هروب الفتيات الأسباب والعلاج

أبو المقداد الأثري
1440/05/12 - 2019/01/18 11:02AM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا إلى أهاليكم بحسن مخالقتهم، وجميل معاشرتهم، وأداء الحقوق الشرعية التي لهم، والإنفاق عليهم، والعدل بين أولادكم ذكوراً وإناثاً، ومنحهم المودة والمحبة، والرحمة والرأفة، والعطف واللطف، حتى يكون البيت جَنّة طيبة يجد كل فرد من أفرادها التقدير والاحترام، والاهتمام والرعاية، والحَدَب والعناية.

فإن الظلم والعنف، والجفاء والجفاف، والإهمال والإعراض، وتضييع حقوق الأبناء والبنات، هو من أسباب التفكك الأسري وهو مَدعاةٌ إلى بحثِ بعض أبنائها أو بناتها عن بيئة أخرى يجدون فيها ما فقدوه في بيوتهم.

وحسن معاشرة الأهل والأولاد مسألة كبيرة مهمة فصلاح الأسرة وترابطها وقوة علاقتها يورث صلاح المجتمع وترابطه وقوته. كما أن تفككها وضعفها وفساد أحوالها يلقي بظلاله القاتمة على المجتمع، وما المجتمع إلا مجموعة الأسر التي يتركب منها بناؤه ولبناته، فإذا تفكك المجتمع تسلط عليه أعداؤه واستباحوا حرمته.

عباد الله:

إن من المشكلات الاجتماعية الموجودة في مجتمعنا كغيره من المجتمعات هروب بعض الفتيات من منازلهن وأسرهن، وهذه المشكلة لها أسباب كثيرة منها على سبيل المثال:

أولاً: العنف المفرط الذي يتعامل به بعض الآباء أو الأمهات مع بناتهم بالضرب والتنكيل والحرمان من الاحتياجات المشروعة لهن. وقد يكون هذا العنف ناشئاً عن تعاطي الأب أو الأم للمخدرات والمسكرات وقد يكون بسبب الجهل والحمق وسرعة الغضب وعدم تقدير عواقب هذه التصرفات.

ثانياً: الإذلال والإهانة التي تتعرض لها الفتاة من إخوتها عند موت الأب أو من زوجة الأب فترى نفسها في بيت لا يعاملها إلا معاملة الخادم والجارية المملوكة بتكليفها بالخدمة المستمرة الدائمة.

ثالثاً: إظهار الآباء أو الأمهات تفضيل الأبناء على البنات وتسليطهم الإخوة على أخواتهم ضرباً وتعدياً مما يولد الحقد والغيظ والشعور بالقهر في قلوبهن على أسرتهن.

رابعاً: حرمان البنات والأخوات من حقوقهن في الميراث، والاستيلاء على راتب البنت أو الأخت، وعضل الفتاة من النكاح مطلقاً، أو منعها من الزواج إلا من رجل معين وهي لا رغبة لها فيه.

خامساً: المبالغة في التدليل وإهمال التربية القويمة مما يجعل الفتاة لا تحتمل المؤاخذة والتأنيب حين تقع في الخطأ أو حين يرفض لها طلب فتفر خارج منزلها.

سادساً: الاغترار برفيقات السوء ممن يزينّ للفتاة التي تعاني بعض المشكلات مع عائلتها الهروب خارج المنزل إما بقصد البعد عن الجوّ العائلي المضطرب فقط، وإما بقصد إقامة العلاقات المحرمة وتعاطي الممنوعات من الخمور والمخدرات نسأل الله لنا ولكم العافية.

إخوة الإيمان:

هذه جملة من الأسباب التي تهرب لأجلها بعض الفتيات من بيوتهن إلى بيوت بعض الأقارب أو تلجأ بسببها إلى دور الرعاية والحماية أو تهرب للسكن بمفردها أو مع صديقة لها، أو مع أجنبي عنها.

