، والحرص على الصف الأول في الصلاة وإدراك تكبيرة الإحرام خلف الإمام؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ « كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلاَثًا وَلِلثَّانِي مَرَّةً » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِى جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَّسَنهُ الأَلبَانيُّ .
كان السلف -رحمهم الله - أكثر الناس تعظيمًا لأوامر الله وإتيانًا لفرائض الله؛ بل كانوا أعظم الناس اشتياقًا للقاء الله ومناجاته والوقوف بين يديه؛ فكانوا يلبون سراعًا نداء الصلاة، كما قال النبي صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ « إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَأَجِبْ دَاَعِيَ اللَّهِ » صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : « مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

أقول قولي ....

الخطبة الثانية :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } .
عباد الله: إن الملاحِظَ لحال كثير من المصلين هذه الأيام يرى أن أكثرهم لا يحضر إلى الصلاة إلا عندما يسمع الإقامة، وهذا قد فاته خير عظيم وثواب جزيل لا يعلم به إلا الله ويلاحظ أيضاً ظاهرة انتشرت في الكثير من المساجد بعض المصلين يصلي السنة في المسجد أو يتكاسل عن القيام للصلاة وهو في المسجد فتفوته تكبيرة الإحرام أو قد تفوته الركعة الأولى والله المستعان فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ « تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ «لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ »رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ
يقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله ولا شك أيضاً أن التأخر عن الصلاة أشد من التأخر عن الصف الأول، وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير اهـ.
عباد الله: إن التثاقلَ والتكاسلَ في القيامِ إلى الصلاةِ من أوصافِ المنافقين فاحذروا يا عبادَ الله من التشبهِ بصفاتِ أولئك. الا وصلوا ...
المرفقات

693.doc

694.doc

المشاهدات 1971 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا