وَآتُوْا حَقَّهُ يَومَ حَصَادِه 24 ـ 1 ـ 1445هـ

عبدالعزيز بن محمد
1445/01/23 - 2023/08/10 13:50PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: نِعَمٌ وافِرَةٌ، ورِزْقٌ طَيِّبٌ، وعَيْشٌ رَغِيْد. سَوابِغُ نِعَمٍ لا تُحْصَى، ومِدادُ فَضْلٍ لا يُحَدّ. في أَرْضٍ طَيِّبَةٍ طَابَ عَطاؤُها، وبَلَدٍ مُبارَكٍ ظَهَرَ خَيْرُه.  ثِمارٌ يانِعَةٌ، وقُطُوفٌ دانِيَةٌ، وأَصْنافٌ مِن الأَرزَاقِ لا تُحْصَرْ{كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.

* ثَمَرَاتٌ.. أَخْرَجَها اللهُ لِلْعِبادِ في أَرْضٍ حَرَثُوها وزَرَعُوها، وغَرَسُوْها وتَعاهَدُوها. هَيَّأَ اللهُ لَهمْ أَسْبابَ الرَّزْقِ، وأَغْدَقَ عَلَيْهِم من الثَمَرات، ولَولا فَضْلُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يُدْرِكُوها {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ* رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ..}  {.. فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا  أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}

* أَخْرَجَ اللهُ لِلْعِبادِ أَلْواناً مِنَ الثِمارِ وأَصْنافاً مِن الزُّرُوْع {وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} مُشْتَبِهٌ شَكْلُ الشَّجَرِ وغَيرُ مُتشابِهٍ شَكْلُ الثَّمَرْ.  ومُشْتَبِهٌ شَكْلُ الثَّمَرِ، وغَيرُ مُتشابِهٍ في الطَّعْمِ والنَّفْعِ والأَثَرْ {انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

* زُرُوْعٌ وَنَخِيْلٌ وَأَشْجَار..تُلْقِيْ بِثِمارِها اليانِعَةِ بَيْنَ أَيْدِي العِبادِ في كُلِّ حِيْن {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}وإِذا أَطَابَ اللهُ أَرْضاً.. أَطابَ نَبْتَها وخَرَاجَها {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}

طَيِّباتٌ أُخْرِجَتْ مِن الأَرْضِ.. لِلهِ فيها على العِبادِ حَقٌ مَعْلُوم {..كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أَعْطُوا ما عَلَيْكُمْ مِنْ حَقٍّ في هَذِهِ الزُرُوعِ والثِمارِ يَومَ حَصادِهِا وجَنْيِهَا وجَذَاذِها. والزَّكاةُ أَعْظَمُ حَقٍّ أَوْجَبَهُ اللهُ فيها.   * زَكاةُ الزُّرُوعِ الثِّمار.. لَها في الشَّرِيْعَةِ أَحْكامٌ مُحْكَمَةٌ، ومَسائِلُ مُفَصَّلَة.  يَتَعَلَّمُها المُسْلِمُ لِيَعْمَلَ بِها. ويَتَفَقَّهُا لِيُؤَدِّيْها.

نٍصَابُ الزَّكاةِ فِيْها خَمْسَةُ أَوْسُقٍ.. لَقَولِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ «ليسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَة»متفق عليه والوَسْقُ الواحِدُ سِتونَ صَاعاً. والخمسة أَوْسْقٍ: ثلاثُمائةِ صاع. فإِذا بَلَغَتْ الثَمَرَةُ ثَلاثَمِائةِ صَاعٍ وَجَبَتْ فيها الزَكاة.

وقَدْ لا يُدْرِكُ أَكْثَرُ الناسِ في هذا الزَّمَنِ مَعنَى الصَّاعِ ولا مَعْنَى الوَسْقِ لانْدِثارِهِما مِنْ تَعامُلاتِ النَّاس، ولِتَجَدُّدِ وَحَدَاتِ الوَزْنِ والكَيْل في العُصُورِ المُتَأَخِرَة.

والصَّاعُ الواحِدُ.. يُعادِلُ أَرْبَعَ حَفَناتٍ مَمْلُوءَاتٍ باليدين المُعْتَدِلَتَيْن. ويُمْكِنُ تَقْدِيْرُ الصَّاعِ بالوَزْن فيما يَتَعلَّقُ بالحُبُوب.  وكُلُّ نَوعٍ مِن الحُبُوبِ للصَّاعِ فيهِ وزْنُ مُقدَّر.

وأَما التَمْرُ والعِنَبُ فَلا يُقَدَّرُ بالوَزْنِ، وإِنَّما يُقَدَّرُ بالخَرْصِ قَبْلَ أَنْ يُقْطَفْ . يَخْرُصُهُ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ ومَعْرِفَةُ بالثِّمار. فَيُقَدِّرُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ، فإِن بَلَغَ بِتَقْدِيْرِهِ نِصاباً، وَجَبت فيه الزكاةُ بِحَسَبِ ما قَدَّرَهُ بِه.

