هذه العشر الأواخر عشر الجد.

عبد الله بن علي الطريف
1438/09/20 - 2017/06/15 15:12PM
هذه العشر الأواخر عشر الجد.21/9/1438هـ
الحمد لله المنعمِ علينا بمواسمِ الخيرات، والمتفضلِ علينا بعظيمِ الهبات، نحمدُه تعالى ونشكره، ونتوبُ إليه ونستغفرُه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]
أيها الأحبة: هكذا الدنيا، وهكذا الأيام تتقضَّى وتذهب، وكأنها لم تمر، هاهي ليالي العشر الأواخر من شهرِ الخيرِ قد حلت بنا البارحة، وهي أفضل ليالي العام، فهنيئًا لمن أدركها، ويا سعد من وُفِّق فيها لإدراك ليلة القدر وقيامها..
أيها الإخوة: هدي رسولنا خير الهدي، وحرى بنا أن نتحرى هديه لنقتفي أثره.. وخير من يصف لنا حاله في العشر أهلُ بيتِهِ تَقُوْلُ أمُنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ»، وقالت: كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم.
وعَنْ عَلِىٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». رواه الترمذي وصححه الألباني ورواه أحمد.
قال في تحفة الأحوذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ" لَمْ يَكُنْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه".
فيعلم من هذا أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخص العشر الأواخر من رمضان بعملٍ لا يَعْمَلُهُ في أول الشهر ولا في وسطه ومنها:
إحياء الليل: والمقصود بإحياء الليل أي: يحيي ليلَهُ كلَّه أي لا ينام وكان يحييها -عليه الصلاة والسلام- بعبادات متنوعة مثل الفطور بعد غروب الشمس، والعَشَاءَ وصلاة المغرب والعشاء، وما يتبعهما من رواتب، ومكث بالمسجد أو اعتكاف لمن يستطيعه وأكل السحور، وقراءة كتاب الهن وذكر وصدقة وتفريج كربة وإصلاح بين الناس وزيارة مريض وقريب وتودد للوالدين وغيرها من الأعمال الصالحة.
وليس معنى إحياء ليالي العشر استغراق الليلِ في الصلاة والتهجد، بدليل أن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- زَوْجَ النَبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كَانَتْ تَأْتِيه وكَانَ مُعْتَكِفًا، فَتَزُورُهُ لَيْلًا وَتُحَدِّثُهُ، ثُمَّ تَنْقَلِبَ، فَيَقُومُ مَعَها ليَقْلِبَها". رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وكل ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام في تلك الليالي من أعمال فإنها قربة إلى الله -عز وجل-.. ولم يكن يمضي الليل كله بالصلاة كما يظن بعض الناس؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ» رواه مسلم.
و قَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْها: «لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ». رواه النسائي وغيره وصححه الألباني
إذًا السنة إحياء ليالي العشر بالطاعة والقرب المتنوعة القولية والعملية ومن أهمها القيام مع الإمام حتى ينصرف في قيام أول الليل وآخره، وعدم التفريط ولو بلحظة فقد صح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند أصحاب السنن وغيرهم: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ»، وصح قوله: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه.
أيها الأحبة ومنها: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها من الليالي، وفي حديث أبي ذر -رَضِيَ اللهُ عَنْه- أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة، وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر، فعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» رواه الترمذي، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وصححه الألباني وأخرجه الطبراني كذلك، وزاد: وكُلُ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ يُطِيْقُ الصَلَاةَ.
قال سفيان الثوري: "أحبُّ إليَّ إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجَّدَ بالليلِ ويجتهد فيه ويُنْهِضَ أهلَه وولدَه إلى الصلاةِ إن أطاقوا ذلك"..
وقد صح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غير رمضان والعشر أنه كان يَطْرُقُ فاطمة وعلياً -رَضِيَ اللهُ عَنْهما- ليلاً فيقول لهما: «ألا تقومان فتصليان»، وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.