ومن خلال ذلك ندرك أنه ليست كل هاربة من بيت أبويها مجرمة جانية بل قد تكون في كثير من الحالات ضحية إجرام لا خلاص لها منه إلا بفرارها.

فعلى أولياء الأمور من آباء وأمهات وإخوة وغيرهم ممن ولاهم الله شيئاً من أمر البنات أن يتقوا الله فيهن وأن يحسنوا إليهن وأن يحتسبوا الأجر في إكرامهن واحتوائهن وأن يقوموا خير قيام في تعليمهن وتربيتهن وإصلاح أخلاقهن والإنفاق عليهن وتزويجهن ففي ذلك من خير الدنيا والآخرة ما لا يمكن حصره ولا عده. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم : «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترا من النار» متفق عليه.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العداوة اليوم والحرب لبلادنا على أشدها لأن المملكة العربية السعودية في هذا العصر هي كبرى الدول الإسلامية والعربية سياسة واقتصاداً، ومكانة ومقاماً مع وفقها الله إليه من العناية بالتوحيد والسنة ومناصرة قضايا المسلمين في كل مكان.

ومن الحروب التي تستهدف مجتمعنا استهدافُنا في أبنائنا وبناتنا بقصد تجنيدهم ضد وطنهم وضد قيادتهم، ليكونوا ورقة ضغط لتحقيق بعض المكاسب ونيل بعض المطالب.

ومما سلكوه مؤخراً التزيينُ لبعض الفتيات بالهروب واللجوء إلى دول كافرة واستدراجُهن لذلك وتهيئةُ السبل لهن حتى يتم تهريبُهن ومنحُهن اللجوء. مستغلين فيهنّ حداثة السن، والجهل والطيش مغررين لهن بالوعود الزائفة والأحلام الكاذبة بأنهن سيجدن العدل والكرامة والحرية.

عباد الله:

إن هذا التطور الخطير يوجب على الأسرة والمدرسة والإعلام أن تقوم جميعاً بدورها في كشف هذه الحروب الخفية ووسائلها والأهداف من ورائها، وعواقبها القريبة والبعيدة حتى لا يغتر بها أحد من أبنائنا أو بناتنا.

وأن يقوموا بتوعيتهم بالطريقة السليمة التي يستخدمون بها وسائل التواصل الاجتماعي لأن تسلميهم هذه الأجهزة دون توعية وتنبيه، ودون تعليم وتوجيه، قد يجعل منها خطراً يهدد دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم وسلوكهم.

كما علينا أن ندرك أن المرأة بحمد الله تعيش في هذه البلاد في خير بيئة تصون كرامتها وحريتها وتحفظ لها مقاماها ومقدارها، على مقتضى الشرع ولله الحمد، ووجود بعض التصرفات الفردية السيئة لا يقدح في هذا الواقع الجميل الذي تعيشه المرأة في مملكتنا _أعزها الله_ حتى صارت محط آمالِ أعداد كبيرة من المسلمات المؤمنات يتمنين العيش فيها والتنعم بما تحظى به المرأة فيها.

والدولة أيدها الله لا تألو جهداً في إحقاق العدل ورفع الظلم وتوفير سبل الحماية والرعاية لكل من يحتاجها من ذكر أو أنثى. ولا يضرها ولن تضرها _إن شاء الله_ الحملات المغرضة من الجمعيات والمنظمات ومن بعض العاقين والعاقات من أبناء الوطن وبناته وما ينشرونه من الأكاذيب والافتراءات عن حال المرأة في السعودية فالأنظمة المرعية والواقع المشاهد خير ما يُرد به على كل كذب وافتراء.

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يحفظ علينا أبناءنا وبناتنا ونساءنا وأعراضنا وأن يكفينا شر كل ذي شر إنه سميع مجيب الدعاء.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]

موقع د. علي بن يحيى الحدادي

المشاهدات 847 | التعليقات 0