هذا عيدنا ( مشكلة ) عيد الفطر 1443 ه
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
الخطبة الأولى لعيد الفطر المبارك 1443 هـ (الاثنين)
يكبرُ (7) ثم يقولُ : اللهُ أَكْبَرُ مَا أَشْرَقَتْ وُجُوهُ الصَّائمِينَ بِشْراً فِي هَذَا اليَوْمِ المَشْهُودِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَيقَنَ المُخْلِصُونَ بِالثَّوَابِ المَوْعُودِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا اسْـتَبْـشَرَ الصَّائِمُونَ بِعَظِيمِ الأَجْورِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا استَقْبَلُوا هَذَا اليَوْمَ بِالفَرَحِ وَالسُّرُورِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَصَافَتِ القُلُوبُ فِي هَذَا اليَوْمِ المَجِيدِ ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَنَفَّسَ الصُّبْحُ بِهَذَا اليَوْمِ السَّعِيد .
اللهُ أَكبَرُ مِلءَ السَّمعِ رَدَّدَهَا في مَسمَعِ البِيدِ ذَاكَ الذَّرُّ وَالحَجَرُ
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحلَى النِّدَاءَ بها كَأَنَّهُ الرِّيُّ في الأَروَاحِ يَنتَشِرُ
الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، خَتَمَ لَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ بِهَذَا العِيدِ السَّعِيدِ، وَأَجْزَلَ لَنَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالعَطَاءِ وَهُوَ الكَرِيْمُ المَجِيدُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ذي العطاءِ والمنِّ والجودِ ، جَعَلَ عِيدَ الفِطْرِ فَرْحَةً لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، وَسُرُورًا يَنْشُرُهُ فِي قُلُوبِ الصَّائِمِيْنَ المُخْلِصِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، نَشَرَ الهُدَى وَالنُّورَ، وَسَنَّ العِيدَ لإِشَاعَةِ البَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى صَحْبِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَمَنْ سَارَ علَى نَهْجِهِمْ وَاهتَدَى بِهَدْيِهِمْ إِلى يَومِ الدِّيْنِ. أمَّا بَعْدُ؛ فَيَا عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللـهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتَرادَفُ عَلَيْكُمْ وَتَتَوالَى، واعرفوا نعمتَه عليكم بهذا العيدِ السعيد، فلَقَدْ بَزَغَ فَجْرُ هَذَا اليَوْمِ السعيدِ لِيَرْسُمَ عَلَى مُحَيَّاكُمُ البَهْجَةَ وَالسُّرُورَ، وَيَنْشُرَ عَلَيْكُمْ نَسَمَاتِ الفَرَحِ وَالحُبُورِ، وَيُبَشِّرَكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللـهُ لَكُمْ مِنْ عَظِيمِ الأُجُورِ، فهَذَا يَوْمُ الْأُعْطِيَاتِ ، وَمَوْسِمُ الْمَكْرُمَاتِ؛ يومٌ توج اللهُ به شهرَ الصيامِ وافتتح به أشهرَ الحجِّ إلى بيته الحرام، إنه يومُ الجوائز ، فعن ابنِ عباسٍ t يرفَعُهُ قالَ: {إِذَا كَانَتْ غَدَاةُ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّـهُ الْمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ، فَيَهْبِطُونَ الْأَرْضَ، فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعَ مَنْ خَلَقَ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبِّكُمْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُولُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ " قَالَ: " فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: عِبَادِي، سَلُونِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ انصرفوا مغفورا لكم " رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه وغيرهما .
هَلَّ الِهلَالُ فَحَيُّوا طَالِعَ العِيدِ *** حَيُّوا البَشِيرَ بِتَحْقِيقِ المَوَاعِيدِ
للـهِ فِي الخَلْقِ آَيَاتٌ وَأَعْجَبُهَا *** تَجْدِيدُ رَوْعَتِهَا فِي كُلِّ تَجْدِيدِ
فَمُبَارَكٌ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ ، وَهَنِيئًا لَكُمُ التَّمَامُ ، وَلَكُمْ مِنَّا التَّهْنِئَةُ وَالتَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ وتقبّلَ اللـهُ منّا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ .
أيها المؤمنون: لَقَدْ بَعَثَ اللَّـهُ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ يَدْعُونَ الخَلْقَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّـهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاجْتِنَابِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ فَدِينُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَاحِدٌ كُلُّهُمْ دَعَوُا الْـخَلْقَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَنَهَوْهُمْ عَنِ الشِّرْكِ ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللـهُ بِهِ، مَنْ مَاتَ عَلَيْهِ لَا يَغْفِرُ اللـهُ لَهُ (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فَاللَّـهَ اللـهَ -عِبَادَ اللهِ- بِالاِهْتِمَامِ بِالتَّوْحِيدِ وَتَعَلُّمِهِ وَمُوَالَاةِ أَهْلِهِ وَجُنْدِهِ جَعَلَنَا اللـهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ.
وقرينُ التوحيد ( لا إله إلا الله) أن تشهدَ أن محمداً رسولُ الله صلوات الله وسلامه عليه فحققوها بطاعتِه فيما أَمر واجتنابِ ما نهى عنه وزجر وتصديقُه فيما أخبر وألا يعبد اللـهَ إلا بما شرع مع محبتِه وتوقيره، والزموا ما جاء به r ، فإنّه لا طريقَ للجنة إلاّ من طريقته، ولا فلاحَ في الدنيا والآخرة إلاّ باتبِاعه وطاعتِه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
معاشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فَمَنِ اتَّقَى اللـهَ عَزَّ وجَلَّ وَفَّقَهُ اللهُ لِلْقَولِ السَّدِيدِ، ولِكُلِّ عَمَلِ صَالِحٍ رَشِيدٍ، وغَفَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ، وأَنَارَ لَهُ دُروبَهُ، وخَفَّفَ عَنْهُ هُمُومَهُ، وفَرَّجَ عَنْهُ كُروبَهُ ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا)
عباد الله: إن الصلاةَ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقينِ، هي ناصيةُ القرباتِ، وغُرَّةُ الطاعاتِ وخيرُ الأعمالِ، فرأسُ الأمرِ الإسلامِ، وعمودُه الصلاةُ، فأَدُّوا فَرْضَكُمْ ، وَأَجِيبُوا دَاعِيَ رَبِّكُمْ ، وَلَا تَنْشَغِلُوا عَنْ صَلَاتِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ، وَلَا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ وَسَائِلِ تَوَاصُلِكُمْ (فويلٌ للمصلينَ الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؛
صوموا شهرَكم ومن أفطرَ منه وجبَ عليه أن يقضي عدّةَ ما أفطر من أيام أُخَر (ومن صامَ رمضانَ وأتبعه ستاً من شوال فكأنَّما صام الدَّهرَ كلَّه)، أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ ، ولا تتهاونوا في أداء فريضةِ الله في الحج وأنتم عليه قادرون (ولِلّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) .
لَا تَغْفُلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّـهِ ، تَعَاهَدُوا كِتَابَهُ وَاعْرِضُوا عَلَيْهِ قُلُوبَكُمْ وَجَوَارِحَكُمْ ؛ فَهُوَ شرعُ اللَّـهِ فِيكُمْ ، وَهُوَ بَرْنَامَجُ حَيَاتِكُمْ ، وَفِيهِ مُرَادُ رَبِّكُمْ ، وَمَكْمَنُ سَعَادَتِكُمْ وَطَرِيقُكُمْ إِلَى جَنَّةِ رَبِّكُمْ ، وَاحْذَرُوا هَجْرَهُ وَتَعَدِّيَ حُدُودِهِ ؛ فَيُقِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْكُمْ حُجَّتَهُ وَعِنْدَهَا تُحْرَمُوا شَفَاعَتَهُ ( إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقومُ) . عباد الله: قِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، وكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ e: (أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيْمَانًا؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) فكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْ قَوْلِ الزُّورِ وَالْفُحْشِ ، وَفُرُوجَكُمْ عَنِ الْـحَرَامِ ، وَأَسْمَاعَكُمْ عَنِ الْغِنَاءِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، وَأَعْيُنَكُمْ عَمَّا يُغْضِبُ الرَّحْمَنَ (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) ، اجتنبوا الظلمَ فإنه ظلماتٌ يومَ القيامةِ ،وإياكم وحقوق العباد (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْـجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ»، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّـهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ...) م .
بَرُّوا آبَاءَكُمْ وَارْعَوْا حُقُوقَهُمْ؛ فَعُقُوقُهُمْ وَأْدٌ لِلْمَعْرُوفِ، وَنُكْرَانٌ لِلْجَمِيلِ، وَأَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ ؛ فَهُمْ أَمَانَةُ اللَّـهِ فِي أَعْنَاقِكُمْ ، أَحِيطُوهُمْ بِالنُّصْحِ وَالتَّوْجِيهِ وَاحْفَظُوهُمْ مِنْ مَوَاطِنِ الرَّدَى وَمَهَاوِي الشَّرِّ وَالتِّيهِ، صُونُوا أَعْرَاضَكُمْ ، وَأَحْسِنُوا عِشْرَةَ زَوْجَاتِكُمْ ، وَقُومُوا عَلَيْهِنَّ خَيْرَ قِيَامٍ ؛ نُصْحًا وَتَوْجِيهًا .
صِلُوا أَرَحَامَكُمْ ؛ فَالْقَطِيعَةُ غَضَبٌ وَلَعْنَةٌ وَمَحْقُ بَرَكَةٍ ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ صَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّـهِ، قَالَ: (صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ، فَإِنَّهَا هِيَ الْـحَالِقَةُ) مالك وغيره . أَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ ؛ فَفِي أَذَاهُمْ إِثْمٌ وَشَنَاعَةٌ، وَعَلَيْكُمْ بِصِدْقِ الْـحَدِيثِ وَاخْتِيَارِ الْجَلِيسِ الصالحِ، وَاحْفَظُوا الْأَمَانَةَ فَفِي تَضْيِيعِهَا نَقْصُ كَرَامَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَى خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، وَالْبَسُوا مِنْ غَيْرِ مَخِيلَةٍ ، وَاقْصُدُوا الرِّزْقَ الْـحَلَالَ، واحذروا الربا ، وَلَا تَتَخَوَّضُوا فِي مَالِ اللَّـهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ طُرُقِ جَمْعِهِ مَسْئُولُونَ ، وَعَنْ مَجَالَاتِ صَرْفِهِ مُحَاسَبُونَ .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
مَعْاشَرَ الشَّبَابِ : تَجَمَّـلُوا بِالأَخْلاقِ، وَتَزَيَّنُوا بِالحِلْمِ وَالعِلْمِ، وَتَفَاضَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَاستَمْسِكُوا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ يُؤْتِكُمُ اللهُ تَعَالَى أُجُورَكُمْ، وَيُوصِلْكُمْ إِلَى مُبْـتَغَاكُمْ، وَيُحَقِّقْ أَهْدَافَكُمْ وَمَقَاصِدَكُمْ ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ: إِنَّ التَّارِيخَ يُؤَكِّدُ أَنَّ صَلاَحَ المُجْـتَمَعَاتِ هُوَ فِي تمسكها بدينِها ثم بوَحْدَةِ كَلِمَتِهَا، وَاجتِمَاعِ أَمْرِهَا، وَالتِئَامِ شَمْـلِهَا (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) إِنَّ وَحْدَةَ الكَلِمَةِ لَها أَثَرُهَا المُبَارَكُ في حفظِ واستقرارِ ونَمَاءِ البِلاَدِ ، فأَطِيعُوا رَبَّكُمْ ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّكُمْ ، وَاسْمَعُوا لِوُلَاةِ أَمْرِكُمْ في غير معصيةِ ، وَحَافِظُوا عَلَى أَمْنِكُمْ واعلموا أن نِعْمَةَ الأَمْنِ في الأوطَانِ، مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ على الإنسَانِ، وَهِيَ أَسَاسُ الرُّقِيِّ والاطْمِئنَانِ ، فاحْرُسُوا أَرْضَكُمْ وَوَحْدَتَكُمْ ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ، واعلموا أنَّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الشريعة وركنٌ مشيدٌ من أركانها المنيعة ( كنتم خيرَ أمةٍ تأمرون بالمعروفِ وتنهون عن المنكر ) ألا فاتقوا الله عباد الله وَافْعَلُوا الْـخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . اللهم تقبل ......