وورد الترغيبُ في إيقاظ أحد الزوجين صاحِبَه للصلاة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «رحِمَ اللهُ رجلا قامَ من الليلِ فصلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِن أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الماءَ، رَحِمَ اللهُ امرأة قَامَتْ من الليل فصلتْ وأَيقظتْ زوجَها، فإِنْ أَبَى نضحتْ في وجهه الماءَ». رواه أبو داود والنسائي وقال الألباني حسن صحيح.
وفي الموطأ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ. يَقُولُ لَهُمُ: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ": (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا..) الآية [طه:132] صححه الألباني.
وكانت امرأة حبيب الفارسي تقول له بالليل: قد ذهب الليلُ وبين أيدينا طريقٌ بعيدٌ وزادنا قليلٌ، وقوافلُ الصالحين قد سارت قُدْامَنَا ونحن قد بقينا:
يا نائماً باللَّيل كم ترقُدُ *** قُمْ يا حبيبي قد دَنَا الموعدُ
وخُذْ من اللَّيلِ وأوقـــــــــــــــاتِـهِ *** وِرْداً إذا ما هــــــــــــــــــجَعَ الرُّقَّـدُ
مَنْ نـام حتَّى ينقضِي ليلُه *** لم يبلغِ المنزِلَ أو يَجهَدُ
قُلْ لذَوي الألبابِ أهلِ التقى *** قَنْطَرَةُ العَرْضِ لكُم مَوعِدُ
ويتأكد هذا الحث والترغيب والمتابعة والإيقاظ في رمضان والعشر خصوصاً الأوتار منها..
أحبتي: وفي هذا الزمان صار السهر في رمضان سلوك اجتماعي عام؛ وهذا يسهل علينا حث الأهل على استثمار ليالي العشر فالكل مستيقظ، ولن نجد عناء في إيقاظهم.. لكن علينا بذل الجهد في إقناعهم وترغيبهم في استثمار الليالي الفاضلة، والدعاء والثناء لمن بذل منهم جهداً في طاعة أو توجه إليها.. واللهَ ألله في بذل الوسع في ذلك بلطف وحب، وأن نكون قدوة حسنة لهم من خلال إظهار الاهتمام في هذه الليالي والحرص على الوقت فيها.. وشغله في الطاعات المتنوعة.. وتأجيل كثير من الأعمال غير المهمة لما بعدها.. اللهم بلغنا ليلة القدر وأعظم لنا الأجر.. بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد ببرهانه صلى الله عليه وعلى آله ,اصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد
أيها المتسابقون إلى الفردوس الأعلى: نحن الآن قرب خط النهاية... فشدوا المآزر شدوها.. واستثمروا الثواني قبل الدقائق ففي الثانية تسبيحة وتحميدة، وقراءة كلمة من كتاب الله..
نعم: لا بد من التأكيد على الأسرة باستثمار هذه الأوقات، والاتفاق على الابتعاد عن كل الملهيات، وتصفية الجو للعبادة والدعاء وعموم الطاعات، ومراجعة النيات لتحويل المباحات إلى طاعات.. ألله ألله بذلك..
أيها الأحبة: ليلة القدر خير من ألف شهر ليلة القدر ومبتدؤها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر.. والعبادة فيها خير من العبادة في أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة.. وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
الله أكبر ما أثمن ثوانيها.. وأنفس الأنفاس فيها.! إنها ليلة لا كاليالي في خيرها وفضلها وبركتها.. ورسولنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"..
لنحافظ على صلاة التراويح بكل عزيمة ونشاط واغتباط.. وكذلك صلاة القيام.. ولا نضيع منها تكبيرة..
ونحذر من منقصات هذا الفضل فلا ننصرف ونترك بعض التراويح وهي قصيرة، ولا نتباطأ بالقيام وتنتصفت الركعة ونحن لم نكبر...
جميل أحبتي أن نعيد النظر في هذا الواقع ونبدل حالنا للأفضل لا للأقل.. لعلنا نفوز بإدراك ليلة القدر ونحوز ما أعده الله لمدركها من الأجر.. أسأل الله للجميع القبول والأجر وإدراك ليلة القدر.. وصلوا سلموا على نبيكم...

المشاهدات 838 | التعليقات 0