وأشرق أعظمه

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1446/09/19 - 2025/03/19 18:04PM

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله ربكم واشكروا له، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا.

ومضى الثلثان ، وبقي الثلث ، والثلث من رمضان ليس بكثير ،

قد مضى معظمه ، وهلاله  قد أدركه الضمور، ويوشك أن يعود كالعرجون القديم ، والأيام تجري والساعات تتسابق واللحظات تمضي مؤذنة بقرب الوداع لسيد الشهور.. كلما مضى يوم خفق القلب ألماً وأملاً... ألماً على الفراق وأملاً بالفوز والعتاق.

مضى معظمه بعدما حل في حياتنا يحمل العطايا، ويبشر بالمنح الربانية والمواهب الرحمانية، فنالها من نالها وخسرها من خسرها

مضى معظمه بعدما علمنا أن الإنسان يمكن أن يغير الواقع إلى واقع أفضل وأحسن ، فيمكن ترك الشهوات ويمكن هجر الأفلام ويمكن قيام الليل ويمكن هجر اللذات .

علمنا أن صلاة الفجر ليست شبحا ، وأن قيام الليل ليس مستحيلا ، وأن تلاوة شيء من القرآن ليس صعبا ، وأن التقرب إلى الله ليس معجزا ...

مضى معظمه وقد رحل فيه لنا أحباب وأصحاب كانوا كما نكون نحلم بمستقبل طويل وأمل جميل لكنها سنة الله ( إذا جاء أجلهم فلايستأخرون ساعة ولا يستقدمون )

مضى معظمه بما فيه من همم عالية وأخرى واهية فماذا بقي من عنائكم وسهركم أيها العاملون العابدون، لقد مضى العناء وبقي الأجر والثناء.. وماذا بقي من لذاتكم وشهواتكم أيها العابثون.. ذهبت لذاتها والإثم حل.

أين بكاؤكم وندمكم أيها المقصرون.. أين خوفكم من يوم يبدو لكم فيه ما لم تكونوا تحتسبون.

إنه ما من ميت يموت إلا ندم.. إن كان محسناً ندم على أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون قد استعتب هكذا أخبرنا ﷺ.

مضى معظم رمضان وجاء أعظمه .. جاءت  العشر بأنوارها وخيراتها، جاءت لتقول للناس: هاأنتم هؤلاء تدعون لعبادة الله فهل من مشمر جاءت العشر وفيها ليلة خير من ألف شهر، فيا رب لك الحمد على نعمائك ولك الشكر على آلائك، عمل في ليلة يفوق عمل ثلاث وثمانين سنة فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين.

جاءت العشر وفيها كان الرسول القدوة محمد ﷺ يحيي ليله ويوقظ أهله، ويشد مئزره ويجتهد في عبادة ربه.

فياأيها المقصر فيما مضى .. ألم يأن أن تستعب فيما تبقى وأن تتزود فإن خير الزاد التقوى ، وماتدري نفس ماذا تكسب غدا ، وإنما الأعمال بالخواتيم والعبرة بكمال النهايات لابنقص البدايات ، وذنوب الأمس تمحى بحسنات اليوم ، وتقصير النهار يتدارك باجتهاد الليل ، والفتور لايجثم على قلب مؤمن والوهن لايغشى حياته ، ومن استعان بالله أعانه ومن أناب إلى رباه آواه ، وكفة أعمالك لن يملأها غيرك وصحيفة حسناتك لن يسطرها سواك ( وأن ليس للإنسان إلا ماسعى )

جاءت العشر، لتذكر بذلك اليوم الخالد، حيث الشريد الطريد المحارب يعود إلى الوطن محفوفاً بمعاني النصر ومحاطاً بهيبة الملك والنبوة، إنه اليوم الخالد حيث جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، إنه الفتح الذي استبشر به أهل السماء وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ودخل الناس به في دين الله أفواجاً وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً

إنه فتح سببه نقض اتفاق الحديبية ، وإننا إذ نتذكره فإننا نتفاءل بأن نقض اليهود لعهدهم مؤذن بفتح قريب وزوال لهذه الجرثومة الخبيثة أحفاد القردة والخنازير ، فعسى الله أن يجعل من نقضهم نقضا لبنيانهم وإذلالا لكبريائهم ، وقضاء على طغيانهم ، وإن نصر الله قريب

جاءت العشر ، ولايعرف قدرها إلا قوم  أدركوا سر وجودهم ، واستشعروا عظم حاجتهم لربهم وفقرهم إلى خالقهم وطمعهم في جنته وخوفهم من عذابه وأدركوا أنهم يزرعون اليوم حصاد الغد قمن يعمل سوءا يجز به ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .. علموا أنما الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار فاجتهدوا فيك بما يرضي ربهم وينفعهم يوم التلاق

تراهم في ليالي العشر قد غصت بهم المساجد مابين راكع وساجد وتال وعابد ومتصدق وصائم وشاكر وحامد ، بآيات ربهم يؤمنون وبربهم لايشركون ومن خشيته مشفقون ، يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ، ينفقون ولكن ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ، لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، لم يشغلهم الترويح عن التراويح ، وما ألهاهم الأقران عن القرآن ، وما صدتهم الأفلام عن القيام ، تراهم شيبا وشبابا رجالا ونساء ، مسرفين وسابقين ،تراهم لتعلم أن أمتنا بخير وأن رياح التغيير وغبار الشهوات والشبهات لم يزدهم إلا ثباتا وإقبالا وعبادة وإخباتا ، فماأعظم الثبات على الدين رغم أعاصير الفتن وقلة المعين

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية ...   أما بعد:

ياأهل الحاجات .. ياأيها المبتلون بالهموم والأسقام .. ياأيها المتورطون بديون وحقوق .. ياكل محتاج إلى فرج وتيسير .. هاهي العشر قد اقبلت وبين يديك ساعات هي خير من الدنيا ومافيها .. أقبلت ساعات الانطراح بين يدي الله والخضوع له والسجود تعبدا وإجلالا حيث أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد ..

في سجودِك قربٌ من ربِّك، ورفعة لمنزلتك، ومحوٌ لذنبك، ومغفرة لزلتك، وترغيم للشيطان، وقوة لقلبك، وزيادةُ يقين وإيمان. فلو عرَفتَ قدر هذه النِّعمة، لما تعجلت الرَّفع منها، وأطلت السجود، وذرفت الدموع، وسكبت العبراتِ حرَّى بين يدَي خالقك على ما فات من أيام دهرك.
في السجـــــودِ تتمازجُ للروحِ الأفــراحْ.. تتلاشى كل  الأتراحْ. . في بضــع ثــوانْ يتــجلى قـربُ المعبـودِ يتلاشى الكلُ. . فلا صوت. . غــيرُ أنـينٍ و شهودِ.

جاءت لحظات السجود الطويل فاسجدوا لله واعبدوا .. اسجد لله فكلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة، وأقرب ما يكون القلب من الرب إذا سجد وفي الحديث : عليك بالسجود فأنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة

اطيلوا السجود ففيه تفريج الهم، وتنفيس الكرب وحصول انشراح الصدر، وثبوت الإيمان في القلب، فالمسلم عندما تتكالب عليه الدنيا بمشكلاتها ومعضلاتها، وتعترضه المحن وتحل به الابتلاءات يجد في العبادة والسجود عوناً على ذلك ومخرجاً منه، : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ  * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ

جاءت ساعات السجود ، والسجود هو انطراح للجبار، وتذلل للقهار، وتمريغ للأنف، وتعفير للوجه، وانطلاق من أسْر الدنيا، وهروب من قيود الطاغوت، وتجرد من أوسمة العظمة، وتخلّ عن رُتَب الفخامة، وألقاب الزعامة.

السجود همس للأرض يسمعه من في السماء فيجيب داعيا ويعطي سائلا ويغفر ذنبا ويكشف كربا فاسجد لله واقترب
وأخيراً يا مسلمون: هذه العشر قد دخلت وفتحت ذراعيها للطالبين التائبين، فتزود لآخرتك من دنياك ولا يلهينك عن غايتك فتات الطريق وبريق الشهوات وحلاوة العيش، [قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى]

تزود ما دمت قادراً قبل أن تقول باكياً حين تبلغ الروح الحلقوم والناس إليك ينظرون: رب أمهلون وإلى الدنيا ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت فيقال لك: كلا، فقد انتهت الحياة ومضت فترة الاختبار فاللهم وفقنا للتوبة قبل الممات وأعنا على العمل الصالح الجميل قبل الرحيل.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة

 

المرفقات

1742396640_وأشرق أعظمه.doc

المشاهدات 506 | التعليقات 0