وأقبلت العشر الآواخر من رمضان

أحمد عبدالله صالح
1440/10/14 - 2019/06/17 11:06AM


خطبــــة جمعــــــة بعنــــــــوان :
[ وأقبلت العشــــر الآواخـر مـن رمضـــــــــان ]
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في 24 مــــارس 2019 م
المـوافـــق 19 رمضـــــان 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
بغُــروبِ شمـسِ ليلـةِ الغــد ، سـتدخـلُ علينا عشـرٌ مباركـات ، عشــرٌ طيبـات ، عشـرٌ روحانيات
إنّهــا عشــرُ الفــوز والعتـق والغنائـــم .!
انّهــا عشـــرُ الإفاضـات والنفحـات .!
عشــرُ التجليــات وتكفــيرِ الخطيئـات .!
عشــرُ رفــع الدرجــات وإجـابة الدعــوات .!
عشـرُ إقــالة العــثرات وإعتاق الرقـاب الموبقـات .!

إنّهـــا العشــرُ الأَواخــرُ مـن شهـــرِ رمضــان ،
عــدةُ الصائمــين وَرَوْحُ القائمــين والساجـدين
ومـوسمًـا مـن أعظَــمِ المـواسـمِ لزيادةِ الإِيمـانِ ..

إِنَّهـا أفضـلُ ليالـي العـامِ كُلِّـهِ علـى الإِطــلاقِ ، والتـي مـا غـابت شَمـسُ العـامِ علـى ليالٍ هـيَ أَفضــلُ منهـا ولا أَجــلّ ولا أعظَــم ..
نعــم احبتـي الكـــرام :
هاهـي العشــرُ الأواخر من رمضان على الأبـواب،
هذه العشـر هـي خلاصـةُ رمضـان، هي عصـارةُ رمضـان، هي تـاجُ رمضـان ، هي لـبُّ رمضـان
بل إنهــا أجَــلُّ أيـامه وأخّيرُهــا .!
بل اقول هي زبدته وثمــرته، وموضـعُ الـذؤابةِ منه..

وهـي ليـالٍ معــدودات ، وساعــاتٍ محــــدودات، وستنصـرم وسترحل وستنقضي انقضاء الحلم
ويا حـــرمان مــن لـم يذق فيها لـذةَ المناجــــاة !
ياحـــرمان مــن لـم يشعــر فيها بروعـة القـرب من الله !
يا خــذلان مــن لـم يتلذذ فيهـا بالأنـس بالله !
ويا خسارة مــن لم يضعْ جبهته لله ساجدًا فيها !!

فـي هـذه العشـرُ يـا كــــرام
يُشمّــرُ المشمــرون، ويَتــزودُ المــتزودون ، ويَتمـيزُ العـابدون، ويَسعــدُ المخبتــون وفيها يجأرُ المذنبون بدعائهـم، وتَختلـطُ دمـوعُ انكسارهم بطلـبِ مغفـرةِ ذنوبهم.
كـم سيكـونُ في هـذهِ العشـرُ الأخيرة المبـــاركــة مـن جبَـاهٍ ساجــدةٍ ، وقُلــوبٍ خـاشعــة ، وعيـــونٍ دامعـــة ..!
كـم سيكـون في هـذه العشــر مـن أكُفٍّ مـرفـوعــة
تطلب وتطلب وتنادي وتشكو وتسأل وتدعـوا دون كــللٍ او مــلل ..
وكــم سيكـون فيها من أفئــدةٍ ضـارِعـة ، وصُفـــوفٍ مُنتَظمــةٍ فـي مسـاجـدهــا .

كــم سيكــون فيهـا مـن أقــدامٍ مُنتصبـةٍ فـي محـارِيبهـا ، لن ولن تستلم لدواعي التعب والأعيـاءِ والإرهاق .. بل ستستمر على الانتصابِ والوقــوف والقيام لعلمها التـام انّ الجهْدُ والتعب والإعيــاء سيذهب وسينتهي وسيغـادر وسيبقى عظـــيمُ الأجــرُ وجزيـلُ الثــواب..

كـم سيكـون في هذه العشـرُ من خُشــوعٍ ودُمــوعٌ وتضَــرُّعٍ ودُعــاء ، ونشــيجٍ وبُكـــاء ، وشوقٍ ورجاء

كـم سيكــون فيها من قلُــوبٍ مُتعلِّقــةٍ بالسَّمـاء، وجُنــوبٍ مُتجـافية عــنِ الأَرضِ ..