الخطبة الثانية
يكبر سبعا ( 7) الحَمْدُ للهِ ذِي المَنَّ وَالإِكْرَامِ، أَكْرَمَنَا بِشُهُودِ شَهْرِ الصِّيَامِ، وَشَرَعَ لَنَا عِيدَ الفِطْرِ بَعْدَ التَّمَامِ، فَلَهُ الحَمْدُ عَلَى جَمِيلِ إِحْسَانِهِ وَعَظِيمِ امتِنَانِهِ، وَنَشْهَدُ أن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ العِيدَ جَائِزَةً لِلعَابِدِينَ، وَفَرْحَةً لِلصَّائِمِينَ، وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ e، دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مُتَآلِفِينَ، وَلِنَعْمَاءِ رَبِّهِمْ شَاكِرِينَ، e وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد: فيا عِبَادَ اللهِ: تَعتَرِضُ الإِنْسَانَ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ، وَمَخَاطِرُ جَمَّةٌ، فِي دِينِهِ وَحَيَاتِهِ، وَفِي أَفْكَارِهِ وَأَخْلاقِهِ، وَفِي مَوَاقِفِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ عَرَفَ المَخْرَجَ مِنْهَا فَالتَزَمَهُ قال صلى الله عليه وسلم (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ) ألا فَالزَمُوا هَدْيَ القُرآنِ، وَاثبُـتُوا فِي المَوَاطِنِ، وَاستَعِينُوا بِاللهِ فِي أُمُورِكُمْ .
عباد الله: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ نَبِيُّنَا e الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللـهِ e الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الـْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئاً عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللـهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطُبُ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الـْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» قَالَ: «فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ».م .
ومَنْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا ، وَصَلَّتْ فَرْضَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، دَخَلَتِ الْـجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شَاءَتْ "؛ فَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟! وَأَيُّ غَايَةٍ مَقْصُودَةٍ أَشْرَفُ مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ، وَرُؤْيَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؟!
ألا فالتزمنَ بشرعِ الله وحافظنَ على الحجابِ ، فَالْحِجَابُ تَوْجِيهُ رَبِّ الْأَرْبَابِ ، وَتَوْصِيَةُ سَيِّدِ الْأَحْبَابِ ، وَهُوَ سَتْرٌ وَصَوْنٌ ، وَالْقَرَارُ فِي الْبُيُوتِ كَرَامَةٌ وَعَوْنٌ ، ثُمَّ إِنَّ بَنَاتِكُنَّ عِنْدَكُنَّ أَمَانَةٌ ، فَكُنَّ لَـهُنَّ قُدْوَةً وَحَصَانَةً ، عَوِّدْنَهُنَّ الصَّلَاةَ وَالْـحَيَاءَ وَالْحِشْمَةَ وَالسَّتْرَ -ويا معشر الرجالِ- احْمُوا جِدَارَ الْعَفَافِ قَبْلَ سُقُوطِهِ ، وَدَافِعُوا عَنِ الْحَيَاءِ قَبْلَ خُدُوشِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْـحُرُمَاتِ شَرَفٌ ، تَدُلُّ عَلَى عِزَّةِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى سُمُوِّهِ، وَنُبْلِ أَخْلَاقِهِ، والَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ فِي عَقْلِهِ نَقْصٌ، وَفِي رُجُولَتِهِ خَلَلٌ، ولا بارك الله بعد العرض في المال !!. واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر إن تيسر ذلك اقتداء بالنبي عليه السلام وإظهارا لشعائر الله، تقبَّل الله طاعاتكم ، وجعل سعيَكم مشكورًا ، وذنبَكم مغفورًا ، وزادَكم في عيدكم فرحةً وبهجةً وسرورًا .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا) ثم صلوا..
المرفقات
1651398678_هذا عيدنا 1443.crdownload
1651398679_هذا عيدنا 1443.pdf
لا تُفْتَتحُ خُطبةُ العيدِ بالتَّكبيرِ، بلْ تُفتَتحُ بالحَمدِ كسائرِ الخُطبِ، وبه قالَ طائفةٌ من الشافعيَّة، وطائفةٌ من الحَنابِلَة، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ، وابنِ القيِّمِ، وابنِ رجب، وابنِ باز
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه لم يثبُتْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه كان يَستفتِحُ خُطبةِ العيدِ أو غيرَها بالتَّكبيرِ
ثانيًا: أنَّ الاستفتاحَ بالحمدِ هو شأنُ خُطَبِه عليه الصَّلاة والسَّلامِ
تعديل التعليق