وأقبل الثلث الأخير من رمضان

إبراهيم بن سلطان العريفان
1435/09/21 - 2014/07/18 08:24AM
الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، الحمد لله الذي جعل رمضان موسما لفعل القربات والصالحات ونيل الدرجات والحسنات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل ختام رمضان ميدانا لجليل الطاعات وجميل القربات وباب الاستدراك الفائتات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من جّد وقام، وأزكى من صلى وصام، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله وطاعته، واغتنام شهر التقوى بتحصيل أعلى درجاتها، ونيل أسمى مراتبها، فإنها خير زاد وأرجى ذخر قال تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... بغروب شمس اليوم سيطل علينا العشر الأواخر من رمضان إيذانًا بختام شهر رمضان المبارك، تستحث همم المتقين وتشد من عزم العابدين، للاقتداء بهدي سيد المرسلين، ليكونوا في سجل المقبولين وعداد المرحومين، كما تعظ المقصرين والمفرطين على استدراك تقصيرهم والتوبة من تفريطهم، لعلهم ينجو في ختام الشهر أن يكونوا في سجل الأشقياء وعداد المحرومين.
فهذه العشر قد خصها ربنا جل وعلا بفضائل جمة وخصائص مشهودة ،وهذا من كرم الله تعالى وعظيم جوده وإحسانه أن جعل خير ليالي الشهر أواخرها ليزداد المحسنون ويستدرك المقصرون.
وان من أعظم أسباب البركة و الفضل، وأسرار المثوبة والأجر لهذه الليالي العشر، أن فيها ليلة القدر تلك الليلة المباركة الشريفة القدر، التي أنزل فيها القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والتي هي خير من ألف شهر في العبادة والذكر والدعاء والقيام ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) نعم سلام للمؤمنين من كل سوء، وحصن لهم من كل شر، من غروب شمسها إلى طلوع فجرها .
تلك الليلة - عباد الله - مطلب المؤمنين ورجاء الصالحين وأمنية المتقين، فيها يتنزل الروح الأمين جبريل عليه السلام والملائكة الكرام يشهدون مواطن الذكر والقيام والدعاء، فتعم الأنوار وتحل البركات وتكثر الخيرات وتجاب الدعوات، سألت عائشة رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالت : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ).
وفي هذه الليلة - عباد الله - تقدر أقدار العام ، فتُقْتَضَى فِيهَا الْأُمُور وَتُقَدَّر الْآجَال وَالْأَرْزَاق، كَمَا قَالَ تَعَالَى ( فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم ) وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضلها العميم حين قال ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وأمر بتحريها في العشر الأواخر من رمضان وفي الوتر منها خاصة
ولأجل هذا الفضل العميم والخير العظيم فقد خص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العشر بمزيد من الاجتهاد في العبادة، وكان له هدي وسنة في إحيائها ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. وتمثل هذا الاجتهاد بقولها رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. دلالة واضحة على اجتهاده وتفرغه للعبادة واعتزاله النساء، وكان من رحمته بأهله أن يوقظهم للمشاركة في هذا الفضل العظيم، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين (أي العشرين الأول من رمضان) بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شّمر وشّد المئزر.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إحياء تلك العشر بقيام الليل إتماما لقيام رمضان الذي بشّر فاعله بالمغفرة والرضوان فقال عليه الصلاة والسلام ( من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ).
فقيام الليل عباد الله شرف المؤمن ،ورفعة في منزلته عند الله تعالى، الذي امتدح القائمين بقوله جل وعلا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).
وفي قيام الليل لذة وأنس يستشعرها المؤمن قال عنها بعض العلماء : ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملُّق في قلوبهم باللَّيل من حلاوة المناجاة.
وفي قيام الليل يدرك المسلم ساعة الإجابة التي يتنزل فيها الرب جل وعلا في الثلث الأخير من الليل ، فينادي سبحانه وهو الكريم الرحيم ( من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) تلك الساعة التي بشّر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال ( إنّ في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة ).
ومن فضائل قيام الليل أن يدرك المسلم تلك العبادة العظيمة التي يختص بها العباد المقربون وهي الاستغفار بالأسحار، امتدحهم ربهم فقال ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ).
فحري أن نجتهد عباد الله في تحري ليلة القدر في كل ليلة من العشر الأواخر من رمضان، وأن نجّد في طلبها ، فهي والله الغنيمة الباردة، فاز من ظفر بها وقُبِل، وحَرُم من ضيعها وفرَّط، كما أخبر الصادق المصدوق.
معاشر المؤمنين .. ومن هديه صلى الله عليه وسلم الإقبال على كتاب الله تلاوةً وتدبرًا، فكان يتدارس هو وجبريل القرآن سويًا حتى يختمه، وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم ختمه مرتين. وعلى هذا سار السلف الصالح حيث كانوا يلتزمون القرآن ويتفرغون لتلاوته والاستزادة من ختماته، فكان قتادة رضي الله عنه يختم القرآن في كل سبع مرة، وفي رمضان في كل ثلاث مرة، وفي العشر الأواخر في كل ليلة مرة.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر أن يعتكف في المسجد طوال العشر مجتهدًا في عبادة ربه متحريًا ليلة القدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى اله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
فهنيئا لمن اهتدى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وجّد واجتهد في طاعة الله، وفقنا الله لرضاه وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد ألا إله إلا الله، حبب للمؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم، وكّره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله بشّر المتقين بالرضوان، ووعد التائبين بالغفران، وأمّل المقربين بالدرجات العلى من الجنان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين والتابعين لهم بإحسان.
معاشر المؤمنين .. هكذا كان حال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في الطاعات والقربات في تلك العشر المباركات، فعل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بنا ونحن المذنبون المقصرون ،كيف يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتغافل عن تلك الفضائل أو يتكاسل عن تلك المكارم أو ينشغل بدنياه في موسم التجارة الرابحة مع الله تعالى، ما أحوجنا إلى رحمة الله ، وما أحوجنا إلى مغفرة الله، وما أحوجنا إلى رضوان الله.
عباد الله .. يوم نوسد في القبور ويهال علينا التراب فلا أنيس إلا العمل الصالح، يثبت الفؤاد وينير القبر، ويثقل الميزان، ويبيض الوجه، فاتقوا الله - عباد الله - واجتهدوا في هذه الليالي المباركة كما اجتهد نبيكم صلى الله عليه وسلم، واستعينوا على الطاعة بالاحتساب والتفرغ والصبر، وتنافسوا على الطاعات (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) وتسابقوا للقربات (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏ ) وإياكم والغفلات والملهيات فإنها تضيع الأعمار وتنقص الآجال، وأقبلوا على ربكم ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ).
وصلى اللهم على نبينا محمد ...
المشاهدات 2436 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


كتب الله أجرك شيخ إبراهيم على هذه الدعوة المباركة والموعظة الحسنة كتب الله لنا ولكم ولكل الأحبة القبول والعتق من النار ودخول الجنة مع الأبرار.

وكل عام وأنتم بخير