كـم سيكــون فيها من نفــوسٍ مُقبله ستهْجُــرُ المجـالـسَ والمضـاجِـع ، وامــاكن السفهــاء
ومقايل اللهــو واللغــو ونوادي الضحك والضياع
لكي تتلَـذَّذَ بمُنـاجـاةِ المَـولى سبحانه وتـأنـسَ بالخلــوةِ بهِ وتطِـيبُ قُلـوبُهـم بـالقُــربِ منهُ :
( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِنْ قُرَةِ أَعُينٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلون )
لســانُ حــال الــواحــد منهم وهو واقــفٌ بين يدي مـــولاه ينـاجيه ويدعــوه :
لبست ثوب الرجاء والناس قد رقدو
وقمت أشكو الى مولاي ما اجدُ
وقلت يا عدتي في كل نائبةٍ
ومن عليه لكشف الضُرِّ اعتمدُ
أشكو إليك ذنوباً انت تعلمها
مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددت يديّ إليك معترفاً
إليك يا خير من مدّت إليه يدِ
فلا تردنّها يا ربِّ خائبةً
فبحرُ جودك يروي كل من يردُ
لِسَانُ حــال الــوَاحِدِ مِنهُـم :
( اللَّهُمُّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعْفُ عَنِّي )

نعــم أخوانــي واخــواتي الصائمـون :
- تذكّــروا أنّهــا عشرُ ليالٍ فقـط وستمـرُ كطيفٍ زائرٍ فـي المنــام ..
وستنقضي سريعًـا، وتغـادرنا كلمـحِ البصــر ..

- تذكّــروا أنّها لن تعــودَ إلاّ بعـد عـــامٍ كــامل،
ولا ندري علـى مـن ستعــود !؟ ومـن ســتزور !؟
ولا ندري مـا الله صانعٌ فـي العـام القـادم .!
وتذكّــروا أنّ مِـن أهـلِ هذه العشـر مـن لا يكون مـن أهلها في العـام القـادم، أطـال الله فـي أعمـارنا على طاعته وهذه سنّة الله في خلقه :
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30].

- تذكّــروا أنّ غــدًا تُوَفَّـى النفــوس مـا كسبت، ويحصـدُ الـزارعـون مـا زرعــوا، فإن هم أحسنـوا أحسنـوا لأنفسهـم، وإن أساءوا فبئس ما صنعوا.

فيا متهـاونـاً الـى متـى التهــاون ؟!
ويـا نائمًـا متـى تستيقــظ ؟!
ويـا غافـــلاً متـى تنتبه ؟!
يـاشــارداً ويا راقــداً الـى متـى هذا الـرقــاد ؟!
يا بعـيداً الـى متـى سيظـل هـذا البعـد ؟!

إنْ لم تغتنــم هــذه الأيـام الفاضلات الطيبات الكريمات فـأيُ موســمٍ ستغتنــم ؟!
إنْ لـم تُفَـرّغ الـوقت الآن للعبـادة والطـاعــة والخشـوع والدعـاء والبكـاء والشكوى والســـؤال
فـأيُ وقـتٍ ستفــرّغ لهـا ؟!
اذا لم تقـف اليوم فمتى ستقف ؟
اذا لم تشكــو وتسأل الله فمتى تسأل؟
اسباب العتق ومفاتيح المغفره مهيئة لك في هذه العشر اكثر من اي وقتٍ مضى ؟!
واذا لـم تعتق هذا العــام فمتى تعتق ؟
اذا لم يغفـر لك في هــذه العشر والتى قد تكون العشرُ الاخــيرة مـن عمــرك وحياتك فمتى ؟!
الى متـى هــذا التراجـــع .!
الى متى هــذا التـواني!
الى متى هــذا الكسـل والصدّ ؟!
الى متى هــذا التقصـــير ؟!
الى متى والى متى والله جــل فــي عــلاه يقـــول:
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾التوبة: 105].
فمـــاذا ســـيرى الله منك فـي هــذه العشـــر ؟!!
هل سيرى منك حمـاساً وإقبـالاً .!
مسـارعـةً وتقدمـاً، مبـادرةً وتنافـسا ، صيامـاً وقيامـاً، قـرآناً وتـلاوة ، تسبيحـاً واستغفـاراً ،
دعـاءً وذكـراً، صدقـةً وبـذلاً ، نشاطـاً وسباقـاً، اخلاقـاً ومعامـله ..!
ام سيرى منك العكس من كل هذا فيرى لهــواً ولعبـاً ، وتبـاطئـاً وتأخــراً، وكسـلاً وتقصـــيراً ، جمــوداً وتخــاذلاً وتقــاعـساً .، سهــراً ونومــاً، غفلـةً وضياعـا ، سبّـاً ولعنـا ، شتمـاً وقذفـا، قبحـاً وسـوءا ، شُحّـاً وإقتـارا .!

