هَدْيُ المسْلِمِينَ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِهِمْ 21 مُحَرَّمٌ 1444هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الْخَلَّاق، أَمَرَ بِالأُلْفَةِ وَالوِفَاق، وَحَذَّرَ مِن الاخْتِلَافِ وَالشِّقَاق, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْخَالِقُ الرَّزَّاق، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُتَأَسِّي بِأَعْظَمِ الأَخْلاق, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى يَوْمِ الْمَسَاق.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ دِيْنَنَا دِيْنُ الرَّحْمَةِ وَالْأُلْفَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}, وَهَذِهِ الْآيَةُ شَامِلَةٌ لِلْمُسْلِمِ وَلِغَيْرِ المُسْلِمِ, وَقْدَ ضَرَبَ الْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ, حَتَّى إِنَّ كَثِيْرًا مِنَ الْأَقْطَارِ دَخَلَهَا الْإِسْلَامُ بِدُوْنِ قِتَالٍ , وَإِنَّمَا لِمَا رَآهُ أَهْلُهَا مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَكَذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِمْ.
فَهَا هُوَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَامِلُ قُرَيْشًا بِالرَّحْمَةِ, وَيُنْذِرُهُمُ الشِّرْكَ وَيَحْرِصُ عَلَى إِسْلَامِهِمْ, حَتَّى قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}, أَيْ : مُهْلِكُهَا أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا, وَهَكَذَا عَامَلَ الْيَهُودَ حِيْنَ قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ بِالْحُسْنَى وَدَعَاهُمْ إِلَى الدُّخُوْلِ فِي الْإِسْلَامِ, وَكَانَ يُحِبُّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنْ يُوَافِقَهُمْ, حَتَّى أَظْهَرُوا الْعِنَادَ وَالمُكَابَرَةَ فَحِيْنَهَا خَالَفَهُمْ وَحَذَّرَ مِنْهُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَاعْلَمُوا أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ مِمَّنْ يَعِيْشُوْنَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ لَا يَخْلُونَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ, ذِمِّيُّونَ وَمُسْتَأْمَنُونَ وَمُعَاهَدُونَ, وَكُلُّهُمْ يَحْرُمُ التَّعَدِّي عَلَيْهِمْ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ أَهْلٍ فَضْلًا عَنْ قَتْلِهِمْ, فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ٍرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ, وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًّا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ جَاءَتْ كُتُبُ الْإِسْلَامِ بِأَحْكَامٍ مُفَصَّلَةٍ فِي التَّعَامُلِ مَعَهُمْ, مِمَّا يَدُلُّ عَلَى شُمُوْلِ هَذَا الدِّينِ وَأَنَّهُ مِنْ لَدُنْ حَكِيْمٍ خَبِيْرٍ, وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَبَعْضُ الْحَرِيْصِيْنَ عَلَى الْخَيْرِ لَا يَفْهَمُونَ الطَّرِيْقَةَ الصَّحِيْحَةَ فِي التَّعَامُلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ, وَرُبَّمَا اتَّهَمُوا مَنْ تَعَامَلَ مَعَهُمْ بِمَا لَا يَلِيْقُ, وَلِذَلِكَ نَقُولُ إِنَّ مُعَامَلَةَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عُمُومًا أَنْوَاعٌ )الْأَوَّلُ) التَّوَلِّي، وَهَذَا كُفْرٌ أَكْبَرُ، وَلَهُ ضَابِطَانِ: أَنْ يُحِبَّ الْكُفَّارَ لِأَجْلِ دِينِهِمْ. أَوْ أَنْ يُنَاصِرَ الْكُفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ مُخْتَارًا لا مُكْرَهًا, مُرِيدًا ظُهُورَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ , وَعَلَى هَذَا فَإِذَا وَجَدْنَا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ شَخْصًا أَوْ دَوْلَةً أَوْ حَاكِمًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ مَلِكًا، يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ يُعَاوِنُ الْكُفَّارَ، فَلا نَسْتَعْجِلُ فِي التَّكْفِيرِ, فَقَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا, وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ جًائِزًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّكْفِيِر خَطِيرَةٌ جِدًّا، لِأَنَّكَ إِذَا أَطْلَقْتَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ كَافِرٌ, فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِعْلًا, وَإِلَّا رَجَعَ تَكْفِيرُكَ عَلَيْكَ أَنْتَ, فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ قَالَ (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ, وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ).
