هل أصبح دم المسلم .. لا قيمة له !!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتعال عن الأنداد والأضداد، لا رادّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، وأشهد أن سيدنا وحببنا وعظيمنا محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى, صلى عليه ربُّنا دئمًا أبدًا، أرسله الله بالدعوة الإسلامية، فهدى به البشرية، وزلزل به كيان الصنمية، وأضاء به سبيل الإنسانية، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به القلوب، صلى الله عليه وآله وسلم، ما حاد الليل والنهار، وما هطل المزْن على الأزهار، وما غرد الحمام أوطار.

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون ).

 إخوة الإيمان والعقيدة ... يا مَنْ قال لا إله إلا الله لا تقتل من قال: لا إله إلا الله .. إنها مأساة أن نستقبل من الأخبار المزعجة في قتل مسلم على يد مسلم، ففي الأسبوع الماضي زوجة تقتل زوجها، وقبل ذلك ابن يقتل أمه، وقبل ذلك في رياض الخبراء ابن يقتل أباه، بل ويحرقه حتى يخفي جريمته. وفي هذا الأسبوع أم مطلقة تقتله بنتها ذو خمس سنوات (بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) والمأساة الأكبر أن نصاب بالتبلد والتجلد الحسي تجاه تلك الأحداث.

ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع من خلال هذه الوثيقة التي ودع بها الحياة .. حذَّر الأمة من الانزلاق في بحور الدماء، وقالها صراحة ( يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، ألا لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ).

 نلاحظ في وصيته صلى الله عليه وسلم الخوف على أمته من أنفسهم أشد من خوفه عليهم من أعدائهم، وذلك ما صرح به صلى الله عليه وسلم بقوله ( إذا فُتِحَت عليكم فارسُ والرُّومُ أيُّ قومٍ أنتم ؟ ) قال عبدُالرَّحمنِ بنُ عَوفٍ: نقول كما أمرَنا الله،ُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( أوَ غيرَ ذلك تتنافَسون ثم تتحاسَدون ثم تتدَابرون ثم تتباغَضون، ثم تنطلِقون في مساكينِ المهاجرِينَ فتجعلون بعضَهم على رقابِ بعضٍ ) وفي رواية أخرى يحذر ويقول ( ويحَكمْ، انظُروا، لا ترجِعوا بعدي كُفارًا، يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ ).

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة القتل، وهذا من باب الدلالة على نبوته، بل وبيَّن في أحاديثه أن القتل يكثر ويكثر كلما تقارب الزمان وقل العلماء الربانيون النصحاء، قال صلى الله عليه وسلم ( يتقارَبُ الزَّمانُ وينقُصُ العِلمُ وتظهَرُ الفِتنُ ويُلقى الشُّحُّ ويكثُرُ الهَرْجُ ) قالوا : وما الهَرْجُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال ( القتلُ القتلُ )

 بل سيكثر القتل حتى لا يعرف المقتول لِمَ قُتِل؟ ولا القاتل يعرف لماذا قَتَل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفْسِي بيدِهِ !  لا تذهبُ الدُّنيا حتَّى يأتيَ على الناسِ يومٌ، لا يَدري القاتلُ فِيمَا قَتلَ، ولا المقتولُ فيمَ قُتلَ ) وذلك لأن العقول قد طاشت، وأصبح الناس يعيشون في موجة من عدم العقلانية وبعد الرؤية بل وقسوة القلب، حتى يقتل الرجل أخاه، فيقتل عمه، فيقتل ابن عمه، ويقتل جاره ، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم -:  « إِنَّ بين يَدَيْ السَّاعَةِ الهَرْجَ : القَتْلُ ، ما هو قتلُ الكفارِ ، ولكنْ قتلَ الأمةِ بعضُها بعضًا ، حتى أنَّ الرجلَ يلقاهُ أخوهُ فيقتلُهُ ، ينتزعُ عقولَ أهلِ ذلكَ الزمانِ ويخلفُ لها هَباءٌ مِنَ الناسِ ، يحسبُ أكثرُهُمْ أنَّهُمْ على شيءٍ ولَيْسُوا على شيءٍ )

من أجل ذلك شددت الشريعة الإسلامية على حرمة الدماء وعصمتها، كما صرحت بذلك أدلة الكتاب والسنة المتواترة، قال الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) قال صلى الله عليه وسلم ( أوَّلُ ما يُقضَى فيه بين النَّاسِ يومَ القيامةِ في الدِّماءِ ).

