هويتنا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اتَّقوا ربكم حَقَّ التَّقْوى، واعملوا بطاعة ربكم ومرضاته، فهو السبيل الوحيد إلى رِضْوانه وجناته ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ).

إخوة الإيمان والعقيدة ... ما أحوجنا أن نَتَحَدَّثَ عن بَلَدِنا، عن هُويته وشخصيته، ومَرْكَزِه وخاصيته، وبالأخص في هذا الوقت الذي تَسارَعَتْ فيه المتغيرات، وتَغَيَّرَتْ فيه القناعات.

نَتَحَدَّث عَنْ ذلك في ظِلِّ الحَمَلات اللاَّمُتناهِية، التي تستهدف بَلَدنا ودُستوره، ونظامه ومحاولة تذويبه نحو الوِجهة الغَرْبيَّة. 
لا نَتَحَدَّث عن بَلَدنا عصبيَّة جاهليَّة، أو حميَّة قوميَّة، ولا تزكية للنَّفْس أو تغنينًا بالمآثِر، وإنما تذكيرًا بِفَضْل الله تعالى واستشعارًا بِعِظَم المسؤوليَّة في حماية ديننا وبلدنا، وإبقائِه نقيًّا ناصِعًا.

هذا البَلَد الذي نَتَفَيَّأ ظِلاله، ونعيش في كَنَفِه، هي الأرض التي اصطفاها الله؛ لتكونَ مهبط وَحْيه، ومنطلق خاتم نُبُوَّاته ورسالاته، على ثَرَاها عاش الأنبياءُ، وبين دُرُوبِها سار الرُّسل وحجوا وعجوا.

هذه الجزيرةُ شَهِدَتْ مولِد أفضل وخَيْر الخَلْق محمدٍ ﷺ، بين سُهُولها وحرَّاتها نشأ، وعلى أرجائها وفجاجها تَنَقَّلَ ودعا، هذه الجزيرةُ منها شَعَّ نورُ الإسلامِ، الذي ارْتضاه اللهُ للبشريَّة جميعًا، وعَبْر بوابتها دَخَلَ الناسُ في دِين الله أفواجًا، وعلى أكتافِ أبنائها الأوائلِ بلغ الدِّيْن ما بلغَ اللَّيل والنهار، فلم يتركِ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَر إِلاَّ أدخلَه هذا الدِّين، بِعِزِّ عزيزٍ، أو بِذُل ذليل.

هذا البلد يضم بين جَنَباتِه أحبَّ البِقاع وأكرمَها عند الله تعالى هذا البيت العتيق، الذي أقسم به ربُّه، فقال ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ) جَعَلَهُ مثابةً للناس وأمنًا، في كُلِّ زمانٍ ومكان، القلوب نحو هذا البيت مُعَلَّقة، والجِباهُ إليه مُيَمَّمَة مُصلِّية.

وفي هذا البلد أيضًا يتشَرَّف بتلك البقعة الطَّاهرة، المدينة الطيبة، التي اختارها الله؛ لتكونَ منطلقًا لدعوة حبيبِه وخليله ﷺ اصطفاها الله؛ لتكونَ عاصِمة الإسلام الأولى، ومَأْرِزُ الإيمان إلى قيام الساعة.

هذه البلاد هي حَرَم الإسلام، وللحرم حُرُماته التي لا تُنْتَهَك، ولن تكونَ دار كفر أبدًا، قال ﷺ ( إنَّ الشيطان قد يَئِس أن يعبُدَه المُصَلُّون في جزيرة العرب؛ ولكن في التَّحريش بينهم ).

هذه الجزيرة لا تُقام فيها إلاَّ شعائر الإسلام، فلا تجتمع فيها هلال وصليب، ولا مساجد وكنائس؛ قال ﷺ ( لا يُتْرك في جزيرة العرب دينان ) هذه الجزيرةُ أبقاها الله للإسلام، واصْطفاها لأهلِه، فلم يَحْتلها في تاريخها كافرٌ، ولم يَحْكُمْها أهل البِدَع، وإن حكموا ففي جزءٍ منها، ولِفترة محدودةٍ.

