هيئة الأمر بالمعروف هل انقلبت على نفسها ؟ د . محمد علي الهرفي
أبو عبد الرحمن
1430/12/29 - 2009/12/16 05:44AM
هيئة الأمر بالمعروف هل انقلبت على نفسها ؟
كاتب المقال الأسبوعي يجد حرجا شديدا في اختيار الموضوع الذي سيكتب عنه؛ فهناك أحداث داخلية وهناك أحداث عربية وثالثة عالمية وهي أحداث تتلاحق أحيانا في اليوم الواحد فعن أي حدث يكتب؟
هذا الحرج أشعر به كل أسبوع لكنني في نهاية المطاف أختار حدثا أعتقد أهميته أكثر من غيره، وأحاول أن أجعله موضوعا عربيا أو عالميا مبتعدا عن الأحداث الداخلية في بلادي. لكن التصريحات التي أدلى بها الشيخ أحمد الغامدي مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة مكة والتي تشمل بالإضافة إلى مكة مدنا كبرى غيرها مثل جدة والطائف وغيرهما جعلتني أعتقد أن هذا الموضوع أهم مما عداه بكثير.
هذه التصريحات نشرت في صحيفة «عكاظ» يومي الأربعاء والخميس التاسع والعاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2009م.
أعتقد أن تصريحات الشيخ صاحب الوظيفة الكبيرة في الهيئات أحدثت شللا فكريا عند جميع أصحاب الاتجاهات الفكرية في المجتمع سواء أكانوا من الموافقين لأفكاره أو من المعارضين لها... الكل لم يكن مصدقا أن هذا الشيخ يمكن أن يقول مثل هذا الكلام ولا نصفه ولا ربعه... لكنه قاله في نهاية المطاف وبشكل صريح...
وسبب الغرابة أن الشيخ لم يتطرق إلى موضوعات مختلف فيها بل خرج عن إجماع الجميع فقال ما لم يقله الطنطاوي - غفر الله له - ولا كل «المنفتحين» مهما بلغت درجات انفتاحهم...
تحدث - فضيلته - عن الاختلاط فقال: إنه يجوز في المدارس والجامعات وأماكن العمل والأسواق وفي كل مكان!
ومعنى كلامه أن الاختلاط جائز في المدارس الابتدائية والثانوية بالإضافة إلى الجامعات وكل أماكن العمل الأخرى. وحمل فضيلته بشدة على كل من يقول بعدم جواز هذا النوع من الاختلاط!
ولم يتوقف عند هذه الطامة - في عرف الجهاز الذي يعمل فيه - بل جاء بطامة أعظم منها وأكبر... فقرر - وهو بكامل قواه العقلية - أنه يجوز للمرأة الأجنبية أن تحلق شعر الرجل وأن تفليه - أي تنظفه من كل شيء في شعره - ومعروف أن هذا العمل يقتضي منهما أن يتلاصقا وأن تلمسه باستمرار لكي تقوم بواجبها خير قيام!
وقياسا على هذه الفتوى فإنه يجوز للمرأة أن تدلك الرجل مادامت الملامسة مباحة، ولست أدري ماذا يرى فضيلته في أن يمارس الرجل الدور نفسه فينظف شعر المرأة، ويحلق لها مادامت الملامسة مباحة من الطرفين ولعله نسي أن يقول لنا رأيه في هذه المسألة المهمة!
رئيس هيئات مكة تحدث عن الملاصقة المباحة في أكثر من موضع فقال: يجوز للمرأة أن تركب مع الرجل على دابته! ومعروف أن هذا النوع من الركوب يقتضي منها أن تلتصق به لكي لا تسقط... مرة أخرى: هل يجوز للمرأة أن تردف الرجل على دابتها؟! القياس نعم ولكن لابد من الاستنارة برأي الشيخ؟!
لم يقف الشيخ عند كل هذا... فقال: إنه يجوز للمرأة أن تصافح الرجال؛ لأن الإسلام أباح ذلك والذين لا يعرفون ذلك هم جهلة القوم!
مرة أخرى... قال الشيخ ما لم يقله أحد؛ مخالطة منذ الصغر، ومصافحة مباشرة، وركوب على الدابة أو في السيارة، وقص للشعر، وتنظيف للرأس!
وقد ذكرتني هذه الفتوى ببيت شوقي - رحمه الله - الذي ينتهي بالموعد واللقاء...
أعود مرة أخرى إلى الهيئة التي عُرفت عند معظم الذين يقيمون خارج بلادنا أنها هيئة وهابية متخلفة وظيفتها ملاحقة النساء في الشوارع وضربهن بالعصا الغليظة وإجبارهن على تغطية وجوههن وأجسادهن باللون الأسود وكذلك إجبار الرجال على الصلاة في المسجد مهما كانت أديانهم!
كانوا يسمونها الشرطة الدينية التي يقودها متخلفون جبابرة!
وقد سئلت أكثر من مرة من صحافيين ومندوبي وسائل إعلامية عن الهيئة وعن نشاطاتها في ملاحقة النساء وجلدهن وكنت أجد صعوبة في تغيير هذه الصورة النمطية التي انطبعت في أذهانهم من جراء ما يسمعونه عنها...
تصريحات الشيخ الغامدي تقتضي - وبكل وضوح - أن ينتهي ذلك كله، فمن حق كل أحد أن يجالس أي امرأة في مطعم أو مقهى، كما أن من حقه أن يحملها معه في سيارته - والسيارة أفضل من الدابة - ومن حقه كذلك أن يدخل بيتها لكي تفلي رأسه وتقص لحيته - هذا إذا كان له لحية مثل الشيخ - وليس من حق أحد من رجال الهيئة أن يتهم من يفعل ذلك في نيّاته لأن الأصل هو البراءة وحسن النيّات...
كما أنه أصبح من حق أي أحد أن يستقدم «حلاقات» و»مفليّات» ويضعهن في أماكن عامة ليقدمن خدماتهن الناعمة لمن يحتاجها...
وأيضا - بحسب فتوى الشيخ - أصبح من حق كل أصحاب المدارس الخاصة - حاليا - أن يخلطوا الأولاد مع البنات في جميع المراحل الدراسية...
الشيء المهم الذي أود قوله: ما هو موقف الشيخ من كل الذين تعاملت معهم الهيئة في الأعوام الماضية بخلاف ما قاله الآن؟ أليس من حقهم أن يرفعوا دعاوى قضائية ضد الهيئة؟!
ثم ماذا بقي للهيئة من عمل لو أنها اقتنعت ونفذت كل فتاوى الشيخ المباركة؟!
أقول: سواء أكان الشيخ يتحدث باسمه أم باسم الهيئات التي ينتمي إليها فإن ما قاله يعد زلزالا هائلا وانقلابا على كل ما كانت تتبناه الهيئة طيلة عشرات السنين...
على الهيئة أن تقرر الآن وبكل وضوح موقفها من تصريحات أحد كبار منسوبيها لكي يعرف المواطن السعودي أو المقيم كيف يتعامل مع المرأة خاصة إذا كان بحاجة ماسة إلى من يفلي له رأسه أو يقص شعره!
د. محمد بن علي الهرفي