هذا الكتاب الذي غير مسار حياتي ! / جمال سلطان
احمد ابوبكر
1436/07/16 - 2015/05/05 06:18AM
[align=justify]كان ذلك في صيف العام 1984 ، كنت في زيارة لصديق بالاسكندرية ، ولما عدت لاستقلال القطار كانت هناك حوالي ساعتين على موعده ، فدخلت في مسجد ميدان محطة مصر للصلاة ، وكعادتي كانت عيني تبحث دائما عن المكتبات ، واتجهت إلى ركن المكتبة أقلب فيها ، لعلي أجد شيئا يسليني مدة الساعتين ، وركزت على الرسائل صغيرة الحجم لصغر الوقت المتاح ، فعثرت يدي على كتاب بعنوان لافت وهو "أقلام مسمومة تهاجم الإسلام" ، فجذبني العنوان لتصفحه ، كنت في تلك السنوات شابا حديث السن مغرما بعلوم الحديث الشريف ، وقضيت عدة سنوات أعكف على دراستها وأنقب في كتبها ، وأحيانا كنت أغيب في مكتبة الحديث ثمانية عشر ساعة في اليوم والليلة لا أمل ، ولا تقطعني إلا الصلاة والطعام ، فهو علم ساحر وشديد الجاذبية ، وأذكر أني بعد أن غرقت فيه ثلاث سنوات امتلكتني رغبة في أن "أجرب" تحقيق الحديث ، وكان الشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ وقتها هو أبرز علماء الأمة في الحديث وعلومه ، وله حضور طاغ ، ويعود له الفضل في إحياء هذا العلم الشريف بعد أن كاد يندثر ، وحوله إلى ما يشبه ثقافة عامة بين الإسلاميين ، وكان ينشر سلسلة كتب صغيرة الحجم أسماها "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ، جمعت بعد ذلك في مجلدات ، فكان أن تتبعت هذه السلسلة لأعيد تحقيق جميع أحاديثها سندا ومتنا ، وهي عملية صعبة للغاية وشديدة الإرهاق ، ولكن حداثة السن والفراغ والولع بهذا العلم ، كانوا يزيلون الإحساس بالرهق ، وكان أن خرجت بحوالي مائة وعشرين حديثا رأيت أن الألباني أخطأ في تصحيحهم ، وجمعت ذلك بكل أدلته في كتاب أسميته "الدليل إلى أوهام الألباني في السلسلة الصحيحة" وظل هذا الكتاب مخطوطا لدي لا أجرؤ على نشره ، تهيبا من الجرأة على العلم ، طوال حوالي ثلاثين عاما ، وما زال بحوزتي ، ثم أوصلني علم الحديث إلى أهمية وخطورة علم أصول الفقه ، فتركت الانشغال بالحديث وغرقت في أصول الفقه ، وكان من حظي أن بدأت بكتاب الإمام ابن حزم الأندلسي "الإحكام في أصول الأحكام" وهو مذهل وعبقري في قدرته على تبسيط العلم رغم صعوبته ، وأصبحت متنقلا بين كتب الشاطبي والغزالي والشوكاني والبيضاوي والآمدي وصولا إلى كتب المحدثين الموهوبين مثل الشيخ أبي زهرة وعبد الوهاب خلاف ، فكان لهذا العلم الشريف فضل كبير في صقل العقل الديني عندي ومنحي القدرة "المعقولة" على موازنة النصوص وفهم الكثير من أدلة الفقه وتخريج أحكامه . كان هذا مساري الفكري والديني حتى ذلك اليوم الذي جلست فيه ساعتين في مسجد ميدان مصر بالاسكندرية ، وأمسكت فيه بكتاب "أقلام مسمومة تهاجم الإسلام" لكاتب لم يكن معروفا أو مشهورا وقتها ، اسمه "الدكتور علي عبد العظيم" ، من علماء الأزهر ، وغرقت في الكتاب حتى أوشكت أن أنسى موعد القطار ، ثم استعرت الكتاب لكي أتم قراءته ثم أعيده ، ومن لحظتها تغير مسار حياتي الفكرية والدينية ، من علوم الشريعة إلى قضايا الفكر المعاصر ، كان كتاب علي عبد العظيم يناقش بعض الأقلام "العربية" التي تقدم للشباب خطابا دينيا مزورا ومضللا بصورة لا يمكن تصديقها ، مثل الدكتور عبد المنعم ماجد ، أستاذ التاريخ والحضارة وقتها بعين شمس ، وكان له كتاب يدرسه للطلاب يقول فيه أن المسلمين عندما فتحوا الأندلس طبخوا أول جندي قتلوه في قدر ثم أكلوه ، وأمور أخرى يحقر فيها من النبي وسنته ورسالته ويلمز في القرآن نفسه ، كذلك كتب اليساري محمد أحمد خلف الله ، وكنت أقول لنفسي وأنا أقرأ في هذا الكتاب : هل هذا معقول ؟ هل هناك فعلا من يقولون ذلك أو يكتبون بتلك الارتجالية والجهالة ، ثم أخذت كل هذه الإحالات التي أشار إليها الكتاب من مراجع ومصادر ورحت أبحث عنها لأقرأها بنفسي وأستخرج منها الكثير الذي وقفت عليه ، ثم اتسع بحثي في تلك القضايا بعد ذلك ليشمل آخرين ، ثم انتهت المرحلة الأولة من هذا العمل بصدور كتابي الأول "غزو من الداخل" والذي صدرت طبعته الأولى عن الزهراء للإعلام العربي عام 85 تقريبا ، وكانت تديرها في تلك الأثناء الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم ، وأذكر أنها قالت لي بعد عدة أسابيع من تسلمها للكتاب : شوف أنا لست مقتنعة بأفكارك ، لكن عجبني أسلوبك في الكتابة ! ، ثم انطلقت في هذا المسار الذي استغرقني قرابة عشرين عاما قبل أن تسرقني الصحافة . لماذا أذكر هذه السيرة ، لأن الباحث المحترم الأستاذ أبو الحسن الجمال ، فاجأني هذا الأسبوع بمقال طويل عن العالم الراحل الجليل علي عبد العظيم ، حكى فيه عن سيرته وعلمه وأدبه وشعره ، فاستغربت أن قامة كبيرة مثل هذا العالم الجليل لم تعرفها الأجيال الجديدة ، كما أحيا المقال في خاطري ذكرى كتابه "أقلام مسمومة" الذي غير مجرى حياتي الفكرية ، وكان له فضل كبير علي ، وأحدث لي تنويرا عقليا غير مسبوق في حياتي ، رحمه الله ، وجزاه عني وعن أمته ووطنه ودينه خير الجزاء .
[/align]
[/align]