هل أصبحت دماء المسلمين في هذا الزمان رخيصة! بل أصبحت لا قيمة لها، قال صلى الله عليه وسلم لَزَوَالُ الدنيا ؛ أَهْوَنُ على اللهِ من قَتْلِ مُؤْمِنٍ بغيرِ حقٍّ

هل أصبحت دماء المسلمين في هذا الزمان رخيصة! بل أصبحت لا قيمة لها، وهذه اللعنات توالت عليهم في دنياهم، وتنتظرهم في قبورهم ويوم حشرهم، قال صلى الله عليه وسلم ( من أشار إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعَنُه، حتَّى وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه ).

هل أصبحت دماء المسلمين في هذا الزمان رخيصة! بل أصبحت لا قيمة لها، لكنها عند الله عظيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أنَّ أَهلَ السَّماءِ وأَهلَ الأرضِ اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ، لأَكبَّهمُ اللَّهُ في النَّارِ ).

ما أعظمك يا رسول الله! وما أعظم رسالتك! وما أعظم هذه الوثيقة التي وصيت بها وأنت تودع الدنيا!؛ لتحقن الدماء، وتجعل لها حرمة وعصمة أشد من عصمة الأماكن المقدسة في الأزمنة الشريفة، ويا ليت العالم كله يتخذ من وثيقة المدينة ووثيقة الوداع أساسًا لكل الحقوق؛ لأن بهما يتحقق الأمن والأمان للعالم كله.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ....

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... أين تذهب القاتل من عدالة الله في محكمة العدل الكبرى، يوم العرض الأكبر ( أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء ) (يأتي المقتولُ متعلِّقًا رأسُه بإحدَى يدَيْه، متلبِّبًا قاتلَه باليدِ الأخرَى، تشخُبُ أوداجُه دمًا، حتَّى يأتيَ به العرشَ، فيقولُ المقتولُ لربِّ العالمين: هذا قتلني، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ للقاتلِ: تعِستَ، ويُذهبُ به إلى النَّارِ ).

يا قاتل .. أين أنت من قول الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )

يا قاتل .. أين أنت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَن حمل علَينا السِّلاحَ فليسَ منَّا ).

من أفتاك بجواز قتل مسلم !! من رخّص لك في سفك دم مسلم !!

يا قاتل .. إن الدماء التي سفكتها لن تذهب والله. إن الأرواح التي أزهقتها لن تضيع والله. لن ينصرف الناس من موقف الحساب حتى يتم القصاص ويُقتَل القاتل.

فإلى الله المشتكى .. فإن أرخص الدماء اليوم دم المسلم. المسلمون يقتل بعضهم بعضاً.

ماذا أصابنا أمة الإسلام؟ ماذا دهانا؟ ابن يقتل أباه وأمه! أم تقتل بنتها الصغيرة. من هو المنتصر في هذه المعركة الخاسرة؟ إنه الشيطان وحزبه فقط. كيف ينام إنسان وهو يعلم أنه أنهى حياة إنسان آخر بلا حق!! كيف يبقى إنسان على قيد الحياة لحظة وهو يعرف أنه أعدم إنساناً بريئاً!! فكم من بريء قُتِل!! وكم من أبٍ وأمٍّ ذُبِح وذُبِحت!! وكم من طفل لم يكمل زهرة الحياة !!

يا من أطلق الرصاص، والله لتذوقنَّ القَصَاص. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإلى الله المشتكى، وعليه التكلان

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المشاهدات 1703 | التعليقات 0