احبتــي الكـــرام :
أمّــا اذا سألتم عن حــالِ حبيبكم ونبيكم وإمامكم وخـيرُ الـورَى وأَفضـلُ البـريَّةِ عليه الصلاة والسلام فــي هــذه العشـر الاخـيره مــن رمضــان فلقد كان عليه الصلاة والسلام مجتهداً في العبادة .
كـانَ ينـامُ في العِشرِينَ الأُولى ويُصلِّي ، ويـقـومُ ويـرقـدُ ..
وأَمَّا العَشـرُ الأَواخــرُ فلـم يكُـنْ يَقضِيهَا في بَيتِهِ أَبَـدًا ، وَلا يَضـعُ فيهَا جَنبَهُ مُتَمَـدِّدًا ، ولا يُغمِـضُ طَـرفَــهُ راقــدًا ..
لَقـد كـانَ عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يُطَلِّقُ الدُّنيَا بِرُمَّتِهَا وَيلقي بِهَـا خلـفَ ظَهـرِهِ بِأَجمَعِهـا ، ويتَخفَّفُ من سَائِرِ أَعمـالهَا ، بـل ويتفرَّغُ من جمـيعِ أشغالِها ، يَشُدُّ مِئزَرَهُ ، ويترُكُ نِساءَهُ ، ويضرِبُ قُبَّتَهُ ويعتَكِفُ في مسجِدِهِ ، ويُحيِي ليلَهُ لِيخلُوَ بِرَبِّهِ .
يَخلـو بِهِ فيُنادِيهِ ويُنَاجيهِ ، ويـدعـوهُ ويرغَبُ إِليهِ ، ويقــومُ حتَّى تَتَفَطَّرَ قـدمـاهُ شُكــرًا للهِ ..

وكان علية الصلاة والسلام يُواصـلُ صيامهُ اليومَينِ وَالثَّلاثَةَ ؛ لِعِظَمِ مـا كانَ يَمتلِئُ بِهِ قَلبهُ منَ المعـارِفِ والفُتُوحاتِ الرَّبَّانِيَّةِ ، وحُلوِ ما يَجِدهُ ويَستَطعِمُهُ مِن الهِباتِ السَّماوِيَّةِ ..
كانَ يعِيشُ وقتَهُ كُلَّهُ لِرَبِّهِ ، وَيَبذُلُ قُصَارَى جُهــدِهِ لِمَــولاهُ ..!
هذا وهــو أَكثرُ الأُمَّةِ أعمالاً ، وأَعظمُها أَمانَةً وَأشغالاً ، ويحملُ مُسؤولِيَّاتٍ ثقالاً ، وقد غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ ..!
لكنَّهُ مـعَ كُـلِّ هـذَا لم يكُنْ في العشرِ يُلوِي علـى شـيءٍ غـيرِ عِبـادَةِ ربِّهِ ، ولا يهتـمُّ بِشَيءٍ سِوى ما يُقرِّبُهُ مـن مـولاهُ ،يَفعـلُ كُلَّ هـذا تحرِّيًا لِلَيلَةِ القـدرِ وأَمـلاً في إِدراكـهـا والفَوزِ بِجزِيلِ ثوابها وأجرها..

تقول عـائشـةَ رضي اللهُ عنهَا كما في المتفق عليه:
كـانَ رسـولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسـلَّم إِذا دخلـت العَشـرُ شَدَّ مِئزَرهُ وأَحيـا ليلَهُ ، وأَيقـظَ أَهلـهُ "

وفــي روايه لأحمـد :
" كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ رمضانُ قامَ ونامَ، فإذا دخلَ العشرُ، شدَّ المِئزرَ، واجتنبَ النِّساءَ، واغتسلَ بين الأذانينِ، وجعـلَ العشــاء سحــورًا " .
ومعنى شــدّ المــئزر :
أي أنّه كان يجتنبُ النساء، تفرغـاً للعبادة، وإقبالاً على الله، وتركاً للاهتمامِ بملذاتِ الحياة.

