هَكَذَا فَلْيَكُنْ شَبَابُنَا 4 صَفَر 1435هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1435/02/01 - 2013/12/04 09:50AM
هَكَذَا فَلْيَكُنْ شَبَابُنَا 4 صَفَر 1435هـ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا ، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا ؛ هَدَانَا لِدِينِهِ ، وَعَلَّمَنَا شَرِيعَتَهُ ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ ؛ فَلَهُ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ؛ مَنْ يَهْدِهِ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ رَبَّى جِيلاً مِنَ الشَّبَابِ فَجَعَلَهُمْ لِرَبِّهِمْ قَانِتِين ، وَبِفَرَائِضِهِ قَائِمِين ، وَلِدِينِهِ دَاعِين ، فصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ هُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ لا كَانَ وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ وهُمُ الصَّفْوةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ التِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)
وَإِنَّ حُبَّهُمْ دَينٌ وإِيمَانٌ وبُغْضُهم كفرٌ ونفاقٌ , قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَه) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
أَيُّهَا النَّاسُ : إِنَّ سِيَرَ شَبَابِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ أَعْجَبِ السِّيَرِ ، وَدِرَاسَةُ أَخْبَارِهِمْ تَنْهَضُ بِالْهِمَمِ ، وَتَشْحَذُ الْعَزَائِمَ، وَتُحْيِيِ فِي شَبَابِ الْأُمَّةِ سُنَنَ الاقْتِفَاءِ وَالتَّأَسِّي بِخِيَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَفَاضِلِهَا , وَنَحْنُ فِي أَمَسِّ الحَاجِةِ لِهذَا في زَمَنٍ صَارَ قُدْوَةُ بَعْضِ شَبَابِنا أُنَاساً لا قِيمَةَ لَهُمْ , أَوْ هُمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ بِالْمَعَاصِي ونَشْرِ الْمُجُونِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : مَعَنَا في هذهِ الخُطْبَةِ , سِيرَةُ أَحَدِ شَبَابِ الْأَنْصَارِ رِضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , شَابٌ : تَرَبَّى بَيْنِ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَلَ مِنْ مَعِينِ الْوَحْيِ، حَتَّى ارْتَوَى عِلْمًا وَفِقْهًا وَحِكْمَةً ، وَكَانَ لَهُ فِي الإِسْلَامِ شَأْنٌ عَظِيمٌ ، وَفِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ بَاعٌ كَبِيرٌ ، ذَلِكُمْ هُوَ : زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ لِزَيْدٍ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَدْ قَرَأَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سُورَةً ! قَالَ زَيْدُ َضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَقَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ !
وَتَوَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ النَّجَابَةَ وَحِدَّةَ الْعَقْلِ، وَقُوَّةَ الذَّاكِرَةِ، وَاتِّسَاعَ الذَّكَاءِ، فَكَلَّفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَعَلَّمَ لُغَةَ الْيَهُودِ، وَقَالَ (يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودٍ ؛ فَإِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُهُمْ عَلَى كِتَابِي) فَشَرَعَ زَيدٌ يَتَعَلَّمُ لُغَةَ الْيَهُودِ، حَتَّى أَتْقَنَهَا؛ تَحَدُّثًا وَقِرَاءَةً وَكِتَابَةً، فِي زَمَنٍ قَصيرٍ ! لَقَدْ حَذَقَهَا فِي سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَقَطْ ! [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ ]
أَيُّها الآباءُ : أَيُّها المُعلمونَ : إِنِّ َفِي شَبَابِ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ مَنْ يَمْتَلِكُونَ ذَكَاءً كَذَكَاءِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، لَكِنَّ عُقُولَهُمْ مَعَطَّلَةٌ قَدْ اشْغَلُوهَا بِمُتَابَعَةِ الْمُبَارَيَاتِ الرِّيَاضِيَةِ , أَوِ الأَلْعَابِ الاكْتُرُونِيَةِ ! فَيَا أَسَفَاهُ عَلَى عُقُولِ شَبَابِنَا , وَيَالَهَفِي عَلَى مُسْتَقْبَلِ أُمَّتِنَا .
أُهْدَرَتْ تِلْكَ العُقُولُ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَمْثَالَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُعَلِّمَهَا وَيُوَجِّهَهَا وِجْهَتَهَا الصَّحِيحَةَ .
وَاسْتُصْغِرَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ ، وَكَانَتْ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الخْنَدَقَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَبِيعًا ! وَكَانَ يَنْقُلُ التٌّرَابَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَرَقَّى زَيْدٌ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَاشْتَهَرَ بِضَبْطِ الْقُرْآنِ مَعَ الْفِقْهِ، حَتَّى كَانَ مِنْ مَشَاهِيرِ قُرَّاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ، وَهُوَ شَابٌّ يَافِعٌ دُونَ الْعِشْرِينَ !
وَلِأَجْلِ ضَبْطِهِ وَكِتَابَتِهِ كَانَ زَيْدٌ مِنْ كُتَّابِ الْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتُهِرَ فِي الْمَدِينَةِ بِكَاتِبِ الْوَحْيِ .
وَأَمَّا فِقْهُهُ : فَقَدْ ضَبَطَ الْفَرَائِضَ وَقِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ ، وَهِيَ مِنْ أَعْسَرُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْرَضُ أُمَّتِي زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
أَيُّها المسلمونَ : وَلَمَا كانَ زيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ أَثْنِى عليهِ عُلماءُ الأُمةِ كَعادتِهم مَعَ أَهْلِ العِلْمِ : فهذا الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يَقولُ فِيهِ : لَوْلاَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الفَرَائِضَ، لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ .
وَفِي ضَبْطِهِ لِلْقُرْآنِ وَالفِقْهِ يَقُولُ عَنْهُ التَّابِعِيُّ الجَلِيلُ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : غَلَبَ زَيْدٌ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ : الفَرَائِضِ ، وَالقُرْآنِ !
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ قَالَ : مَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَدًا فِي الفَرَائِضِ وَالفَتْوَى وَالقِرَاءةِ وَالقَضَاءِ ! كُلُّ هَذَا العِلْمِ وَالفِقْهِ حَازَهُ زَيْدٌ وَعُمْرُهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَتَجَاوَزُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً .
أيها الإخوة : وَمِنْ مَوَاقِفِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْمَشْهُودَةِ : أَنَّ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لما اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بني سَاعِدَةَ لِتَنْصِيبِ خَلِيفَةٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَصَلَ بَعْضُ الخلافِ فِيمَنْ يكونُ الخليفةُ ؟ حَسَمَ زَيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذلك الخِلافَ بينَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , بِكَلامٍ نَفِيسٍ، يَدُلُّ عَلَى رَجَاحَةٍ فِي العقلِ فَهْمٍ وفِقْهٍ فِي الشَّرِيعَةِ !
فَقَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّديقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : جَزَاكُمُ اللهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بُهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَلا زِلْنا أيُّها الإِخْوَةُ مَعَ السيرةِ العَطِرَةِ لهذا الصَّحَابِيِّ الشَابِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
فَفِي خِلاَفَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كُلِّفَ زَيْدٌ بِأَكْبَرِ مُهِمَّةٍ يُكَلَّفُ بِهَا رَجُلٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهِيَ مُهِمَّةُ جَمْعِ القُرْآنِ بَعْدَ أَنِ كَثُرَ القَتْلُ فِي القُرَّاءِ حُفَّاظِ القُرَّآنِ , أَثْنَاءَ حُرُوبِ الرِّدَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِإِسْنَادِ هَذِهِ المُهِمَّةِ الكَبِيرَةِ لِزَيْدٍ بِنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؛ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَذَكَائِهِ ، وَكَانَ زَيْدٌ فِي سِنِّ العِشْرِينَ مِنْ عُمْرِه !
وَكَانَتْ مُهِمَّةً صعبةً وشاقةً , لِعِظَمِ الأَمَانَةِ , وَلِذَا قَالَ زيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَو اللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ .
