هل نعطيه وإن جاء على فرس؟؟
سامي بن محمد العمر
هل نعطيه وإن جاء على فرس؟
يطرق نوافذ السيارات عند الإشارات، ويتعرض لمن يرتاد الأسواق والمحلات، ويقف متحدثاً بعد الصلوات؛ ويغلب على ظنك أنه من أولئك!، فتمتنع عن الانصياع لكلامه، والانقياد لإلحاحه، وترفض ما يقوم به من الخداع، وتستنكر ما يمارسه من الاحتيال..
فيسألك طفلك الصغير، أو يعاتبك رجل كبير؛ لمَ لمْ تعط السائل وقد أغناك الله، ولمَ تبخلُ عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعطوا السائل وإن جاء على فرس)؟!
وهنا لا مناص ولا مفر من التسلح بالحجة والعلم لمواجهة بعض العواطف الجياشة التي تغلب أصحابها أمام كل حالة استعطاف يقوم بها ممثلون متدربون ومتسولون محترفون.
فيقال بدايةً: إن حال هؤلاء السائلين لا يخلو من أمرين:
إما سائل محتاجٌ ومحرومٌ متعفف
وإما متسولٌ ملحاحٌ مستكثر.
وأكبر علامة تميز ما بين الفريقين ما ذكره الله تعالى في قوله {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا"([1]).
فإذا رأيت الملحِفَ الملِحَّ الذي يكرر العرض ويعيد السؤال وغلب على الظن أنه من فريق المتسولين فإننا لا نعطيه شيئاً للأمور التالية:
1- لأن في إعطائه إعانةً له على فعلٍ محرم، فالتسول غير جائز إلا في ثلاثة أحوال قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، الذي رواه قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة فقال ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش» ثم قال - صلى الله عليه وسلم-: «ما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكله صاحبه سحتاً»([2]).
2- أن في إعطاء المتسولين تضييعاً لحق المتعففين من الصدقات والمعونات، فيستمر المحروم في فقره وحاجته ويستكثر المتسول مما حرم الله عليه.
3- أن في ترك إعطاء المتسول رحمةً به وشفقةً عليه من عقوبة الله له في الدنيا والآخرة:
أما في الدنيا: فإنه بتسوله يفتح على نفسه باب الفقر كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يفتح الإنسان على نفسه باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر))([3]).
وأما في الآخرة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم»([4]). وقال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تَكثُّراً؛ فإنما يسأل جمراً؛ فليستقلَّ، أو ليستكثر»([5]).
4- أن في السماح لأحدٍ باتخاذ التسول مهنةً للارتزاق وحرفةً للعيش؛ إضعافاً للمجتمع، وتقليلاً للعمل والإنتاج، وزيادةً في الخمول والبطالة، ومِساساً بالأمن والاستقرار والاقتصاد؛ حيث لا يُدرى ماذا يُفعل بتلك الأموال التي تُجمع ولا كيف تُصرف!
5- أن الحديث المروي بلفظ: (أعطوا السائل وإن جاء على فرسٍ) حديث لا يصح؛ وقد قال الإمام أحمد: لا أصل له([6]).
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإنه مع مقدم شهر رمضان المبارك تزيد الرغبة في الخير وتتطلع النفوس إلى الإحسان، ويكثر في الناس الجود والعطاء، وينشط المتعففون قليلا للسؤال، وهم يرون المتسولين يأخذون من صدقات هم أحوج إليها وأحقُّ بها؛ وهنا يختلط الحابل بالنابل ويشتبه الأمر على المتصدق؛ فوجب على الجميع أن يتحرى ويدقق، ويسأل ويستفسر، ويتلمس أحوال المتعففين، ويسأل عن بيوت المحرومين، ليضع صدقته في محلها وزكاته بيد مستحقها؛ فقد أفسد الكاذب على الصادق، والمتسول على المتعفف.
هذا جواب لتساؤل طفلك الصغير وعتاب الرجل الكبير، وأبواب الخير ما زالت مشرعة، ومنصات الجود والإحسان سهلةٌ ميسرةٌ، و الله تعالى جوادٌ كريمٌ {لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120] فمن أطاعه في أمره وأنفق، أجزل عليه من عطائه وأغدق {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39]
اللهم بلغنا شهر رمضان واكتبنا فيه من العتقاء من النار، وارزقنا برحمتك إدراك ليلة القدر والفوز فيها بعظيم الثواب والأجر ...
([1]) صحيح البخاري برقم (4539) وصحيح مسلم برقم (1039) .
([2]) مسلم (1044).
([3]) مسند الإمام أحمد (9421) وقال محققو المسند: صحيح لغيره.
([4]) البخاري (1474) ، ومسلم (104).
([5]) مسلم (1041).
([6]) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/236) ومقدمة ابن الصلاح (ص 266)
المرفقات
1739507991_هل نعطيه وإن جاء على فرس.docx
1739507991_هل نعطيه وإن جاء على فرس.pdf