هل يعود الأسد إلى حكم سوريا // أحمد محمود عجاج
احمد ابوبكر
1437/10/28 - 2016/08/02 12:52PM
[align=justify]هل يستعيد الاسد السلطة، ويسترجع شرعيته المفقودة؟ لم يعد هذا الافتراض خياليا، محتملا، ومتداولا في الصحافة، ومراكز صناع القرار في الغرب. لم تعد الخارطة السورية تشير الى مناطق ثائرة على النظام السوري بل الى مناطق محاصرة، مجوعة، ولم تعد، على المستوى الغربي، مناطق تطالب بالحرية، بل مناطق قد يتسرب منها الارهاب الى مدن الغرب. ومع حصار الاسد مؤخرا لحلب يبرز السؤال: هل سينتصر؟ كيف ستكون تشكلات الخارطة السياسية في المنطقة؟ وللاجابة على هذا السؤال لا بد من النظر الى العاملين الاقليمي والدولي وكذلك، بنسبة اقل، الى الخارطة السياسية الداخلية السورية.
إقليميا، يعتبر التحول التركي قبل الانقلاب، وبعده، من اهم العوامل، لأن تركيا بقربها الجغرافي، وانحيازها للثورة السورية، وخبرتها في التعامل مع الفصائل، تجعل منها المُرجح الفعلي في اية سيناريو محتمل. وعلى ما يبدو، ان القيادة التركية لم تحسم بعد رأيها في الموضوع، مع انها حاولت قياس ردات الفعل على اي انفتاح على عودة الاسد الى السلطة. فالقيادة التركية لا تزال ترى ان سوريا بوجود الاسد يشكل خطرا على كيانها، وعنوانا للفشل التركي في المنطقة؛ كما ان عودته ينطوي عليها تفاهمات كبرى، ليس للقيادة التركية ثقة كبرى بهوية الضامن لها. لم تزل تركيا مترددة في حسم خياراتها؛ هي مع الربيع العربي، والاستقرار الاقليمي، ومع التعاون الامريكي، وكذلك الروسي، والتفاهم الغربي. لكن الواقع الملموس ان القيادة التركية وخاصة بعد الانقلاب، تعيش توترا محسوبا مع امريكا، ومع اوروبا، وتجربة انفتاح مع روسيا؛ وفي كل هذه المحاولات ستكون تركيا فيها رابحة في مكان، وخاسرة في مكان آخر؛ وبجردة حساب كبرى، فإن التحول التركي نحو روسيا، سيكون بمثابة هزة استراتيجية كبرى تشبه الى حد كبير قرار الرئيس نيكسون الانفتاح على الصين، بهدف محاصرة الاتحاد السوفياتي واضعافه. تكمن المشكلة التركية في ان تركيا، منذ “الاستقلال"، دخلت في تركيبة الجسد الغربي، على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واصبح صعبا عليها انسحابا بهذا العمق من دون ترقب اهتزازات كبرى، قد تكون اقوى بكثير من تلك التي تريد تركيا تجنبها.
علاوة على البعد التركي يبرز البعد العربي ممثلا بالموقف الاستراتيجي للسعودية التي ترى ان عودة الاسد هو انتصار لإيران، وهزيمة لصدارتها للتيار العربي، واضعاف لأمنها الاقليمي؛ وقد حددت المملكة، اكثر من غيرها، ان الاسد، والاسد بالذات، ليس له مكان في مستقبل سوريا؛ وهي مصرة على هذا الموقف، لأنها تدرك ان الانتصار في سوريا، هو تمدد ايراني تجاه العمق السعودي، وعليه قد تتغير خريطة المنطقة العربية اثنيا، ودينيا وتبرز تشكلات لإنظمة جديدة لم تشهدها المنطقة. وتعول المملكة في هذا المسار على المنظومة الخليجية، وعلى تحالفات اقليمية وبالتحديد تركيا، للاستمرار في سياسة معارضة بقاء الاسد، عسكريا وسياسيا؛ فالمملكة لا تمانع في قيام نظام سوري يرضي الاطراف، لكن شرطها الوحيد هو خروج الاسد من السلطة؛ هذا التشديد على الاسد سببه عمق الارتباط الايراني بعائلة الاسد، ولأن بقاءه هو استمرار للنفوذ الايراني، وتجذره في المنطقة. وقد اظهرت المملكة، وعلى عكس المتصور، انها قادرة على التحرك، واستخدام القوة، وكل ما امكن للحفاظ، حسب تصورها، على كيانها والامن العربي. وقد نبه وزير الخارجية السعودي المشككين بأن يتذكروا قهر المملكة للراديكالية العربية، ومساهمتها في زوال النظام السوفياتي.
