هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ

د عبدالعزيز التويجري
1442/07/20 - 2021/03/04 18:51PM
الخطبة الأولى / هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ       21/7/1442ه
الحمد لله الكبير المتعال، له الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه  وسلم تسليما مزيدا. أما بعد .
فاتقوا الله ربكم القائل في محكم التنزيل أعوذ بالله من الشيطان بسم الله الرحمن الرحيم [هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى نَارًا حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26).
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فَقَامَ يَسْمَعُ وَيَقُولُ: «نَعَمْ قَدْ جَاءَنِي» .
هل اتاك حديث الغاشية .. الخطاب عام لكل من يسمع هذا القرآن. حديث الغاشية هو حديث هذا القرآن المتكرر.. ينذر ويبشر.. فما هو حديث الغاشية؟  هي وجوه خاشعة ، ذليلة متعبة مرهقة؛ عملت ونصبت فلم تحمد العمل ولم ترض العاقبة، ولم تجد إلا الوبال والخسارة، فزادت إرهاقاً وتعباً، فهي: {عاملة ناصبة}.. عملت لغير الله، ونصبت في غير سبيله. عملت لنفسها ولأولادها ولجاهها. وتعبت لدنياها ولأطماعها. ثم وجدت عاقبة العمل والكد. وجدته في الدنيا شقوة لغير زاد. ووجدته في الآخرة سواداً يؤدي إلى العذاب. ومع هذا الذل والرهق: {تصلى ناراً حامية}{تسقى من عين آنية} حارة بالغة الحرارة.. {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع}.. والضريع  "شجر شائك مسموم، وهو  شر الطعام وأبشعه  ".. وأهلها فيها دركات وأشدهم المنافقون{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ} لأنهم شر أصناف الكفرة لخبثهم وخداعهم .. وأهونهم عَذَابًا رَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ»
وعلى الجانب الآخر: {وجوه يومئذ ناعمة:  يبدو فيها النعيم. ويفيض منها الرضى، وجوه تنعم بما تجد، ( لسعيها راضية}. راضية بما عملت ، حامدت بما وجدت..
{في جنة عالية}.. عالية في ذاتها، رفيعة مجيدة.. عالية الدرجات، عالية المقامات. في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام (فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ»
 {لا تسمع فيها لاغية}.. لاتسمع  قبيح المقال، ولا خصام ولا جدال.. وهذه وحدها نعيم. لا لغو فيها ولا تأثيم ..
{فيها عين جارية}.. جمع إلى الري  جمال الجريان. فيهما عينان تجريان .
{فيها سرر مرفوعة} نظيفة مطهره.. {وأكواب موضوعة}. مهيأة للشراب لا تحتاج إلى طلب ولا إعداد .
{ونمارق مصفوفة}.. وسائد قد صُف بعضها على ببعض للاتكاء في ارتياح.
 {وزرابي مبثوثة}..طنافس، وهي البسط ذات الخمل والهدب الرقيق  مبثوثة للزينة ! قال ابن عباس رضي الله عنه : مافي الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء.
 هي جنة طابت وطاب نعيمها  **    من كل فاكهة بها زوجان
                أنهارها تجري لهم من تحتهم  **    محفوفة بالنخل والرمان  
               غرفاتها من لؤلؤ وزبرجد     **   وقصورها من خالص العقيان
              قصرت بها للمتقين كواعبا   **   يشبهن بالياقوت والمرجان
              طوبى لقوم هن أزواج لهم   **    في دار عدن في محل أمان  
هذا شيء من حديث الغاشية بعذابها ونعيمها ، ببؤسها وفرحها ..
الغاشيةٌ..قارعةٌ لكل من ظلم وبغى ، واعرض واستكبر.. قال عليه الصلاة والسلام "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»
 الغاشيةٌ..طمئنينةٌ وراحة بالٍ لكلٍ ضعيفٍ مخموم القلب..قال عليه الصلاة والسلام" أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ" أخرجهما البخاري.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات ..
 
الخطبة الثانية .. الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خير خلقه اجمعين .. اما بعد.
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟}.. ما ذَكَر النّاسُ مذكوراً خيراً من الإِبِل، إنْ حُمِّلَت أَثقلَت، وإِنْ مَشَت أَبْعَدَتْ، وإِن حُلِبَت أَرْوَت، وإِنْ نُحِرَت أَشْبَعت، أبوالها دواء ، ولبنها سقاء ..
       جُمالِيَّةً غُولَ النَّجَاءِ كأَنَّها    **   بَنِيَّةُ عَقْرٍ أَو قَرِيعُ هجَانِ
 {وإلى السماء كيف رفعت؟} أفلا ينظرون إليها؟ أفلا ينظرون إليها كيف رفعت؟ من ذا رفعها بلا عمد؟ ونثر فيها النجوم بلا عدد؟ {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ،) {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا )
{وإلى الجبال كيف نصبت؟}. في علوها وثباتها
      لهُ الراسياتُ الشمُ تهبطُ خشيةً   **  و تنشقُّ عن ماء يسج ويخضلُ
{وإلى الأرض كيف سطحت؟}.. أفلا ينظرون إليها ويتدبرون خلقها : من سطحها ومهدها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا )
هذه الآلاء تقود للإيمان بالله ، فأي شيء غير هذه الآلاء يقود لوحدانية الله والايمان به ، والعمل ليوم الغاشية (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )
{فذكر إنما أنت مذكر}..فذكرهم يامحمد بالآخرة وما فيها، وذكرهم بالكون وما فيه. إنما أنت مذكر. هذه وظيفتك على وجه التحديد. وهذا دورك في هذه الدعوة {لست عليهم بمسيطر}.. فأنت لا تملك من أمر قلوبهم شيئاً. فالقلوب بين أصابع الرحمن {إلا من تولى وكفر. فيعذبه الله العذاب الأكبر} فهم راجعون إلى الله وحده قطعاً، وهو مجازيهم وحده حتماً {إن إلينا إيابهم. ثم إن علينا حسابهم}..
بهذا يتحدد دور الرسول في هذه الدعوة. ودور كل داعية إليها بعده.. إنما أنت مذكر.. خذ صبر الإبل، وسمو السماء، وثبات الجبال، وذلة الأرض للمؤمنين، ثم بعد ذلك: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}  ليس لليأس مكان عند المؤمن، وليس للقنوط مكان عند المؤمن، إنما أنت مذكر للناس وحسابهم بعد ذلك على الله، ولا مفر من العودة إليه، ولا محيد لأحد عن الحساب والجزء{إن إلينا إيابهم. ثم إن علينا حسابهم}.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
المرفقات

1614883863_هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ.pdf

المشاهدات 1874 | التعليقات 0