هذه البلاد ستبقى معقل الإسلام، ومبدأَه ومُنتهاه، وهي المَوْئِل الذي يأوِي المسلمون في الأزمات والساعات العصيبة إليه؛ قال ﷺ ( إن الإيمان ليَأْرِزُ إلى المدينة كما تأرز الحيَّة إلى حجرها ) وفي لفظ ( إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز ).
هذه بلدُنا، قدرها الإسلام، وشخصيتها التوحيد، ووظيفتها نَشْر أنوار النُّبوة المُحَمَّديَّة إلى أرجاء الدُّنيا، هذه هُويتنا، التي يجب أن نعلنَها ونرفعها، وإن شَرَّقَ بها مَن شرق.

عباد الله ... بَقِيَتْ هذه البلاد بِهُويتها وتَمَيُّزِها عصيَّة على دعوات التغريب، تلك الدعوات التي ضَرَبَتْ أطنابها في بلدان إسلاميَّة، وبقيَ كدرها ونَتَنُها باقيًا فيها. وفي السَّنَوات الأخيرة ازْدادَتْ شراسَة مثل هذه الدعوات على بلادنا، وأصبح الهُجُوم على التَّدَيُّن والأخلاق والقِيَم، ومحاولة تَمْييعها وتَذْويبها واضِحًا وُضُوح الشمس في رابِعة النهار، يقوم على هذه الدَّعوات (دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها ) أعداء من الخارج حاقِدون، وأبناء من هذا البلد عاقُّون (هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا ).

والذي ينبغي أن يُعلَمَ أنَّ محاولة طَمْس هُويَّة البلد الإسلاميَّة أو تغييبها، هو جزء منَ العداء الفكري، والقتال الذي نَبَّأنا الله خَبَرَه عن أهل الكتاب ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) تحت شِعار الإصلاح، أوِ الدِّيمُقراطيَّة، أوِ التَّعدُّديَّة، وحقوق الإنسان، ولا نجد واللهِ خيانة للبلد ولا عقوقًا للوطن أعظم من أن تُسْتَنْجَدَ هذه المنَظَّمَات الدوليَّة؛ للضَّغط داخليًّا مِن أجل التغيير المزعوم.

عباد الله ... إنَّنا مُستَهْدَفُون في هُويتنا، ليس هذا وُقُوعًا في هاجِس المُؤامَرة، كلاَّ؛ بلِ الأحداثُ والوقائع والتصريحات لَتُؤَكِّد أنَّ البلد بل المنطقة مُستَهْدَفة لمشروعٍ تخريبي، تَتَوَلى كِبْره قنوات فضائية، وأقلام مأجورة.

إنَّ مِن حِفظ هُويتنا والمُحَافَظة عليها، معرفة الشَّر المُحدق بها، وكَشْف أساليب مَن يَجرُّها إلى مُستَنْقع التَّغريب، فمِن أعظم معاوِل القوم في دَكْدَكة هُويتنا الإسلاميَّة وتذويبها، هو محاوَلة إفساد المرأة المسلمة، ودُعاة التغريب لهم مع المرأة تاريخٌ طويلٌ، فهي هَدَفُهمُ الأول والثاني والأخير؛ لأنَّ المرأةَ هي مفتاح صلاح المجتمع أو فساده، فَفَسَادُها وإفسادُها إفسادٌ للمجتمع كلِّه.

نعم ... قَطَعَ هؤلاءِ المُتَحَرِّرون شَوْطًا في ذلك، فأبْرَزُوا لنا المرأةَ منذ أمدٍ، أبرزوها بكامِلِ زينتها وفتنتها، أبرزوا لنا ذلك في جميع وسائِلهم في الصُّحُف والمجلات، والقِصص والروايات، وفي الأفلام والدعايات، غير أن أهواءَهم لم تنتهِ عند هذا الحدِّ، فسَعَوا في تغيير الهُويَّة إلى نَشْر ثقافة التَّعَرِّي والتَّفَسُّخ، والتَّطْبيع لقضايا الحبِّ والعلاقات المُحَرَّمة، وسماء الفضائيَّات اليوم مَلِيئةٌ بِمَشاهِد الرَّقْص، وأفلام الغرام، والقُبُلات الحارَّة. كلُّ ذلك تحت شعار الحريَّة وحريةِ التعبير، زعموا، فلا مرحبًا بهذه الحرية التي لا تَتَأَدَّب ولا تُوَقِّر مع ورثة الأنبياء.