على المستوى الدولي، نشهد لأول مرة تفاهما امريكيا روسيا في سوريا، لكنه تفاهما تكتيكيا وليس استراتيجيا، ومحدد زمنيا مع اقتراب خروج الرئيس اوباما من السلطة؛ فسياسة اوباما في سوريا كانت وفق قاعدة: لم أرد خروج الاسد، ولا امانع بخروجه؛ بقاؤه او خروجه لا يضر بالمصالح الامريكية شرط ان يكون منظما ومدروسا؛ لذلك عندما هدد الثوار بقاء نظام الاسد، قلقت امريكا من التغيير بدون ايجاد البديل، فأفشلت التغيير العسكري، وتركت السوريين يموتون بالجملة، وسمحت لروسيا بالتمدد، وغيرها من اللاعبين، لزيادة الغموض، وحث الاطراف كلها على وضع تسوية كبرى تكون هي الرعاية لها؛ ولا تمانع الولايات المتحدة ان يكون للاسد دور مؤقت في هذه التسوية. وبهذا التصور، يمكن فهم الدخول الروسي الى المنطقة، وبالتحديد في زمن تُحاصر فيه روسيا بسبب اوكرانيا، وبوقت تعاني فيه اقتصاديا؛ فالروس بقيادة بوتين يريدون وجودا في الشرق الاوسط، لكن بالدرجة الاولى، يريدون دورا دوليا معترفا به امريكيا، وهم لا يمانعون من عقد اية تسويات كبرى، تشمل حتى اوكرانيا. يدرك الروس ان المنظومة الدولية لم تزل بيد امريكا، ولهذا لا يمانعون الدخول في التسويات لأنها اضمن من خيار المواجهة. وإذا كان يوجد من يعتقد ان روسيا قطب دولي لا يقهر عليه ان يفكر بالنتائج فيما لو سمحت امريكا للثوار بالحصول على الاسلحة النوعية، وتوقفت عن دعم ايران في العراق؟
ثمة طرف اخر في المعادلة وهو الشعب السوري، وهو لب المشكلة، وعليه تتحد شرعية السياسة الدولية؛ المقصود ان أية تسوية تقهر هذا الشعب ستكون مؤقتة، ومتفجرة، وناقلة للحقد والتفجر الطائفي، والديني، وفاتحة لنزاع مع الغرب، وروسيا، لدرجة تجعل المتطرفين يشكرون الله على هذه النعمة. فالاسد لم يعد مقبولا سوريا، ولا انسانيا، ويداه ملطختان بالدماء، لدرجة كما يقول شكسبير، تعجز عن غسيلها كل عطور الجزيرة العربية.
في هذه الفسيفساء، لا يوجد تغير نوعي في الموقف التركي من الاسد، ولا سعودي، ونرى تفاهما امريكيا على ارباك المشهد السوري بهدف ايجاد حلول؛ ورغم كل التحولات الا ان الاطراف لا تزال بعيدة عن التفاهم حول المستقبل السوري، وبالتحديد حول مصير الاسد، لأن الجميع متفق على سوريا موحدة، ونظام بديل لا ينسف النظام السابق بل يطوره بما يناسب الواقع الجديد. الطرفان الوحيدان اللذان ينكران الواقع هما الاسد وايران، مع فارق ان الاسد يصارع من اجل حياته، بينما ايران من اجل النفوذ وتسوية محتملة.
