وآتوا الزكاة
عبدالله اليابس
1437/08/19 - 2016/05/26 15:23PM
وآتوا الزكاة الجمعة 20/8/1437هـ
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتفرد بالبقاء والكمال، أحمده سبحانه على جزيل الإنعام، وأشكره على عظيم الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنقذ -بإذن ربه- من الضلال، والداعي إلى كريم السجايا والخلال، وشريف الأخلاق والخصال، دل على أحسن الأقوال، وأطيب الأفعال، وحثَّ على أفضل الأعمال، وحذَّر من التسويف والإهمال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله خيرِ أهل وآل، وعلى أصحابه أهل الإكبار والإجلال، وتابعيهم بإحسان ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله تُنالُ الدرجات، وتكثُر الحسنات، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. قبل الإسلام .. كانت معيشة البشر كالحيوانات في الغابة, القوي يأكل الضعيف, والغني يزدري الفقير, لا تراحم ولا تعاطف, وإنما لغة القوة فحسب, إلا شيئًا يسيرًا من بعض ما لدى العرب من مكارم الأخلاق.
ثم جاء الإسلام.. وآخى بين المسلمين، وجمع شَعَث المؤمنين، دعا الناس إلى التكافل الاجتماعي، والعطف الإنساني، سلام وتراحم، وإيمان وتلاحم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقال -صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم".
ولمَّا أرسل رسول الله صلى الله وسلم عليه معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن أوصاه بوصايا أخرجها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا بَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعاذًا رضي الله عنه على اليمنِ، قال : إنك تَقدُمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ، فليكُنْ أولَ ما تدعوهم إليه عبادةُ اللهِ، فإذا عرَفوا اللهَ، فأخبِرْهم : أن اللهَ قد فرَض عليهم خمسَ صلواتٍ في يومِهم وليلتِهم، فإذا فعَلوا، فأخبِرْهم أن اللهَ فرَض عليهم زكاةً من أموالِهم، وتُرَدُّ على فقرائِهم، فإذا أطاعوا بها، فخُذْ منهم، وتَوَقَّ كرائمَ أموالِ الناسِ .
أموالهم .. تأخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء .. يؤجر بها الغني ويتزكى .. ويستغني بها الفقير ويتعفف.
أيها الإخوة .. إن الزكاة ثالث أركان الإسلام.. فهي عبادة عظيمة جليلة .. جُعِلت في مصافِّ التوحيد والصلاة والحج.
صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصومِ رمضان، وحج البيت".
من دفع زكاة ماله ابتغاء مرضاة الله تعالى كانت له أضعافاً مضاعفة في الثواب: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ}.
ومن المضاعفة أنها تكون كالوصف الذي وصفه الله تعالى في كتابه: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
إن الزكاة تجب على كل مسلم حر, فتجب في مال الرجل والمرأة, والصبي والمجنون.
ويشترط في المال المُزكَّى أن يبلُغ النصابَ ويحولَ عليه الحول, بمعنى أن تمر على ملكية المسلم للمال سنة كاملة.
ويبلغ نصاب النقد اليوم 1166.20 ريال, فمن امتلك هذا المبلغ ومضت عليه سنة كاملة, وجبت عليه الزكاة.
ويجب إخراج الزكاة لصنف أو أكثر من الأصناف الثمانية الواردة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ), ومن أخرجها لغير هذه الأصناف لم تصح منه, كمن أدى الصيام الواجب في غير وقته، وكمن صلى في غير وقت الصلاة.
وتجب المبادرة إلى إخراج الزكاة حال وجوبها, ويجوز تقديمها عن وقتها عامًا أو عامين, لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة عمه العباس عن عامين.
والأصل إخراج الزكاة في بلد المزكِّي الذي يسكن فيه, لقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم), لكن لو كان هناك حاجة ماسة خارج البلاد, أو كان له أقارب فقراء خارج البلاد, فيجوز دفعها إليهم كما أفتى بذلك سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى.
وصرف الزكاة للفقراء من الأقارب جائز, بل له أجران: كما روى ابن حبان وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصَّدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وهي على ذي الرَّحمِ اثنتانِ: صدقةٌ وصِلةٌ".
لكن يستثنى من الأقارب الذين يجوز إخراج الزكاة لهم الزوجات والآباء والأمهات والأجداد والجدات, إضافة إلى الأبناء والبنات وأبنائهم, فهؤلاء لا يجوز إخراج الزكاة لهم, وإنما ينفِق عليهم من غير الزكاة.
وتجب الزكاة في المرتب الشهري إذا حال عليه الحول, فإن خشي من عدم ضبطه لمواعيد إخراج زكاة كل شهر على حده فلا بأس أن يحدد له يومًا في السنة يخرج زكاة ماله فيه.
وينبغي أن يُخرجِ المسلمُ زكاةَ ماله طيبة بها نفسه, فلا يخرجها بتثاقل أو تكاسل, بل يعلم أنها طهرة له ولماله, وأن المال حق لله امتن به وتفضل عليه, فمِن شُكرِه أن يؤدي حق الله تعالى فيه, ولْيحرِص على إخراجها وتوزيعها على المستحقين بنفسه فإن لذلك أثرًا في القلب لا يخفى.
ويجب إخراج زكاة المال للمستحِق نقدًا, ولا يجزئ إخراجها كمواد غذائية أو أثاث أو تسديد إيجار أو فواتير ونحو ذلك, لكن إن كان هناك فقير معين، يحتاج إما إلى دواء أو غذاء، أو نحو ذلك من احتياجاته، ويعلم أنه سيترتب على صرف الزكاة له نقوداً مفسدة واضحة، أو كانت المصلحة تقتضي عدم إعطاء ذلك الفقير النقود، ففي هذه الحال أجاز بعض العلماء صرفها له موادًا عينية بدلاً من النقود .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أن يُخرِج عن النقود عروضاً من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنوناً، أو ضعيف العقل، أو سفيهاً، أو قاصراً، فيُخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً، أو لباساً ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى.
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن يطلب المزكي من الفقير أن يوكله في شراء ما يحتاجه خروجًا من الخلاف في المسألة.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم, إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن أداء الزكاة بركة على المال, يزيد في بركة المال وينميه, {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
ومن أمسك المال رغبة في حفظه وتنميته حلت عليه دعوة الملكين كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا"... وأي إمساك للمال أعظم من إمساك الزكاة الواجبة؟!
وقد توعد الله تعالى تارك الزكاة بالوعيد العظيم, وجعل سبحانه منع الزكاة من صفات الكافرين: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
فإذا جاءت الآخرة, وبُعِث الإنسان وحيدًا بلا مال أصبح يصيح: {ما أغنى عني ماليه}.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له شجاعاً أقرع- وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها– مُثّل له شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنـزك, ثم تلا قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ}".
بل إن هذه الأموال تحمى في النار ويُكوى بها مانع الزكاة: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائحُ من نار، فأُحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كُلما بَرَدت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد".
إننا أيها الإخوة لا نصبر على البقاء في حر الظهيرة
.. فكيف بحر جهنم؟
فبادروا بزكاة المال إن بها *** للنفس والمال تطهيراً وتحصيناً
ألم تروا أن أهل المال في وَجَل *** يخشون مصرعهم إلا المزكينا
فهل تظنون أن الله أورثكم *** مالاً لتشقوا به جمعاً وتخزيناً
أو تَقصُروه على مرضاة أنفسكم *** وتحرِموا منه منكوباً ومسكيناً
ما أنتمُ غيرُ أقوام سيسألُكم *** إلهكم عن حساب المستحقينا
ولن تنالوا نصيباً من خلافته *** إلا بأن تنفقوا مما تحبونا
{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتفرد بالبقاء والكمال، أحمده سبحانه على جزيل الإنعام، وأشكره على عظيم الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنقذ -بإذن ربه- من الضلال، والداعي إلى كريم السجايا والخلال، وشريف الأخلاق والخصال، دل على أحسن الأقوال، وأطيب الأفعال، وحثَّ على أفضل الأعمال، وحذَّر من التسويف والإهمال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله خيرِ أهل وآل، وعلى أصحابه أهل الإكبار والإجلال، وتابعيهم بإحسان ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله تُنالُ الدرجات، وتكثُر الحسنات، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. قبل الإسلام .. كانت معيشة البشر كالحيوانات في الغابة, القوي يأكل الضعيف, والغني يزدري الفقير, لا تراحم ولا تعاطف, وإنما لغة القوة فحسب, إلا شيئًا يسيرًا من بعض ما لدى العرب من مكارم الأخلاق.
ثم جاء الإسلام.. وآخى بين المسلمين، وجمع شَعَث المؤمنين، دعا الناس إلى التكافل الاجتماعي، والعطف الإنساني، سلام وتراحم، وإيمان وتلاحم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقال -صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم".
ولمَّا أرسل رسول الله صلى الله وسلم عليه معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن أوصاه بوصايا أخرجها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا بَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعاذًا رضي الله عنه على اليمنِ، قال : إنك تَقدُمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ، فليكُنْ أولَ ما تدعوهم إليه عبادةُ اللهِ، فإذا عرَفوا اللهَ، فأخبِرْهم : أن اللهَ قد فرَض عليهم خمسَ صلواتٍ في يومِهم وليلتِهم، فإذا فعَلوا، فأخبِرْهم أن اللهَ فرَض عليهم زكاةً من أموالِهم، وتُرَدُّ على فقرائِهم، فإذا أطاعوا بها، فخُذْ منهم، وتَوَقَّ كرائمَ أموالِ الناسِ .
أموالهم .. تأخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء .. يؤجر بها الغني ويتزكى .. ويستغني بها الفقير ويتعفف.
أيها الإخوة .. إن الزكاة ثالث أركان الإسلام.. فهي عبادة عظيمة جليلة .. جُعِلت في مصافِّ التوحيد والصلاة والحج.
صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصومِ رمضان، وحج البيت".
من دفع زكاة ماله ابتغاء مرضاة الله تعالى كانت له أضعافاً مضاعفة في الثواب: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ}.
ومن المضاعفة أنها تكون كالوصف الذي وصفه الله تعالى في كتابه: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
إن الزكاة تجب على كل مسلم حر, فتجب في مال الرجل والمرأة, والصبي والمجنون.
ويشترط في المال المُزكَّى أن يبلُغ النصابَ ويحولَ عليه الحول, بمعنى أن تمر على ملكية المسلم للمال سنة كاملة.
ويبلغ نصاب النقد اليوم 1166.20 ريال, فمن امتلك هذا المبلغ ومضت عليه سنة كاملة, وجبت عليه الزكاة.
ويجب إخراج الزكاة لصنف أو أكثر من الأصناف الثمانية الواردة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ), ومن أخرجها لغير هذه الأصناف لم تصح منه, كمن أدى الصيام الواجب في غير وقته، وكمن صلى في غير وقت الصلاة.
وتجب المبادرة إلى إخراج الزكاة حال وجوبها, ويجوز تقديمها عن وقتها عامًا أو عامين, لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة عمه العباس عن عامين.
والأصل إخراج الزكاة في بلد المزكِّي الذي يسكن فيه, لقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم), لكن لو كان هناك حاجة ماسة خارج البلاد, أو كان له أقارب فقراء خارج البلاد, فيجوز دفعها إليهم كما أفتى بذلك سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى.
وصرف الزكاة للفقراء من الأقارب جائز, بل له أجران: كما روى ابن حبان وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصَّدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وهي على ذي الرَّحمِ اثنتانِ: صدقةٌ وصِلةٌ".
لكن يستثنى من الأقارب الذين يجوز إخراج الزكاة لهم الزوجات والآباء والأمهات والأجداد والجدات, إضافة إلى الأبناء والبنات وأبنائهم, فهؤلاء لا يجوز إخراج الزكاة لهم, وإنما ينفِق عليهم من غير الزكاة.
وتجب الزكاة في المرتب الشهري إذا حال عليه الحول, فإن خشي من عدم ضبطه لمواعيد إخراج زكاة كل شهر على حده فلا بأس أن يحدد له يومًا في السنة يخرج زكاة ماله فيه.
وينبغي أن يُخرجِ المسلمُ زكاةَ ماله طيبة بها نفسه, فلا يخرجها بتثاقل أو تكاسل, بل يعلم أنها طهرة له ولماله, وأن المال حق لله امتن به وتفضل عليه, فمِن شُكرِه أن يؤدي حق الله تعالى فيه, ولْيحرِص على إخراجها وتوزيعها على المستحقين بنفسه فإن لذلك أثرًا في القلب لا يخفى.
ويجب إخراج زكاة المال للمستحِق نقدًا, ولا يجزئ إخراجها كمواد غذائية أو أثاث أو تسديد إيجار أو فواتير ونحو ذلك, لكن إن كان هناك فقير معين، يحتاج إما إلى دواء أو غذاء، أو نحو ذلك من احتياجاته، ويعلم أنه سيترتب على صرف الزكاة له نقوداً مفسدة واضحة، أو كانت المصلحة تقتضي عدم إعطاء ذلك الفقير النقود، ففي هذه الحال أجاز بعض العلماء صرفها له موادًا عينية بدلاً من النقود .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أن يُخرِج عن النقود عروضاً من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنوناً، أو ضعيف العقل، أو سفيهاً، أو قاصراً، فيُخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً، أو لباساً ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى.
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن يطلب المزكي من الفقير أن يوكله في شراء ما يحتاجه خروجًا من الخلاف في المسألة.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم, إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن أداء الزكاة بركة على المال, يزيد في بركة المال وينميه, {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
ومن أمسك المال رغبة في حفظه وتنميته حلت عليه دعوة الملكين كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا"... وأي إمساك للمال أعظم من إمساك الزكاة الواجبة؟!
وقد توعد الله تعالى تارك الزكاة بالوعيد العظيم, وجعل سبحانه منع الزكاة من صفات الكافرين: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
فإذا جاءت الآخرة, وبُعِث الإنسان وحيدًا بلا مال أصبح يصيح: {ما أغنى عني ماليه}.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له شجاعاً أقرع- وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها– مُثّل له شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنـزك, ثم تلا قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ}".
بل إن هذه الأموال تحمى في النار ويُكوى بها مانع الزكاة: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائحُ من نار، فأُحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كُلما بَرَدت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد".
إننا أيها الإخوة لا نصبر على البقاء في حر الظهيرة
.. فكيف بحر جهنم؟
فبادروا بزكاة المال إن بها *** للنفس والمال تطهيراً وتحصيناً
ألم تروا أن أهل المال في وَجَل *** يخشون مصرعهم إلا المزكينا
فهل تظنون أن الله أورثكم *** مالاً لتشقوا به جمعاً وتخزيناً
أو تَقصُروه على مرضاة أنفسكم *** وتحرِموا منه منكوباً ومسكيناً
ما أنتمُ غيرُ أقوام سيسألُكم *** إلهكم عن حساب المستحقينا
ولن تنالوا نصيباً من خلافته *** إلا بأن تنفقوا مما تحبونا
{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
الزكاة 20-8-1437.docx
الزكاة 20-8-1437.docx