هكذا تكون الأمانة (مختصرة)

د. محمود بن أحمد الدوسري
1445/05/22 - 2023/12/06 09:27AM

هكذا تكون الأمانة

د. محمود بن أحمد الدوسري

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده: من عِظَمِ شأنِ الأمانة؛ أن الله عرَضَها الله تعالى على أعظم مخلوقاته, وحملها الإنسان, فقال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب: 72]. والأمانة ضد الخيانة, وهي تطلق على كل ما عُهِدَ به إلى الإنسان من الواجبات الاجتماعية, والتكاليف الشرعية؛ كالعبادات, والودائع, ومن أعظم الودائع كتم الأسرار.

وجاء الأمر بحفظ الأمانات ورعايتها في قوله تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283]؛ وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا؛ أَتْلَفَهُ اللَّهُ » رواه البخاري. وقال أيضاً: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ, وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» صحيح - رواه أبو داود والترمذي. 

وتضييع الأمانة علامةٌ على ضعف الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ» صحيح - رواه أحمد وابن حبان. بل هو من خصال المنافقين - عياذاً بالله من هذا الخُلُق السيئ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ, وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ, وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» رواه البخاري ومسلم. 

عباد الله .. إن مجالات الأمانة كثيرة ومتنوعة, فمن أهمها التكاليف والحقوق التي أمَرَ الله تعالى برعايتها وصِيانتها, مما هو مُتعلِّق بالدين, أو النفوس, أو العقول, أو الأعراض, أو الأموال.

ومن الأمانات العامة التي يجب تقوى الله فيها: الوظائف بشتى أنواعها والمسؤوليات بِمُختَلف صوَرِها؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي, ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ ضَعِيفٌ, وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ, وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ, إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا, وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» رواه مسلم.

الخطبة الثانية

       الحمد لله ... عباد الله .. من أعظم ما يُؤتمن عليه الإنسان؛ الأموال العامة التي تعود للمسلمين, فقد أوجب الله تعالى حِفظَها كما يحفظ الإنسان مالَه وأشد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ, فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم. وفي الوقت ذاته؛ مدَحَ الأمينَ على أموال المسلمين, بقوله: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ؛ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» رواه البخاري.

وجاء تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من خيانة الولاية العامة بقوله: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ, أَلاَ وَلاَ غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» رواه مسلم. فصاحب الولاية العامة - من حاكمٍ عام, أو وزير, ونحوه - يتعدَّى ضرره إلى خَلْق كثير.

ومن علامات سوء الزمان وفساد المجتمع؛ ضياع الأمانة, والتهاون في المسؤولية, وتقديم المصالح الذاتية على المصالح العامة, ففي مقام الذم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالَتَّفَحُّشَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الأَمِينُ، وُيؤْتَمَنَ الْخَائِنُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَقَطِيعَةُ الأَرْحَامِ» صحيح - رواه أحمد والبزار.

       ففي آخر الزمان يكون الأمينُ معدوماً أو شِبْهَ معدومٍ بين الناس؛ لذا عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علامةً على اقتراب الساعة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا, يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري. 

 

المرفقات

1701844020_هكذا تكون الأمانة.docx

المشاهدات 1129 | التعليقات 0