هل فكرت بمشروعك للعام الجديد. 1446/1/6هـ

عبد الله بن علي الطريف
1446/01/06 - 2024/07/12 09:18AM

هل فكرت بمشروعك للعام الجديد. 1446/1/6هـ

الحمد لله الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.. أما بعد..

أيها الإخوة: ونحن على أعتابِ عامٍ جديد من أعمارنا التي أدعو الله تعالى أن تكون مديدة بطاعته، سألت نفسي وأسألكم ما خطتنا لعامنا الجديد هل سنكون كما كنا أم نطمح للمزيد من خيري الدنيا والآخرة.؟ لا شك أننا نطمح للمزيد..

ولا يُـجِبـَنَّ أحدُكم بقوله: [مَا بَقِيَ بالعُمْرِ كُثْرَ مَا مَضَى].! فهذا جواب لا يليق بمن يطمحُ للتغيير للأفضل في حياته، ذلك أن التغييرَ إلى الأفضل والتزود من الأعمال الصالحة مطلبٌ شرعي حثنا عليه الشرع الحكيم، قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197] قال الشيخ السعدي: "الزادُ الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، هو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دارِ القرار، وهو الموصل لأكملِ لذة، وأجلِ نعيم دائمًا أبدًا، ومن ترك هذا الزاد، فهو الْمُنْقَطَعُ به الذي هو عُرضَةٌ لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. وقد مدح الله التقوى وأمر بها أولي الألباب" أهـ بتصرف قليل.

واعلموا أن المسلم لو لم يبق له في حياته إلا لحظة لكان جديرًا به أن ينوي التغيير ليكسب أجر النية، وإن عمل فاز بأجر العمل.. واعلموا أن اللحظة قد تغير الحياة من الشقاوة للسعادة.. فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ﷺ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا القاسِم، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ» وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ» رواه البخاري وأحمد.

أيها الإخوة: هكذا فعلت اللحظة في حياة هذا الغلام.! فقد نقلته من دار الشقاء إلى دار النعيم وهكذا الحياة تحتاج منا إلى استثمار للفرص وقرار..

وما دمنا قد قررنا الرغبة بتغيير حياتنا واستدراك ما قد فاتنا، لابد أن نتعرف على الطرق المتاحة للتغيير في حياتنا إلى الأفضل على كل صعيد كان دنيويًا أو أخرويًا.. ففي مجال الأمور الدنيوية سواءٌ منها طرقُ كسبِ الرزق، أو العلاقات الاجتماعية، أو العناية الشخصية بالصحة وغيرها، فحري بنا أن نقف على كل جانب منها: فننظر في حالنا هل كَسْبُنا أحلالٌ هو، وهل يسد حاجتنا.؟ أم نبحث عن سبيل مباح نزيد فيه كسبنا متوكلين على الله تعالى فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ ‌حَقَّ ‌تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. فقد ذكر رسول الله ﷺ أن الطير تعمل السبب وتغدو للبحث، وهكذا نحن يجب علينا أن نتوكل على الله ونسعى لطلب الرزق، ومن أعظم سبلِ البركةِ في الرزقِ تنظيمُ الصرف، والبدءُ بالأهم فالأهم، وجعلُ مبلغًا منه للصدقة؛ فقد جعل الله بذل المال لذوي القربى والمحتاجين من أعمال البر فقال: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إلى أن قال ﴿وَآتَى الْمَالَ ‌عَلَى ‌حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة:177] وجعل إطعام الطعام من صفات المؤمنين فقال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ‌عَلَى ‌حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان:8-9].. وحري بالمسلم أن يهتم بعلاقاته الاجتماعية مع الوالدين والزوجة والأولاد والأقارب ومن له حق عليه.. وأن يعيد النظر بصحة جسده ويحافظ على توصيات الأطباء.. أما أن نقول [أَبَدْ مَهْنا إلا العَافِيةَ] فهذا تفريط ونحن مأمورون بحفظ النفس قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ‌إِلَى ‌التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة:195] 

