هل الخِلُّ الوَفِيُ من المستحيلات؟

هلال الهاجري
1434/10/29 - 2013/09/05 17:44PM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) .. أما بعد:

كانَ عندَ العربِ في الجاهليةِ مستحيلاتٌ ثلاثٌ .. وكانوا إذا أرادوا أن يبالغوا في استبعادِ وقوعِ شيءٍ من الأشياءِ يقولونَ: هذا من رابعِ المستحيلاتِ .. فما هي تلكَ المستحيلاتُ الثلاثُ وما حقيقتُها؟

أولُ المستحيلاتِ الثلاثِ هو الغُولُ .. وهو حيوانٌ خُرافيٌ أو مخلوقٌ من الجنِ يتشكّلُ بأشكالٍ مختلفةٍ وصوّروه بصورٍ عديدةٍ .. وأوصافٍ عجيبةٍ .. وكانوا يُخوَّفونَ به الأطفالَ .. وذكروا عنه أشياءَ كثيرةً كُلها من نسجِ الخيالِ .. ولقد صدقوا فمثلَ هذا المخلوقِ هو من المستحيلاتِ.

وثاني المستحيلاتِ هو العَنقاءُ .. وهو طائرٌ أُسطوريٌ ضخمٌ .. ويقالُ سُمِّيَتْ به لبياضٍ في عُنقِها كالطَّوقِ .. وأنها تموتُ في كلِ ألفِ عامٍ في نارٍ .. ويخرجُ من رمادِها مخلوقٌ جديدٌ .. وغيرُها من الأساطيرِ التي تُثبتُ أن العنقاءَ مستحيلٌ من المستحيلاتِ.

وأما ثالثُ المستحيلاتِ عندَهم فهو الخِلُّ الوَفِيُ أي الصديقُ الوفيُ .. كما قالَ الشاعرُ:

أَيْقَنْتُ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ ثَلاَثَةٌ *** الْغُولُ وَالْعَنْقَاءُ وَالْخِلُّ الْوَفِيُ
فسبحانَ اللهِ .. لماذا كانَ الخِلُ الوفيُ نادراً بل وأصبحَ في عِدادِ الُمستحيلاتِ أيامَ الجاهليةِ حتى قُرِنَ بالغُولِ والعنقاءِ؟ .. وهل جاءَ الإسلامُ بما يجعلُ ذلك المستحيلَ واقعاً ملموساً؟
أيها الأحبةُ ..

كلُ صداقةٍ وصُحبةٍ في غيرِ اللهِ تعالى فإنها مقطوعةٌ .. ومن الخيرِ ممنوعةٌ .. وحتى لو كانَ في الدنيا ظاهرُها الوفاءَ .. فإنها تنقلبُ يومَ القيامةِ عداوةً وشقاءً .. كما قالَ تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).

أما الإسلامُ فقد جاءَ بالوفاءِ في جميعِ العلاقاتِ والمعاملاتِ .. وخاصةً ما يكونُ بينَ الناسِ من صداقاتٍ .. وحثَّ على المحبةِ في اللهِ تعالى ورتّبَ عليها الأجرَ الكبيرَ .. وأخبرَ اللهُ تعالى أن المحبةَ والأُلفةَ التي تقعُ بينَ الناسِ مِنّةً عظيمةً منه ولا يُمكنُ تحصيلُها ولو أُنفقتْ جميعُ الأموالِ .. (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .. بل وجُعلت من أقوى الروابطِ الإيمانيةِ كما قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).

ولن ترى مهما قرأتَ أوسمعتَ أو رأيتَ محبةً أكبرَ من محبةِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه للنبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ .. ولن ترى في الصداقةِ والوفاءِ مثالاً أعظمَ منه .. ويكفي قولُه تعالى: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِإِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)، فحبُّه للنبيِ عليه الصلاةُ والسلامُ وحزنُه عليه أنساهُ خوفَه على نفسِه، فنزلَ القرآنُ على ما في القلبِ، وعُبَّرَ بالحُزنِ بدلاً من الخوفِ (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) .. فهل بعدَ نسيانِ النفسِ للصديقِ وفاءٌ؟

ما هي ردةُ فعلِك يا عبدَ اللهِ حينَ تعلمُ أن اللهَ تعالى أوجبَ محبتَه للمُتحابينَ فيه؟ .. (قالَ اللهُ تَعَالى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي للْمُتحابّينَ فِيَّ، والمتَجالِسينَ فِيَّ، والمتَزاوِرِينَ فِيَّ) .. وقد حدثَ أمرٌ غريبٌ في قصةٍ واقعيةٍ رواها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ –أي طريقِه- مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ، قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا، قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) .. كيفَ لو قيلتْ تلك البُشارةُ لك؟.

وأما يومُ القيامةِ ففي الوقتِ الذي تدنو فيه الشمسُ من الخلائقِ فيجدونَ من حَرِها مشقةً عظيمةً ..يُظلُّ اللهُ تعالى في ظِلِه المتحابينَ فيه .. قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) .. وجاءَ في السَبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ).

سمعَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضيَ اللهُ عنه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ).. شيءٌ لا يدركُه العقلُ البشريُ .. ذلك النورُ الشفافُ يُصبحُ منابرَ يقفُ عليها البشرُ .. ويتمنى مثلَ مقامِهم الأنبياءُ والشُهداءُ .. فأصبحتْ هذه الوصيةُ واقعاً عملياً في علاقةِ معاذٍ مع أحبابِه .. فأحبَهم في اللهِ تعالى وأحبوه .. صلى عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه يوماً بالناسِ صلاةَ الفجرِ، ثم التفتَ فقالَ: أين معاذٌ؟ .. فقالَ معاذٌ: ها أنذا يا أميرَ المؤمنينَ.. قالَ عمرُ: لقد تذكرتُك البارحةَ فبقيتُ أتقلبُ على فراشي حباً وشوقاً إليك .. فتعانقا وتباكيا .. ومن قبلِه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ يوماً وَقَالَ: (يَامُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَامُعَاذُ: (لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).

وكما جاءَ في حديثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

تلك الأحاديثُ وغيرُها في فضلِ الأخُوةِ والمحبةِ في اللهِ غيّرتْ ذلك المعتقدَ الجاهليَ في استحالةِ الخِلِ الوفيِ .. حتى إن أحدَهم ليُضحيَ بروحِه ويجودَ بنفسِه لإخوانِه .. قَالَ حُذَيْفَةُ الْعَدَوِيُّ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمٍّ لِي، وَمَعِي شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، وَأَنَا أَقُولُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَسْقِيكَ؟، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَقُولُ: آهْ، آهْ، فَأَشَارَ إِلَيَّ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ: آه، آهْ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ .. ولقد صدقَ الشافعيُ رحمَه اللهُ تعالى حينَ قالَ:

سَـلامٌ عَلى الدُّنْيـا إِذَا لَمْ يَكُـنْ بِـهَا *** صَـدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَـا
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه يغفرْ لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ أجمعينَ، نبيُنا محمدٌ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، أما بعد:

يا أهلَ الإيمانِ .. من منكم ذاقَ طعمَ الإيمانِ؟ .. تلك الحلاوةُ التي في الإيمانِ من أسبابِها المحبةُ في اللهِ تعالى .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) هذا في الدنيا.

وأما في الآخرةِ فمَن تُحبُ أن تكونَ معه؟ .. عن أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ .. قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟) .. قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) .. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) .. فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ .. فأحببْ من شئتَ فإنك محشورٌ معه.

ولقد جاءَ الإسلامُ بأكثرَ من ذلك مما حيَّرَ عقولَ الأعداءِ .. حتى أصبحَ أحدُهم يُحبُ شخصاً لم يلتقي به قط .. ويحزنُ لحزنِه .. ويفرحُ لفرحِه .. لا تجمعُهم رابطةٌ إلا رابطةَ الإيمانِ .. فكانوا كالجسدِ الواحدِ كما في حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَر).

فأيُ جسدٍ ذلك الذي ينامُ رأسُه ويدُه تُحرقُ؟ .. وأيُ جسدٍ ذلك الذي يسترخي وبطنُه يُطعنُ؟ .. وأي جسدٍ ذلك الذي يرتاحُ ورجلُه تُقطّعُ؟ .. وإن من أهلِ الإيمانِ من يضعُ رأسَه على الوسادةِ .. فتمرُ عليه تلك المشاهدُ والصورُ المؤلمةُ لأخوانِه المؤمنينَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها .. منهم المقتولُ .. ومنهم المحروقُ .. ومنهم المشنوقُ .. ومنهم المسجونُ .. ومنهم الجائعُ .. ومنهم العاري .. ومنهم المظلومُ .. ومنهم من لا مأوى له ولا وطنٌ .. ثم يرجعُ إلى نفسِه فلا يجدُ في استطاعتِه إلا الاستغفارَ والخضوعَ .. فتبتلُّ وِسَادتُه بالدموعِ .. ويبتهلُ إلى اللهِ بالدعاءِ والخشوعِ.

ربنا إنّ لنا إخواناً قدْ مسّهم الضٌرُ وأنتَ أرحَمُ الراحمِين، اللهم انصرْهُم بنصّرِك وأيدّهُم بتأييدك وأمدّهُم بِجُندٍ منْ جنودِك، واربِط عَلى قُلوبِهم، وثبِت أقدامَهم، ويَسِر أمُورَهُم ووفقْهم واحفْظهم يَا ربَّ العالَميِنَ.

المرفقات

هل الخِلُ الوفيُ من المستحيلات.zip

هل الخِلُ الوفيُ من المستحيلات.zip

المشاهدات 3677 | التعليقات 3

جزاك الله خير


جزاك الله كل خير


ما أكثرهم فعلا أصدقاء السلامة وأصدقاء الرخاء والتي تقتصر صداقتهم على التبسم والمعايش والمزاح والرواح والاجتماعات لكنهم في النائبات قليل وربما افتقدتهم.
لقد وضعت شيخ هلال الضماد على الجراح وياليتنا نقوم بحق الأخوة ونجد الأخ الوفي الذي تجده في النائبات والمدلهمات.