أمّــا إيقاظــه لأهله عليه الصـلاة والسـلام فليس خاصًّا في هذه العشر، بل كان يوقظهم في سائر السنة، ولكن إيقاظــه لهـم فـي هـذه العشـر كان أكـثر وأوكـد رجـاء فضل ليلة القدر.
وقد صـح في المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يطـرقُ على فاطمة وعلياً ليـلاً
ويقـول لهمـا : " ألا تقومـان فتصليان ؟؟ ".

وكان عمـرُ بنُ الخطَّابِ يُصلِّي مِنَ اللَّيْلِ ما شاء الله، حتَّى إِذَا كـانَ مـنْ آخـرِ اللَّيلِ، أَيْقظَ أَهلَهُ لِلصَّلاَةِ ويَقُولُ لَهُمُ :
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ ) ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]"

ومـن الاعمـال التى كان عليه الصلاة والسلام يـواظب عليها في هذه العشر :
الإغتســال بين أذان المغرب والعشاء مع استعمال الطيب.
- قال ابن جــرير :
" كانــوا يستحبـون أن يغتسلـوا كل ليلة من ليالي العشــرِ الأواخــر ".

- وكان النخعــي يغتسـلُ في العشـرِ كل ليلة.

- " ومنهـم مـن كان يغتسـلُ ويتطيّب في الليالي التي تكـون أرجـى لليلةِ القدر ".