إخوة الإيمان ... إنَّ حماية البلاد، ودينها، وأخلاقها، مسؤوليتُنا جميعًا في إعلامنا ومساجدنا، في جامعاتنا ومدارسنا، في بُيُوتِنا ومجالِسنا. وكلٌّ منَّا على ثغرِه، فلْيُنْفق ذو سَعة مِن سعتِه، ومَن قدر عليه علمه وجهده، فَلْيُنفق ممَّا آتاه الله ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ) مع نَشْر الوعي، والمُناصَحة بالمعروف، والتَّواصُل مع أهل الحل والعقد، في فَضْح مُخَطَّطات المُستَغربينَ، وتجاوزاتهم للسِّياسة والدِّين، فإنَّ الله يَزَعُ بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن. ولا ننس اسْتِدفاع هذه المخاطر عنا بالتَّسَلُّح بالإيمان، والصَّبْر على طاعة الرحمن ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ).

بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعَنِي وإيَّاكم بهدي سيد المرسلينَ، وأستغفر الله العظيم.

 

الحمد له رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... قبل أيام في مشهد غير مألوف وانتشر عبر التواصل الاجتماعي مقطع يظهر فيه تصرفات غير أخلاقية من قِبل شاب وفتاة يرقصان على الرصيف أمام الناس دون حياء. وقد أمر أمير تلك المنطقة الجهات الأمنية بالمنطقة بالقبض على المتورطين في مقطع فيديو.

لقد أدرك ولاة أمورنا وفقهم الله تعالى أن نكسة البلاد سببها نكسة الأخلاق.

أيها الأحبة، إن الأخلاق الحسنة هي أساس بناء الأمم، فرغم تغاير الأماكن والأزمان، والدول والحضارات، تظل القيم الأخلاقية نقطة الارتكاز في مسيرة الأُمم والشعوب، فبالتمسكِ بها يكونُ التقدّمُ والصعود، وبالتنازلِ عنها والتَّفَلُّتِ منها يكون الانهيار والسقوط، وكما قال أحمد شوقي:

وَإِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلاَقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاَقُهُمْ ذَهَبُوا

فَإنَّ ضعف، أو غياب الوازع الخلقي من أهم عوامل الانهيار الحضاري عبر القرون، فكيف كان انهيار فرنسا السريع على يد القوات الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية، بسبب تفكك القيم الخُلُقِيَّةِ هناك.

ألا فاعتبروا يا مسلمون ... فالسعيد من اتعظ بغير، والشقي من اتُعِظ به.

والحق أن كُل مسلمٍ يقول: لا إِلهَ إلا الله هو مسؤول، فالحاكم مسؤول أمام الله عن أخلاق شعبه إذا لم يُرشدهم إلى الأخلاق الحسنة التي أرادها الله، والأب مسؤول عن أبنائه وَجَبَ أن يُراقبهم ويُوجههم لما يُريدُ الله، والأم مسؤولة في بيتها وجَبَ أن لا تألوا جُهداً حتى تُربيهم كما يُريد الله، والجار مسؤول في حارته وَجَبَ أن يُبلغهم ما أراد الله، والمدرّس مسؤول في مدرسته يجب أن يضع أمام عينيه مخافة الله، (وكلكم راعٍ وكُلّكُم ومسؤول عن رعيته) كما قال رسول الله، فَبِهِمَّة الجميع.. شباباً وشياباً.. رجالاً ونساءً، وبتوفيق الله وعونه قبل هذا وذاك؛ يصلح المجتمع، ويصلح الشباب، وتندثر الرذيلة والأخلاق العفنة..

يا ربِّ أصلح شباباً واهدهم سُبُلاً *** حتى يكونوا لنصر الحق افواهُ

وثبّتهمُ ربي عـلى الحـق والهُـدى ***حتى يُعيدوا لنا مَجـداً أضعنــاهُ

يا رب أصلح بنات المسلمين فَهُن *** للحق غيثاً قوياً في عطـايـــاهُ

اللهم اصلح شباب المسلمين وفتيات المسلمين....

المشاهدات 1008 | التعليقات 0