 أيها الإخوة: أما ما ينبغي أن نخطط له من الأعمال الصالحة: وأولُ ذلك الحرص على أداء الواجبات، وأهمُ واجب أمرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ به مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوْلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ‌شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ" وبهذه الشهادة يتحقق الإخلاص، والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة، ثم العناية بأداء الصلاة المفروضة في وقتها مع الجماعة وكذا بقية أركان الإسلام، ثم العناية بكتاب الله وتحديد حزبٍ للقراءة يوميًا والتفكير بحفظ شيء منه ولو حفظ جزء عم وليكن المشروع الأول لهذا وأنا أجزم كل الجزم متى ما خصص المسلم وقتًا لتلاوة كتاب الله وسماعه سيجد نفسه يزيد؛ لما يجده في ذلك من راحة وانشراحِ صدرٍ وبركةٍ في الوقت.. ولو قارن أحدنا ما يمضيه في وسائل التواصل من ساعات يأتيه تقريرها كل أسبوع، وما يستثمره من وقت في قراءة كتاب الله لهاله ما هو فيه من غفلة وتفريط.. ونحرص كذلك على وردنا اليومي في الصباح والمساء ففيه الحفظ والبركة والخير.. ثم علينا أن نُكثر التنفل من العبادة التي نرى في أنفسنا راحة لها وإقبالًا.. ونقف مع أنفسنا للمحاسبة كل يوم واسبوع وشهر، ونستصحب الصبر فما انقادت الآمال إلا لصابر.. أسأل الله تعالى أن يكون ما قلت وسمعتم حجة لنا لا علينا ويوفقنا لكل عمل صالح يرضيه.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه...

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ونحن بأمن وإيمان سلام، وأشهد ألا إله إلا الله الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. واعلموا أن أبواب الخير كثيرة وقد ذكر رَسُولُ اللهِ ﷺ معظمها لأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بقَولِهِ: "إِنَّ أَبُوَابَ الْخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ [أي تُكتَبُ لَكَ صدقةً.] وَلَهُ بِكُلِّ صَلَاةٍ صَدَقَةٌ، وَصِيَامٍ صَدَقَةٌ، وَحَجٍّ صَدَقَةٌ وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَسَلَامُكَ عَلَى عِبَادِ اللهِ صَدَقَةٌ، وَتَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَلَاةِ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُكَ عَن الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى وَالْحَجَرَ وَالشَّوْكَ وَالْعَظْمَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَالنُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَالشَّرْبَةُ مِنَ الْمَاءِ يَسْقِيهَا صَدَقَةٌ، وَتُسْمِعُ الْأَصَمَّ وَالْأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ صَدَقَةٌ، وفي رواية: وَتَهْدِي الْأَعْمَى وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللهِفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ، فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ.. رواه في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد من عدد من الألفاظ للبخاري في صحيحه والأدب المفرد، ومسلم وأبي داود والترمذي ومسند أحمد وابن حبان. (6/ 287) وفي حديث آخرَ سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَبِيَّ ﷺ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَذَكَر لَهُ جُملَةً مِنْ الأعمالِ ثم قالَ: «تُعِينُ صَانِعًا، أوْ تَصْنَعُ لِأخْرَقَ» قَالَ: ‌فَإِنْ ‌لَمْ ‌أسْتَطِعْ؟ قَالَ: «كُفَّ أذَاكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِكَ»

ومما يشرع في هذا الشهر صيام عاشوراء قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ‌أَحْتَسِبُ ‌عَلَى ‌اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ويسن أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده فأي سبيل من سبل الخير أردت ووفقت إليه أجرت، وليكن لنا من كل عمل نصيب.. جعلنا الله من الموفقين والذاكرين وأعننا على ذكره وشكره وحسن عبادته...

 

المشاهدات 3887 | التعليقات 0