كل هذا يؤكد ان المتفائلين بعودة الاسد، وان حصار حلب هو المؤشر، عليهم ان يدركوا انه لن يكون مختلفا عن بقية الحصارات، وان الاسد إن كسب جولة سيخسر اخرى، وان العالم لا بد ان يقبل في النهاية منطق الاشياء بأنه لا يمكن كسر ارادة شعب، وان من يشعل النار، إذا لم يحرص، سيكون اول من يحرق اصابعه.
[/align]
إقليميا، يعتبر التحول التركي قبل الانقلاب، وبعده، من اهم العوامل، لأن تركيا بقربها الجغرافي، وانحيازها للثورة السورية، وخبرتها في التعامل مع الفصائل، تجعل منها المُرجح الفعلي في اية سيناريو محتمل. وعلى ما يبدو، ان القيادة التركية لم تحسم بعد رأيها في الموضوع، مع انها حاولت قياس ردات الفعل على اي انفتاح على عودة الاسد الى السلطة. فالقيادة التركية لا تزال ترى ان سوريا بوجود الاسد يشكل خطرا على كيانها، وعنوانا للفشل التركي في المنطقة؛ كما ان عودته ينطوي عليها تفاهمات كبرى، ليس للقيادة التركية ثقة كبرى بهوية الضامن لها. لم تزل تركيا مترددة في حسم خياراتها؛ هي مع الربيع العربي، والاستقرار الاقليمي، ومع التعاون الامريكي، وكذلك الروسي، والتفاهم الغربي. لكن الواقع الملموس ان القيادة التركية وخاصة بعد الانقلاب، تعيش توترا محسوبا مع امريكا، ومع اوروبا، وتجربة انفتاح مع روسيا؛ وفي كل هذه المحاولات ستكون تركيا فيها رابحة في مكان، وخاسرة في مكان آخر؛ وبجردة حساب كبرى، فإن التحول التركي نحو روسيا، سيكون بمثابة هزة استراتيجية كبرى تشبه الى حد كبير قرار الرئيس نيكسون الانفتاح على الصين، بهدف محاصرة الاتحاد السوفياتي واضعافه. تكمن المشكلة التركية في ان تركيا، منذ “الاستقلال"، دخلت في تركيبة الجسد الغربي، على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واصبح صعبا عليها انسحابا بهذا العمق من دون ترقب اهتزازات كبرى، قد تكون اقوى بكثير من تلك التي تريد تركيا تجنبها.
علاوة على البعد التركي يبرز البعد العربي ممثلا بالموقف الاستراتيجي للسعودية التي ترى ان عودة الاسد هو انتصار لإيران، وهزيمة لصدارتها للتيار العربي، واضعاف لأمنها الاقليمي؛ وقد حددت المملكة، اكثر من غيرها، ان الاسد، والاسد بالذات، ليس له مكان في مستقبل سوريا؛ وهي مصرة على هذا الموقف، لأنها تدرك ان الانتصار في سوريا، هو تمدد ايراني تجاه العمق السعودي، وعليه قد تتغير خريطة المنطقة العربية اثنيا، ودينيا وتبرز تشكلات لإنظمة جديدة لم تشهدها المنطقة. وتعول المملكة في هذا المسار على المنظومة الخليجية، وعلى تحالفات اقليمية وبالتحديد تركيا، للاستمرار في سياسة معارضة بقاء الاسد، عسكريا وسياسيا؛ فالمملكة لا تمانع في قيام نظام سوري يرضي الاطراف، لكن شرطها الوحيد هو خروج الاسد من السلطة؛ هذا التشديد على الاسد سببه عمق الارتباط الايراني بعائلة الاسد، ولأن بقاءه هو استمرار للنفوذ الايراني، وتجذره في المنطقة. وقد اظهرت المملكة، وعلى عكس المتصور، انها قادرة على التحرك، واستخدام القوة، وكل ما امكن للحفاظ، حسب تصورها، على كيانها والامن العربي. وقد نبه وزير الخارجية السعودي المشككين بأن يتذكروا قهر المملكة للراديكالية العربية، ومساهمتها في زوال النظام السوفياتي.
على المستوى الدولي، نشهد لأول مرة تفاهما امريكيا روسيا في سوريا، لكنه تفاهما تكتيكيا وليس استراتيجيا، ومحدد زمنيا مع اقتراب خروج الرئيس اوباما من السلطة؛ فسياسة اوباما في سوريا كانت وفق قاعدة: لم أرد خروج الاسد، ولا امانع بخروجه؛ بقاؤه او خروجه لا يضر بالمصالح الامريكية شرط ان يكون منظما ومدروسا؛ لذلك عندما هدد الثوار بقاء نظام الاسد، قلقت امريكا من التغيير بدون ايجاد البديل، فأفشلت التغيير العسكري، وتركت السوريين يموتون بالجملة، وسمحت لروسيا بالتمدد، وغيرها من اللاعبين، لزيادة الغموض، وحث الاطراف كلها على وضع تسوية كبرى تكون هي الرعاية لها؛ ولا تمانع الولايات المتحدة ان يكون للاسد دور مؤقت في هذه التسوية. وبهذا التصور، يمكن فهم الدخول الروسي الى المنطقة، وبالتحديد في زمن تُحاصر فيه روسيا بسبب اوكرانيا، وبوقت تعاني فيه اقتصاديا؛ فالروس بقيادة بوتين يريدون وجودا في الشرق الاوسط، لكن بالدرجة الاولى، يريدون دورا دوليا معترفا به امريكيا، وهم لا يمانعون من عقد اية تسويات كبرى، تشمل حتى اوكرانيا. يدرك الروس ان المنظومة الدولية لم تزل بيد امريكا، ولهذا لا يمانعون الدخول في التسويات لأنها اضمن من خيار المواجهة. وإذا كان يوجد من يعتقد ان روسيا قطب دولي لا يقهر عليه ان يفكر بالنتائج فيما لو سمحت امريكا للثوار بالحصول على الاسلحة النوعية، وتوقفت عن دعم ايران في العراق؟
ثمة طرف اخر في المعادلة وهو الشعب السوري، وهو لب المشكلة، وعليه تتحد شرعية السياسة الدولية؛ المقصود ان أية تسوية تقهر هذا الشعب ستكون مؤقتة، ومتفجرة، وناقلة للحقد والتفجر الطائفي، والديني، وفاتحة لنزاع مع الغرب، وروسيا، لدرجة تجعل المتطرفين يشكرون الله على هذه النعمة. فالاسد لم يعد مقبولا سوريا، ولا انسانيا، ويداه ملطختان بالدماء، لدرجة كما يقول شكسبير، تعجز عن غسيلها كل عطور الجزيرة العربية.
في هذه الفسيفساء، لا يوجد تغير نوعي في الموقف التركي من الاسد، ولا سعودي، ونرى تفاهما امريكيا على ارباك المشهد السوري بهدف ايجاد حلول؛ ورغم كل التحولات الا ان الاطراف لا تزال بعيدة عن التفاهم حول المستقبل السوري، وبالتحديد حول مصير الاسد، لأن الجميع متفق على سوريا موحدة، ونظام بديل لا ينسف النظام السابق بل يطوره بما يناسب الواقع الجديد. الطرفان الوحيدان اللذان ينكران الواقع هما الاسد وايران، مع فارق ان الاسد يصارع من اجل حياته، بينما ايران من اجل النفوذ وتسوية محتملة.
كل هذا يؤكد ان المتفائلين بعودة الاسد، وان حصار حلب هو المؤشر، عليهم ان يدركوا انه لن يكون مختلفا عن بقية الحصارات، وان الاسد إن كسب جولة سيخسر اخرى، وان العالم لا بد ان يقبل في النهاية منطق الاشياء بأنه لا يمكن كسر ارادة شعب، وان من يشعل النار، إذا لم يحرص، سيكون اول من يحرق اصابعه.
[/align]