* ولَيسَ كُلُّ خَارِجٍ مِن الأَرضِ تَجِبُ فيه الزكاةُ، وإِنما تَجِبُ الزَّكاةُ فيما كانَ مَكِيلاً ـ أَي يُعامَلُ بالكَيْلِ ــ ،  ومُدَّخَراً ــ أَيْ يَصْلُحُ للادِخارِــ ويَدْخُلُ فِيه أَكْثَرُ الحُبُوبِ كالقْمحِ الذُرَةِ والشعيرِ والأَرْزِ ونحوها.  وَتَجِبُ الزَّكاةُ في التَمْرِ وفي العِنَبِ. ولا تَجِبُ الزَكاةُ في الفَوَاكِهِ والخُضْروات التي لا تُكالُ ولا تُدَّخَرْ.

* ومِقْدَارُ الزَّكاةِ في الخارِجِ مِن الأَرْضِ (نِصْفُ العُشُرِ) إِنْ كانَ يُسْقَى بِمَؤُوْنَة ومَشَقَّةٍ، كَالمَزَارِعِ التِي تُسْقَى بِواسِطَةِ المكَائِنِ والآلات. وأَما إِنْ كانَ يُسْقَى بَغِيْرِ مَؤُوْنَة ولا مَشَقَّةٍ.. كأَن يُسْقَى مِنْ ماءٍ سَائِحٍ، أَو مِنْ ماءِ نَهْرٍ بِلا كُلْفَةٍ، أَو كانَ يَسْقِيْه ماءُ المَطَرُ..  فإِن زَكاتَهُ (العُشُر كامِلاً).  * ولا تُخْصَمُ تَكالِيفُ الزِراعِةِ والسّقايَةِ والجَنْيِ والحَصادِ ونَحْوِها مِنْ قِيْمَةِ الزَكاةِ.  بَلْ تُخْرَجُ الزَّكاةُ عَلَى كَامِلِ المَحْصُولِ إِذا بَلَغَ نِصاباً.. ولَو كانَ صَاحِبُهُ مَدِيْناً، لِعُمُوْمِ قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

 

* وتُضَمُّ أَنواعُ الثِمارِ إِلى بَعْضِها حَتَّى يَكْمُلَ بِها النِّصابُ إذا كانَتْ الثِمارُ مُتَماثِلَةً، فالتَّمْرُ يُضَمُّ إِلى التَّمْرٍ وإِنْ اخْتَلَفَتْ أُنْوَاعُهُ.  وأَما إِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَمَاثِلَةً.. فَلا يُضَمُّ بَعْضُها إِلى بَعْضٍ.. فَلا يُضَمُّ القَمْحُ إِلى الشَّعِيْر، ولا يُضَمُّ التَمْرُ إِلى الزَبِيْبِ لاخْتِلافِهِما.

* وإِنْ كانَ للمَرءِ زَرْعٌ أَو ثَمَرٌ.. في مواقِعَ أَو مَزارِعَ أَو أَراضٍ مُتَفَرِّقَةٌ. فُيُضَمُ المُتماثِلُ مِنهُ إِلى بَعْضٍ.. فَإِن أَكْمَلَ نِصاباً وجَبَتْ فيه الزَّكاةُ. لأَن الزَّكاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصاحِبِ الزَّرْعِ لا بِالأَرْض.

* وقَدْ يَكُونُ في بَعْضِ البُيوتِ أَو الاسْتِراحاتِ نَخْلٌ يَبلغُ ثَمَرُها نِصاباً، وصَاحِبُها لَمْ يَتَفَطَّنْ لِذلِكَ، أَو يَجْهَلُ أَن فيها زَكاةً، فَيُضَيِّعُ زَكاتَها فَيَأَثَم.

* ولا تُجِبُ الزَكاةُ قَبْلَ نُضْجِ الثِمَرْ، واسْتِواءِ الزَّرْعِ، لِقَولِ اللهِ تَعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ويَومُ الحَصَادِ حِينَ يَسْتَوِيْ وَيَطِيْب.

* ولا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُو صلاحُهُا، قال عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما (نَهَى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عن بيعِ الثِّمارِ حتَّى يبدوَ صلاحُها، نَهى البائعَ والمشتري) رواه البخاري ومسلم وبُدُوُّ الصَّلاحِ فيها ظُهُورُ اللَّونِ، فَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه: قالَ: «نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِي. قِيْلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحمَرَّ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيْهِ؟» متفق عليه

وإِذا بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعدَ بُدُوِّ صلاحِها، فإِن الزكاةَ تَجِبُ على البَائِعِ، وإِن كان المُشْتَرِي هُو مَنْ قامَ بِجَنْيِها وخَرَافِها.