ثُمَّ َلَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خِلافَتِهِ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ؛ لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ وَالاخْتِلاَفَ فِي القِرَاءَةِ ، كَانَ زَيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عُضْوًا فَاعِلاً فِي تِلْكُمُ النُّخْبَةِ الَّتِي انْتَدَبَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِذَلِكَ ، حَتَّى كَتَبُوا الْمُصْحَفَ العُثْمَانِيَّ الَّذِي تَوَارَثَتْهُ الأُمَّةُ مُنْذُ ذَلِكَ الحِينَ إِلَى الْيَوْمِ، وَيَقْرَأُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ القُرْآنَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا !
وَلَمَّا حَاصَرَ الخَوَارِجُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الدَّارِ , فمَا تَخَلَّتْ عَنْهُ الأَنْصَار فجاءوا يَقْدُمُهُمْ فَقِيهُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هَذِهِ الأَنْصَارُ بِالْبَابِ يَقُولُونَ : إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارًا للهِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ عُثْمَانُ : أَمَّا الْقِتَالُ فَلاَ .
وَمِنْ أَشْهَرِ طُلاَّبِهِ الذينَ أخَذُوا عنهُ العِلْمَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , الَّذِي قَالَ فِيهِ : لَقَدْ عَلِمَ الْمُحَفِّظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : شَهِدْتُ جِنَازَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دُلِّيَ فِي قَبْرِهِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ ذَهَابُ الْعِلْمِ، فَهَكَذَا ذَهَابُ الْعِلْمِ ، وَاللهِ لَقَدْ دُفِنَ الْيَوْمَ عِلْمٌ كَثِيرٌ .
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الْيَوْمَ مَاتَ حَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفًا .
فَرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْ زَيْدٍ وَأَرْضَاهُ ، وَجَعَلَ جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ مَأَوَاهُ ، وَجَمَعَنَا بِهِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَبَنَاتُهُمْ سِيَرَ شَبَابِ الصَّحَابَةِ وَفَتَيَاتِهِمْ ، وَأَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِمْ أَخْبَارُهُمْ ، وَأَنْ يَدْرُسُوا اهْتِمَامَاتِ ، ذَلِكَ الجِيلِ الْمُبَارَكُ مِنَ الشَّبَابِ الَّذِي تَرَبَّى عَلَى عَيْنِ النُّبُوَّةِ ، وَعَاشَ فَتْرَةَ الوَحْيِ، وَحَقَّقَ لِلْإِسْلامِ فِي سَنَوَاتٍ قَلاَئِلَ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالازْدِهَارِ وَفَتْحِ البُلْدَانِ مَا عَجَزَتْ عَنْهُ أَقْوَى الدُّوَلِ وَأَشْهَرُ الفَاتِحِينَ وَالْمُحَارِبِينَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ .
وَنَحْنُ اليَوْمَ فَي أَمَسِّ الْحَاجَةِ لِلْرُّجُوعِ إِلَى مَاضِي أُمَّتِنَا لَنَسْتَسْقِي مِنْهُ القُدُوَاتِ , وَلَا سِيَّمَا مَعَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ الْمُتَسَارِعَةِ , وَالهَجْمَةِ الشَّرِسَةِ الْمُرَتَّبَةِ , مَعَ مَا يَدُورُ فِي الخَفَاءَ مِنَ الْمَكْرِ بَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ الصَّفَوِيِينَ .
فَاللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيراً لَهُمْ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ , وَأَذَلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمَّرَ أَعْدَاءَ الدِّينِ وَأَذَلَّ الْيَهُودَ وَالصَّلِيبِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ وَالْبَاطِنِيِّينَ وَجَمِيعِ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُلْحِدِينَ. وَآمَنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلَحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةِ أُمُورِنَا وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةَ مُهْتَدِين. وَاجْعَلْ وُلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. لَئِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَنَا رَبُّنَا وَيَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين .
المرفقات

هَكَذَا فَلْيَكُنْ شَبَابُنَا 4 صَفَر 1435هـ.doc

هَكَذَا فَلْيَكُنْ شَبَابُنَا 4 صَفَر 1435هـ.doc

المشاهدات 4344 | التعليقات 4

جزاك الله خير

ونفع الله بما كتبت

خطبة موفقة


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


أحسنت جزاك الله خيرا
هي خطبتي بمشيئة الله لهذا الاسبوع


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك