: هممٌ لامنتهى لكبارها 21/ 3/ 1445ه

د عبدالعزيز التويجري
1445/03/20 - 2023/10/05 11:31AM

٢الخطبة الأولى: هممٌ لامنتهى لكبارها                     21/3/١٤٤5ه

الحمد لله العلي الأعلى، ذو الاسماء الحسنى والصفات العلى ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنَّهُ هُو البر الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين . أمَّا بعدُ:

 ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ).

كان الصحابةُ رضوان الله عليهم حولَ الرسولِ عليه الصلاة والسلام .. تتنزلُ الآياتُ بين ظهرانيِهم ، وقائدُهم ومربيهم ومعلمُهم لا يفترُ عن تذكيرِهم وتعليمهِم وشحذِ هممهم ، فلما رحلَ المعلمُ وانقطع الوحيٌ ،، لم تخبوا تلكَ الجذوةِ الايمانيةِ ، ولم تنطفئ تلك الشعلةِ الدعويةِ .. ولم يحل التقاعدُ على أكابرِهم ، ويستكينُ شبابهم بل سابقوا الزمن، وعادوا فتية للحق، فأخذ خالد اللواء فارسا ضرغاما ، وقائدا فذا، ففتح البلدان وسحق حكم فارس والروم.

وانطلق ابن عباس يتلقى العلم من أكابر الصحابة ، ولزم زيد بن ثابت ينهل من علمه ، وكان إذا أقبل زيد بن ثابت قام إليه ابن عباس وأخذ بخطام راحلته فيقول له تنح يا ابن عم رسول الله فقال : هكذا امرنا أن نصنع بعلمائنا

ولما مات زيد بن ثابت، قال أبو هريرة مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا وجلس أبوهريرة يحدث الناس واصبح راوية الاسلام .

 قال الذهبي في السير كان ابوهريرة يخرج يوم الجمعة، فيقبض على رمانتي المنبر قائما، ويقول: حدثنا أبو القاسم الصادق المصدوق، فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب المقصورة لخروج الإمامة، فيجلس...

 ومضى ابن مسعود وابو الدرداء وابو موسى يقرؤون الناس القرآن في البلدان والامصار

 هم الرجال بأفياء العلم نموا      وتحت سقف المعالي والنَّدى وُلِدوا

جباههم ما انحنت إلا لخالقها     وغيرُ من أبدع الأكوان ما عبدوا

 الخاطبون من الغايات أكرمها     والسابقون وغيرُ اللهِ ما قَصَدُوا

انهم جيل يحيون الهمة في الضمائر .. إن الهمة لاتقف بانتهاء العمل الوضيفي ، وأن الروح العاملة لاتخبوا عندما يمتلك الانسان قصراً منيفاً أو مركباً فارها

الهمة تبقى وقّادةٌ ما بقي الدين ، يجلي ذلك ما سطره الرجل الأول في هذه الأمة  قال أبوهريرة رضي الله عنه : والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبد الله ، فقيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله ﷺ وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فقبض و وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب النبي -ﷺ- فقالوا رد هؤلاء تُوجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب ؟ فقال أبوبكر والذي لا إله إلا هو لو ظننت أن الطير تخطفني، وأن السباع جرت بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشاً وجهه رسول الله وما حللت لواء عقده رسول الله والله لو لم يبق في القرى غيري لأنفذته.

   ليتَ شِعْرِي ما الَّذِي أطلقهُمْ      مِنْ عِقَالِ وبقيناً أَسَرَاء

   ما لنا نحنُ عَجِبْنَا وَاغْتَرَرْنَـــــا          أوَ لَسْنَا كُلُنَا طيناً ومَاء

     لو تبعنا في الهدى آثارهــم         لانطلقنا وسمونا للعلاء

 جيلُ يجسدُ الحياة الحقيقية .. أن العمر أقل من أن يقضى في همة تنتهي بشهرة، أو رؤية خضرة ، أو حصول على مركب ومسكن الحياة .

 الحقيقية يجسدها رسول الامة حين ربى بمنهجه أن الحياة ( هو ما تنتجه وتخرجه لا ما تستمتع فيه . قال عبد الله بن مسعود : نام رسول الله ﷺ على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. أخرجه الترمذي.

 راح رسول الله ﷺ بعد أن خرّج جيلا همه علو الاسلام ونشر العقيدة والثبات على الدين .. يرحل جابر مسيرة شهر لا لرؤية خضرة او حضور محفل، وإنما لسماع حديث فاته ، ويضمحل جسم عمر ، لا لغلبة فريق او ذهاب منصب او خسارة

في دنيا وإنما هما للمسلمين قال أسلم ( لو لم يرفع الله المحل عام الرماده لظننا ان عمر يموت هما بأمر المسلمين ).

هم الرجال إذا ما جئت تمدحهم   سمت على الحرف تيجان وازهار

ويجمع ذلك كله قول ربنا عز وجل {فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ }

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين

 

 

 الخطبة الثانية . الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وعلى " آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا .. أما بعد

عالي الهمة له نظامٌ يسير عليه, وهدفٌ يصبوا إليه, ومنهجٌ لا يحيد عنه, ووقتٌ يَبْخَلُ به ..

في صحيح مسلم قال رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ،r فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»

    له همــةٌ لا منتهى لكبارهـــــــا      وهمَّتُه الصغرى أجل من الدهر

كبيــرُ الهمــة لا يَنْقُضُ عَزْمَه, ولا تهون قواه، يجعل قول الله تعالى نُصب عينيه (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئًا في الدنيا, فسوف يكون زائدا عليها.

إذا ما مضى يومٌ ولم أصطنع يدًا *** ولم أقتبس علمًا فما هو من عمري

 المكارمُ منوطةٌ بالمكاره، والمصالحُ والخيرات لا تُنَالُ إلا بحظٍّ من المشقة.

بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها      تُنال إلا على جسرٍ من التَّعَب

إن على كل منا أن يضع نفسه في المكان الملائم، كل بحسبه وعلى قدر إمكانياته، من استطاع أن يميط شوكة عن طريق فليمطها، ومن أمكنه أن يبذر حبة خير في الأرض فليبذرها، ومن استطاع ان يرد شرا فاليدفعه كل ينفق مما لديه( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا أتَاهَا } ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي انعمت علينا وان نعمل صالحا ترضاه ... اللهم آمنا في دورنا .

المرفقات

1696494917_هممٌ لامنتهى لكبارها.docx

1696494973_هممٌ لامنتهى لكبارها.pdf

المشاهدات 1301 | التعليقات 0