* والأَصْلُ في زكاةَ الزُّرُوعِ والثِّمارِ أَنْ تُخْرَجُ من جِنْسِاها، فزكاة التَّمرِ تُخْرجُ تَمْرَاً، وزكاُةُ الحَبِّ تُخْرَجُ حَبّاً مِنْ جِنْسِهِ.  إِلا إذا دَعَتْ الحاجَةُ، أَو ظَهَرَتِ المَصْلَحةُ إِلى إخراجها نَقداً. أَو كَمَنْ بَاعَ ثَمَرَتهُ كامِلَةً قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ زَكاتَها. فَمِنَ العُلَماءِ مَنْ قالَ بِجَوازِ إِخراجِها ثَمَنِه.

لا يَجُوزُ إِخراجُ الزَكَاةُ مِن ردِيءِ الثَمَر.. لِقَوْلِ اللهِ تَعالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} كما لا يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِن أَطِيَبِه. وإِنَّما تُخْرَجُ الزَكاةُ مِن أَوسَطِهِ {لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُون}

ومَصَارِفُ الزَّكاةِ ثَمَانِيَةٌ قَدْ بَيَّنَهُا اللهُ في كِتابِه، فَلا تُصْرَفُ الزكَاةُ في غَيْرِها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:


 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: لِلعِبادِ في الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى حِيْن. وفي هَذا المُسْتَقَرِّ والمَتاعِ.. ضِمَنَ اللهُ للعِبادِ أَرْزَقَهُم، وتَكَفَّلَ لَهُمْ في مَعَايِشَهُم {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}

وهذِهِ الزُّرُوعُ والثِمارُ التي أَغْدَقَ اللهُ بِها عَلَيْنا. إِنما هِيَ مِنْ رِزْقِ اللهِ لَنا.. وقَدْ فَاضَلَ اللهُ بِحْكْمَتِهِ بَيْنَ أَرْزاقِه. وجَعَلَ في ذَلِكَ آيَةً لِلْمُتَفَكِرِين {.. يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

ولَمَّا كانَتْ النُّفُوسُ تَمِيْلُ إِلى الطَّيِّبِ مِن الثِّمَارِ، وكانَ ثَمنُ الطَّيِّبِ أَغْلَى.. حَرَّمَ اللهُ الغِشَّ فيها، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيْهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غشَّ فَلَيْسَ منِّي) رواه مسلم

وأَسْواقُ المُسْلِمِينَ يَجِبُ أَنْ تُحْمَى مِنْ ضُعَفاءِ الإِيمانِ.. وأَنْ يَكُونَ لأَهْلِ الغِشِّ فِيها رادِعٌ يَزْجُرُهُم.

وتَفاضُلِ الزُرُوعِ والثِّمَارِ يُوجِبُ التَّفَطُنَ لأَمْرٍ قَدْ يَخْفَى.. وهُوَ أَنْ لا يُقايِضَ المَرْءُ غَيْرَهُ تَمْراً بِتَمْرٍ، ولابُرّاً بِبُرٍّ، ولا شَعِيْراً بِشَعِيْرٍ، ولا أَياً مِن الحُبُوبِ المطْعُومَة.. التي تُكالُ أَو تُوْزَن.  إِلا أَن تَكُونَ المُقايَضَةُ (مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ) فَلا يُقايِضُ أَحدٌ غَيْرَهُ تَمْراً مِنْ نَوعٍ جِيِّدٍ، بأَكْثَرَ مِنْهُ مِن تَمْرٍ أَقَلّ. بَل لا بُدَّ مِنْ المماثَلَةِ والمساواةِ والمُقابَضَة. وإلا صارَ ذلك رِباً. والرِّبا مِنْ كَبائِرِ الذُنُوب. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)رواه مسلم

ولَمَّا جَاءَ بِلالٌ رَضي اللهُ عنه إِلى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟» قَالَ بِلالٌ: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيِءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِيَطْعَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم: «أَوَّهْ، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيْ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» مُتَفَقٌ عليه

تِلْكَ أَحْكامٌ جَاءَتْ بِها شَرِيْعَتُنا. وقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» مُتَفَقٌ عليه

والتَفَقُهُ في الدِّينِ.. فَرْضُ عَيْنٍ عَلى المُسْلِمِ في الأُمُورِ التِي يُقِيْمُ بِها دِيْنَه. كَالعَقِيْدَةِ والطَّهارَةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ ونَحْوها.  وفَرْضُ عَيْنٍ عَلى كُلِّ مَنْ لَهُ صَنْعَةً أَو تِجارَةً أَن يَتَعلَّمَ حُدُودَ الحلالِ والْحَرامِ فيها {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمً}

ومَنْ جَهِلَ أَمْراً مِنْ أُمُورِ دِيْنِه، فَلْيَسْأَلْ مَنْ آتاهُ اللهُ عِلْماً {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

اللهم..

المرفقات

1691664602_وَآتُوْا حَقَّهُ يَومَ حَصَادِه 24 ـ 1 ـ 1445هـ.docx

المشاهدات 1214 | التعليقات 0