وَعَلَى هَذَا، إِذَا انْطَلَقَتْ كَلِمَةُ الْكُفْرِ مِنْ لِسَانِكَ، فَإِمَّا أَنْ تُصِيبَ الذِي أَمَامَكَ، أَوْ تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَنْتَ, فَمَاذَا تَخْتَارُ؟ ثُمَّ عَجَبًا لِبَعْضِنَا، يَتَوَرَّعُ مِنَ الْفَتْوَى فِي أُمُورِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْبُيُوعِ وَالْمُعَامَلاتِ، ثُمَّ نَتَجَرَّأُ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ، فَسُبْحَانَ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ مِنْ مُعَامَلَةِ غَيرِ المسْلِمِينَ: مَحَبَّتُهُمُ الْمَحَبَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ، فَهَذِهِ جَائِزَةٌ كَمَحَبَّةِ الرَّجُلِ لابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ مَحَبَّةِ الابْنِ لِأَبِيهِ الْكَافِرِ أَوْ مَحَبَّةِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ نَصْرَانِيَّةً كَانَتْ أَوْ يَهُودِيَّةً، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾, وَوَجْهُ الدَّلالَةِ: أَنَّ اللهَ أَبَاحَ التَّزَوُّجَ مِنَ الْكِتَابِيَّةِ، مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ وُجُودِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الزَّوْجِينِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ جَائِزَةٌ، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ الْفِطْرِيَّةُ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُبْغِضَهُمْ لِدِينِهِمْ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الاسْتِعَانَةُ بِهِمْ فِي الْحَرْبِ، فَهَذَا أَمْرٌ مَوْكُولٌ إِلَى وَلِيِّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ الذِي يَنْظُرُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ بِعَيْنِهَا, وَلَا يَجُوزُ لِعَامَةِ النَّاسِ أَنْ يَتَدَخَّلُوا فَيهِ, لِأَنَّ هَذَا شَأَنُ وَلَاةِ الأَمْرِ.
وَمِنْ حَيْثُ العُمُومُ : الاسْتِعَانَةُ قَدْ تَكُونُ جَائِزَةً وَقَدْ تَكُونُ مَمْنُوعَةً، فَدَلِيلُ الْجَوَازِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَالضَّابِطُ هُنَا: الثِّقَةُ بِهَذَا الْكَافِرِ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْعِلَاجُ عِنْدَ الطَّبِيبِ الْكَافِرِ.
وَدَلِيلُ الْمَنْعِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ- قَالَ لِرَجُلٍ تَبِعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: (اِرْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ فِي قَوْلِهِ: (مُشْرِكٍ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُ لِشِرْكِهِ.
النَّوْعُ الْرَّابِعُ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَهَذَا جَائِزٌ، وَقَدْ بَاعَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِلْيَهُودِ فِي الْمَدِينَةِ وَاشْتَرَوْا مِنْهُمْ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَأَمَّا غُلُوُّ بَعْضِ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى مُقَاطَعَةِ بَضَائِعِ الْكُفَّارِ، وُرُبَّمَا أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُمْ أَوْ يَبِيعُ لَهُمْ فَهَذِهِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُوكَلَ الْمَسْأَلَةُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ.
