هل يبكي خطيب الجمعة
سامي القرشي
هل يبكي الخطيب
الخطبة أداة تأثير، تهدف إلى حفز المستمع إلى تغيير حاله إلى الأفضل، بالإقبال على خير، أو الانصراف عن شر، ومن أهم أدوات الخطيب للتأثير هو إيمانه بما يقول، وتأثره به، وصدق لهجته.
ولكن هل يبلغ التأثر بالخطيب إلى البكاء؟ وهل ذلك محمود في حقه؟
أما التأثر إلى حد البكاء فقد يحصل من الخطيب الفاضل المجود لاسيما عند تلاوة القرآن، ولكن ذلك يحدث في حالات قليلة نادرة، ولا يُذم من حدث منه ذلك ولا يُمدح، ولكن يوصى بالتحرز من ذلك واجتنابه.
فإن من المواقف ما لا ينبغي فيه البكاء كمواقف النزال، والمناظرة والجدال، وعند نزول البلاء في مشهد الأعداء، ومنها اعتلاء منبر الخطابة فإنه من مواقف التأثير ومواجهة الجماهير، فينبغي أن يكون الخطيب في هذا الموقف مؤثرًا لا متأثرًا.
والتأثير الأبلغ للخطيب هو بما يقول، وكيف يقوله، أما حالة الخطيب النفسية فلا ينبغي أن توظف في التأثير، لأن ذلك من علامات الضعف لا القوة، ولقد نُقلت لنا خُطب كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كبار أصحابه فما علمنا أحدًا منهم بكى أو تباكى في خطبته، نعم كان المستمعون يتأثرون حتى ربما أخضلوا لحاهم، أو غطوا رؤسهم ولهم خنين، لكنَّ ذلك لم يحصُل ببكاء الخطيب، ولا دفعه ذلك للبكاء.
أقول هذا في البكاء القليل النادر، واليسير العابر، أما أن يكون الخطيب بكَّاءً يتكرر ذلك منه في الخطب فأحسب أنه قد وضع نفسه في مكان ليس بمكانه، أو سلك مسلكًا لا يناسبه.
وأما التباكي المصطنع واستعمالُه أداةً للتأثير فذلك مما يعاب به الخطيب، ويُخشى على دينه منه، وأعيذك بالله أخي الخطيب من ذلك.
ويقودنا الكلام عن بكاء الخطيب إلى مسألة المبالغة في التأثر، ومحاولة التأثير، التي تظهر عند بعض الخطباء في صورة من الصياح، والمبالغة في رفع الصوت، وتكرار العبارات، وأنواع من لغة الجسد خارجةٍ عن سمت الخطبة ووقار الخطيب، وكل ذلك مما ينبغي الحذر منه، فإن قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذج الاعتدال في كل شيء، ولم يكن شيء من ذلك من سنته وحاشاه، رزقنا الله اتباع سنته واقتفاء طريقه