- وكان أيــوب السَّختِيــاني :
" يغتسـل ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، وأربعٍ وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويتطيب ".
وكلُ ذلك دليلٌ علـى حرصهـم على أن يكـــون اعتناؤهم بهـذه العشــر أعظــمُ مــن اعتنائهم بغيرها، إذا العـبرة بالخـواتيم.
ولهــــذا :
العشــرُ الاواخـر فرصةٌ ثمينة لنقف مع أنفسنا وقفــات جـــادة وصادقة وصريحه ..!
فرصــةٌ للإقبـالِ على الله ..!
فرصــةٌ لنعــترف بتقصيرنا بين يديه ..!
فرصــةٌ لنعرض حوائجنا له سبحانه فهو أرحـمُ بنا مــن الوالـدةِ بولدهـا .؟
ومــن منّـا لـم يذنب ؟
مــن منّـا لـم تقـع عينه فيما حــرّم الله ؟
ومــن منّـا لـم يعـق والديه ؟
ومــن منّـا لـم يقـع في مستنقعِ الغيبة والنميمة والسخـريةِ والإستهـــزاء ؟
ليس العيبُ أن نخطئ ولكنّ العيب أن نستمر في الخطـأ دون محاسـبة ورجـوع صـادق إلى الله سبحـانه وتعـالى.
وهـل هناك أرحـم مــن الله ؟!
هـل هناك أكـرم مــن الله ؟!
لا وألف لا ..!
إذاً فهيا نمشي سوياً في هذه العشر إلى الأمــام
هيا بنـا جميعاً نُقبلُ إليه سبحانه فمهما بلغت الذنوب فالله سبحانه يبدلها حسنات إذا صدقناه فـي التـوبة وفـي محاسبة أنفسنا.
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة). (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر:53- 56 ].
بــــارك الله لــــي ولكـــم بالقـــــــران العظيـــم ونفعنــي وإيــاكــم بمــا فيه مـن الآيـــات والـذكـــر الحكـــيم وأقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مــــن كل ذنـب فيـــا فــــــوز المستغفـــريـــن ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
احبتــــــي الگـــــــرام .. روّاد مســجد بــلال :
قبل أيــام قليلة مــلأ الفــرح قلوبنـا وخــالج الســرور أفئدتنــا وتبــادلنـا التهـــاني بحلــول شهـــرِ الخـــير والطـاعــة والإحســـان رمضان
وهــانحـن اليوم في العشـــرِ الأخـــيرةِ التى إذا ذهبت ومضت فلن تعـــود إلاّ علـى الأحيـــاء ..!
ومــن كــان مـن ذلك فـي شـكٍ أو ريب فليتذكـر
كــم مــن نفـسٍ فـي المقابــر لـم تُدرك رمضـان .!
وأخــرى أدركت أولهُ ثّـم لـم تُدرك آخــرهُ .!
وليتــأمــل قــول ربِّ العــالمــين :
" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ . لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ "
وقــولـهُ سبحــانهُ - :
" وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأْتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ "
أمَّـا وقــد نسـأَ اللهُ فـي أَعمــارنـا ، ومــدَّ لنـا
فـي آجــالنـا ، وفسـحَ لنـا فبلغنـا خـواتيـمَ رمضانَ وأكمــلَ ليالِيهِ وأفضلهـا فلنغتنمهـا بهمَّـةٍ ونشـاطٍ ، ولنختـمِ الشَّهـرَ المباركَ بخــيرِ أَعمالنا ؛ فــإِنَّ اللهَ غفــورٌ رحيــمٌ ..!
إنّ التعـب مخلــوف والنّــوم مُـدرك وقـد خالطنا
الدنيـا واشتغلنــا بهـا حتى أمـرضـت قلـوبنا وأشقـت أرواحنـا ..
والمحــروم أيّهــــا الكـــرام مـن تمـر عليه هـذه العشــر وهــو فـي لهـــوٍ وسَمـــر .!
النّـاس مـن حــوله يُصلــون ويـركعــون ويسجـدون ويـذكــرون الله ويــدعـون ويبتهلــون وهــو مشغـول بمــلء بطنه أو إسعــدِ عينيه بمشــاهدةِ القنــوات أو إمتــاعِ أُذُنيـه بالغيبــةِ والنميمـةِ والاستهــزاء
أو عــاكـفٌ علـى سمــاع مـاحــرّمـه الله أو نـائمٌ فـي فــراشـه يَـغُـطُّ فـي غفلته ويتقلـبُ فـي أحلامه
أو يتمشّـى فـي الاســواق يجمـعُ أغـراضِ عيده وُيجهِّــزُ ملابســه..
وليس أسعــدُ النّـاسِ بالعيـد بعـد رمضــان مـن ضيّــع وقتـه فـي ليالِ العشـرِ بتجهــيزِ الجــديـد.
ولكــنّ اسعـدهم بالعيـد واحــراهم بالفـرح فيه والســرور والحبــور هم أهــلُ العمــلِ الصـالـح والقـربــات والصلــوات والخلــوات والــدعــوات ..!
ألا فلنتــقِ الله يـا كــــرام
ولنــودع خـــــير الليـالـي افضـل مـانقــدر عليه مـن طــاعــاتٍ وقــربـات ولنستثمــر دقائقهــا والســاعـات ولتصــوم العيــون والألسنـة والآذان والقلــوب وليكـن لأحـدنــا مـن الاعتكــاف حــظٌ ولو ليلـةٌ واحــده، فمـا زالت أبـواب الجنّــةِ مُفتّحــةً وأبــوابُ النّـار مُغلقـةً ومــردةُ الشيـاطــين مُصفـدةً ومـا زِلنـا نعيـشُ أجــواء النّـداء الـربـانـي العظيم
" يَا بِاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ "
وكــم بـين أيـدينـا مـن الفــرص والغنـائـم صـدقـةً وبــراً وإحســانـاً وصـلاةً وتنفــلاً وقيـامـاً وقـراءةً للقــرآن وذكــراً ولــزومــاً للمســاجــد واعتكـافـاً وتفــرغــاً للعبــدةِ ودعــاءً وتحــريـاً لليلةِ القـــدر واصطبـــاراً :
" يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "..
نعــم يا كــــرام
هذه العشر الاواخر من رمضان بين يديك .!
فإلى كل من قصّر او تهاون او تكاسل في العشرين الاولى من رمضان ..
فرصتك العشــر الاخــيره !
فرصتك لتعـوض ما خسرته فيمـا مضى ..!
فرصتـك لتعـوض ما ضيعته وما غفلت وتقاعست عنه وتراجعت ..
فرصتك العشـر الاواخر لتراجع حساباتك ،
ولتدارك عمرك ، ولتكون من الفائزين ،
من المعتوقين ، من الناجين ، من المتفوقين ،
من المغفورين ، من المرحومين ..!
من اهل الفردوس الاعلى بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ..!
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

ثم اعلمــوا انّ الله أمركــم بأمــرٍ بدأ به نفسه وثنـى به ملائكته المسبحــةِ بقدسه وثلّثَ به عبــاده من جنِّـه وإنســه فقــال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهــم صـلِّ وسلّــم وبـارك علـى نبينا محمــد وارضَ اللهــم عـــن خـلفــائـه الــراشـــــــدين
وعــن الصحــابة أجمعـــين، وعــن التابعـــين
ومــن تبعهــم بإحســــانٍ إلـى يــوم الــــــدين
وعنـا معهــم بمنك ورحـــمتك، يا أرحـم الراحمين.
------------------------------------
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالــدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بهــا عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلنـــــــي خـــــــيراً ممّـــــا يظنــــــــــون
واغفــــــــــــر لــــي مـــــالا يعلمـــــــــــــون..
--------------------------------
والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

المشاهدات 960 | التعليقات 0