النَّوْعُ الخَامِسُ: الْمُعَامَلَةُ فِي جَعْلِ بَعْضِ الْكُفَّارِ خَدَمًا، وَهَذِهِ جَائِزَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنْ لَاشَكَّ أَنَّ اسْتِقَدَامَ الخَدَمِ المسْلِمِينَ أَوْلَى وَأَحْوَطَ لِدِينِ الإِنْسَانِ وَدِينِ عَائِلَتِهِ وَأَوْلَادِهِ, ثُمَّ يُعِينُ إِخْوَانَهُ المسْلِمِينَ عَلَى حَيَاتِهِمْ وَيُسَاعِدُهُمْ عَلَى مَعِيشَةِ أُسَرِهِمْ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمَينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّوْعُ السَّادِسُ: الْإِحْسَانُ إِلَى الْكُفَّارِ، فَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ: إِنْ كَانُوا مُعَادِينَ لِلْإِسْلَامِ فَلا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ جَازَ، قَالَ تَعَالَى ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ﴾.
النَّوْعُ السَّابِعُ: الاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَهَذَا جَائِزٌ بِشَرْطِينِ, (الأَوَّل) الضَّرُورَةُ، كَأَنْ يَكُوَنَ تَخُصُّصًا لا يُجِيدُهُ إِلَّا الْكُفَّارُ، كَمَا فِي بَعْضِ التَّخَصُّصَاتِ الطِّبِيَّةِ أَوِ الْهَنْدَسِيَّةِ. وَ(الثَّانِي) أَنْ يَكُونُوا مَأْمُونِينَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ هِجْرَةُ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَقَدْ كَانَ كَافِرًا.
النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَهُمْ، وَهَذَا جَائِزٌ لاسِيَّمَا مَعَ الْحَاجَةِ أَوِ اولْمَصْلَحَةِ, فَمِنَ الْحَاجَةِ: كَوْنُ الْإِنْسَانِ مَعَهُمْ فِي السَّكَنِ ضَرُورَةً، كَمَا فِي بَعْضِ الشَّرِكَاتِ التِي لا يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ السَّكَنَ بَعِيدًا عَنْهُمْ، وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ فَكَأَنْ يَدْعُوَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ حَاجَةٍ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُمْ وَالْبُعْدُ عَنْهُمْ، لِئَلَّا يَتَأَثَّرَ الْإِنْسَانُ بِهِمْ. وَدَلِيلُ الْجَوَازِ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: (لاَ)، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ خَيَّاطًا بِالْمَدِينَةِ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وإهالَةٍ سَنِخَةٍ . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
النَّوْعُ الْتاسِعُ: الدِّرَاسَةُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَهَذِهِ تَحْتَاجُ لِتَفْصِيلٍ: فَإِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي بِلَادِنَا حَيْثُ تَسْتَقْدِمُهُمُ الْجَامِعَاتُ، فَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِهِمْ أَوْ تَقْلِيدِهِمْ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنِهُمُ الْعِلْمُ الدُّنْيَوِيُّ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِالسَّفَرِ إِلَى بِلادِهِمْ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى الآنَ بِالابْتِعَاثِ، فَهَذَا جائز بثلاثة شُرُوطٍ, (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ عِلْمٌ يَدْفَعُ بِهِ الشُّبُهَاتِ؛ لِأَنْ هُنَاكَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ يُورِدُونَ عَلَى أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ الشُّبُهَاتِ حَتَّى يَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ دِينٌ يَدْفَعُ بِهِ الشَّهَوَاتِ، فَلا يَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَهُوَ ضَعِيفُ الدِّينِ، فَتَغْلِبُهُ الشَّهَوَاتُ فَتَدْفَعُ بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى السَّفَرِ بِحَيْثُ لا يُوجَدُ هَذَا التَّخَصُّصُ فِي بِلادِ الْإِسْلَامِ.
الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ, الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ بِهِ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ بِهِ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِمَّا مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1660754154_هَدْيُ المسْلِمِينَ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِهِمْ 21 مُحَرَّمٌ 1444هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق