هيبة المنبر للخطيب المصقع حمزة بن فايع الفتحي

أبو عبد الرحمن
1431/01/18 - 2010/01/04 06:20AM
هيبة المنبر


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعـــد:

فلا يزال منبر الجمعة المنصب الرفيع ، والموطئ المهيب ، والكلمة المشرقة على جماهير المسلمين ، مع اختلاف تخصصاتهم وثقافاتهم ومستوياتهم ، حيث لا يوجد تجمع دائم، وشعيرة أخاذة ، يتعين على الجميع شهودها مثل خطبة الجمعة ، التي كلماتها كرفارف الجنات الباسمة ونفحاتها كالسياط اللاذعة ، التي توقظ الكسول ، وتنبه الغافل ، وتجدِّد الإيمان ، وتحيي البصائر ، وتحفز للعمل ، وتشحذ العزائم.
فللمنبر (حجمه وهيبته) ، وقوته وصرامته ، وأثره وهزته وحسه وحلاوته، ومن نعمة الله تعالى ، أن جعل هذا المنبر نافذة الناس على الخير ، وإشراقتهم الإيمانية ، التي لا مناص منها ، ولا يمكن تحديدها أو إلغاؤها! حتى من لا يعرف المحاضرات والدروس ، ولم يشم رائحة العلم، يجد نفسه مضطراً لحضور منارة الأسبوع المشعة ، والإصغاء لترنماتها العذبة ، وتوجيهاتها الآسرة ، وكل ذلك يدفعنا لتنمية المنبر والارتقاء بحديثه ودوره التوجيهي ، وأن يكون الخطيب المتحدث ، والمهيمن بكلمته ، على مستوى المنبر (وحسه التثقيفي) ، الذي يرتقي بالأمة والمستمعين إيمانياً وأخلاقياً وسلوكياً وفكرياً ، ويخرج من التقليدية الهزيلة ، والنمطية الباردة، والانعزالية الرتيبة ، والانفصام المكشوف !
إنَّ هيبة المنبر ، ومكانته ، العلية خليقة بأن تقذف فينا روح الحماس، وشعلة التغيير، وجذوة النهوض بوضعية الخطبة التي يُراد لها البرود والانحطاط ، والخروج عن حاجة الناس ، وأشجانهم وشئونهم.
ولذا على من يوقر المنبر ، ويعرف له حقه ومقداره ، أن يجدِّد له هيبته ، بصدق التوكل على الله ، وحسن الإخلاص ، وجودة التحضير، وفضيلة الإعظام والاهتمام.
إنَّ تحلّي الخطيب النبيه (بفضيلة الاهتمام)، تجعله يحسب للمنبر حسابه، ويحترم عقول جمهوره، ويفيض عليهم بمحاسن القول ، وروائع الموضوعات، والفوائد والتوجيهات.
إن شحَّ الخطباء المؤثرين ، وندرة المبدعين ، توجب علينا مراجعة أدائنا الخطابي ، وبلورة نهجنا المنبري ، وغربلة تعاطينا الدعوي لهذه الوظيفة الجليلة ، والمرتبة الراقية الشريفة !
ليس كل إنسان يحسن الخطابة ! وليس كل عالم ومثقف يمكن أن يكون خطيباً ! بل ثمة أمور إذا اجتمعت للمتحدث أمكن أن يكون الخطيب المرتقب ، والمتحدث المفوّه ، الذي يجعل من خطبته تربة الغراس اليانعة ، ومناخ الإصلاح والانطلاق، وربيع الجد والمسارعة.
إننا نحتاج مع صدق الخطيب ، غَيرته الدينية ، وثقافته الفسيحة ، (وفكره اللماح) وحكمته النافذة ، وعالميته الممتدة ، ونبضه المؤثر ، وبيانه الآسر !
وهنا نبعث (برسالة صغيرة) ، متواضعة، تجلّي (هيبة المنبر) وما ينبغي من التهيؤ له ، والتحلي به ، تجاه تلك الهيبة الممتنعة ، والمكانة الراسخة ، والمُرتقَى المنيف !
الذي تحاول أطراف مخصوصة تنحيته ، وعزله عن الناس ، وأشجان الجماهير ، وجعله في (سياق مفقود) عن الأثر والتأثير ، وسوق الناس إلى العمل والتجدد والفاعلية ، وقد يسهم خطباء مقصرون في توسيع هوّة الانعزال والانفصام ، لتصبح الخطبة جوفاء ، خاوية على عروشها ، وتغدو صوتاً بلا آذان ، وصُراخاً بلا أفئدة ، ومواعظ بلا أصداء ، وكلمات بلا ولوع وتفاعلات !
إنَّ ضعف منبر الجمعة ، نوع من ضعف الدعوة ، وتراخي المتحدث ، وشح الحس البلاغي ، والرضا بالدون والكسل والانهزام.
إن معركة الإسلام مع الكفر والغي والانحراف يستطيع الخطيب الناجح علاجها واستشعارها من خلال الدقائق المبذولة ، واللحظات المفعمة زمن الخطبة والموعظة والنصيحة.

وهو ما نحاول أن نقدمه في هذه الرسالة المقتضبَة والتعليقة الموجزة تحت عنوان (هيبة المنبر)التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يوقظ ضمائرنا ، ويحيي قلوبنا لنرتقي بالخطبة وأدائها وفاعليتها لتؤدي دورها الحقيقي ، ومسئولياتها الرهيبة لمن استشعرها بصدق واستحملها بجد وحزم كما قال تعالى : (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ).

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ،،



(1) وقد جَهدت أن تكون رسالة صغيرة ، يسهل حملها وقراءتها بسرعة ، وأشكر جميع من نصح ووجه من المشايخ وطلبة العلم ، وأخص منهم أخي الشيخ عبد الله الفتحي وغيره ممن أتشرف بتوجيههم وإفاداتهم جزاهم الله خيراً.

محايل عسير


ليلة عيد الفطر

حمزة بن فايع الفتحي


إمام وخطيب جامع الملك فهد بمحايل عسير
( الكتاب في الملف المرافق)
المرفقات

هيبة المنبر.doc

هيبة المنبر.doc

المشاهدات 3584 | التعليقات 0