هداية النبلاء إلى فضائل وأحكام عاشوراء

الشيخ السيد مراد سلامة
1439/12/29 - 2018/09/09 01:09AM
هداية النبلاء إلى فضائل وأحكام عاشوراء
للشيخ السيد مراد سلامة

أمة الحبيب الأعظم-محمد صلى الله عليه وسلم-كل عام أنتم بخير وأدام الله تعالى علينا وعليكم الصحة والعافية وبعد:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال: ((افعلوا الخير دهرَكم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده)) رواه الطبراني وصححه الألباني

فهيا لنتعرف على اليوم العظيم  

العنصر الأول التعريف بعاشوراء

تعريف وبيان:

قال ابن منظور: "عاشوراء وعشوراء ممدودان اليوم العاشر من محرم، وقيل: التاسع". لسان العرب

وذكر الحافظ أنه بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، وردَّ قول من زعم أنه اسم إسلامي لم يعرف في الجاهلية" فتح الباري

قال القرطبي: "هو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم" فتح الباري

العنصر الثاني صيام اليهود والنصارى لعاشوراء

يوم عاشوراء يوم تعظمه كثير من الأمم و الأديان حتى أهل الأوثان فقد صامه اليهود و صامه النصارى و صامه كفار مكة العرب

فاليهود ـ أتباع موسى عليه السلام ـ كانوا يعظمون يوم عاشوراء ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، ويلبسون فيه نساءهم حليهم واللباس الحسن الجميل، وسر ذلك-عندهم - أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون.

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. [البخاري  ومسلم.

وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ أن كثيراً من شريعة موسى عليه السلام لم ينسخ بشريعة عيسى بدليل قوله تعالى: وَلاِحِلَّ لَكُم بَعْضَ ?لَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]. وتأمل كيف قال: بعض إشعاراً بأن الكثير من الشرائع ظل كما هو عند موسى عليه السلام، قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب الذي قال الله فيه:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } [الأعراف: 145] ولهذا كانت أمة موسى أوسع علوماً ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن الكتابين) [جلاء الأفهام:103].

وحتى قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة رضي الله عنها: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية) [ثضالبخاري ومسلم].

وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: (أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك).

العنصر الثالث: صيام عاشوراء في الإسلام

حين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً بنجاة موسى (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ}). وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجباً فلما فرض رمضان فوض الأمر في صومه إلى التطوع، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوباً لم يقع إلا في عام واحد، قالت عائشة رضي الله عنها: {كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه}. متفق عليه.

العنصر الرابع: فضائل صوم عاشوراء

فضائل يوم عاشوراء:

1) صيامه يكفر السنة الماضية: ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). .

تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) [البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].

2) وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم)) ا [لترمذي وقال: حديث حسن].

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [البخاري]. وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. [لطائف:121].

العنصر الخامس: إشكالات حول عاشوراء

الإشكال الأول: لم كان عاشوراء يكفر ذنوب سنة و يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين؟

لم كان عاشوراء يكفر سنة , ويوم عرفة يكفر سنتين؟

يجيب على هذا الإشكال ابن القيم – رحمه الله 

قال: فيه وجهان:

أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام و قبله شهر حرام و بعده شهر حرام , بخلاف عاشوراء.

الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا , بخلاف عاشوراء, فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم , و الله أعلم.

وقال أبو مهند العدناني :

ويمكن أن يقال:

في يوم عاشوراء أتم الله النعمة فيه على موسى عليه السلام بنجاته من عدوة، وفي يوم عرفة أتم الله النعمة فيه على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بإكمال رسالته.

وتمام النعمة الحاصل في الدين أعظم من تمام النعمة الحاصل في البدن، فحصل التفاضل في الثواب للتفاضل الحاصل في نوع النعمة.

فهذه نعمة في الدين وتلك نعمة في البدن.

ولأن النعمة الحاصلة بالدين نعمتان: نعمة حاصلة بظهوره قبل تمامه، ونعمة حاصلة بتمامه بعد ظهوره.

فنعمة حصلت بظهور الدين وابتدائه، ونعمة حصلت بتمام الدين واكتماله.

والنعمة الحاصلة لموسى عليه السلام حاصلة بانتهاء عداوة فرعون له، لا بظهور عداوته له.

وما اجتمع فيه موجبان للثواب أعظم مما لم يكن فيه سوى موجب واحد للثواب.

فتضعيف الثواب للتضعيف الحاصل في الموجبات.

والتضعيف في الأول يرجع إلى نوع وكيف الموجب، وفي الثاني يعود إلى كمه وتعدده.

ويمكن أن يقال: أن يوم عرفة لم يقع ظرفا لابتداء الدين فكيف يُجيََّر لصالحه.

والجواب: أن الشكر على إتمام الدين يتضمن الشكر على ابتدائه، والشكر على انتهاء العداوة لا يتضمن الشكر على ابتدائها.

*الإشكال الثاني: فقال: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبِحْ يوم التاسع صائماً)

أما جواب ابن عباس لمن سأله عن صيام عاشوراء، فقال: (إذا رأيت هلال

المحرم فاعدد، وأصبِحْ يوم التاسع صائماً) [رواه مسلم] ، فلا إشكال فيه، قال ابن

القيم: (فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس؛ فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه) [زاد المعاد] .

الإشكال الثاني قول النبي-صلى الله عليه وسلم-أن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر .

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله -: وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب خاصة حينما كان بمكة؛ لأن أهل الكتاب كانوا أهل دين سماوي، وكان المشركون على الوثنية، فكان يحب موافقة أهل الكتاب لإغاظة أهل الشرك والوثنية. فلما انتقل إلى المدينة كان اليهود يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه يأخذ من دينهم، فأصبحت الموافقة هنا محظورة، وقصد عليه الصلاة والسلام مخالفتهم، ومن ذلك قوله: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: لأصومن التاسع والعاشر مخالفة لليهود.

العنصر السادس: سنة مخالفة اليهود في صيام عاشوراء

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب و يحفز على مخالفة اليهود و النصارى

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم)

وعن ابن عباس قال صوموا التاسع والعاشر ولا تتشبهوا بيهود (رواه الشافعي)

العنصر السابع: قضاء يوم عاشوراء

قال ابن عثيمين – رحمه الله-النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له. فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يُقضي، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه ثم أراد أني يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد، لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي ولا ينتفع به لو قضاه، أي لا ينتفع به على أنه يوم عرفة ويوم عاشوراء.

وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي، لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم.

العنصر الثامن: عجائب عاشوراء

ورُوي عن فتح بن شخرف، قال: كنت أفتُّ للنمل الخبزَ كل يوم، فلما كان عاشوراء لم يأكلوه!!

ورُوي عن القادر بالله، الخليفة العباسي، أنه جرى له مثل ذلك، وأنه عجب منه، فسأل أبا الحسن القزويني الزاهد، فذكر له: أن يوم عاشوراء تصومه النمل!!

وروى أبو موسى المديني بإسناده، عن قيس بن عباد، قال: بلغني أن الوحش كانت تصوم عاشوراء!!

وبإسناد له، عن رجل أتى البادية يوم عاشوراء، فرأى قومًا يذبحون ذبائحَ، فسألهم عن ذلك، فأخبروه أن الوحوش صائمة!!

وقالوا: اذهب بنا نرك. فذهبوا به إلى روضة فأوقفوه، قال: فلما كان بعد العصر، جاءت الوحوش من كل وجه، فأحاطت بالروضة رافعةً رؤوسها إلى السماء، ليس شيءٌ منها يأكل، حتى إذا غابت الشمس، أسرعت جميعًا فأكلت!!

العنصر التاسع: مراتب صيام عاشوراء

اعلم زادك الله علما: أن العلماء ذكروا في صيام عاشوراء ثلاثة مراتب و هي:

قال ابن القيم-رحمه الله -(فمراتب صومه ‏ثلاثة:

1-أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم،

2-ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه ‏أكثر الأحاديث،

3-ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم. وأما إفراد التاسع، فمن نقص ‏فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب) زاد ‏المعاد لابن القيم (2/75)

وكلما زاد الإنسان الصيام في شهر محرم كان أجره أعظم.

وأما حديث ابن عباس: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً" فالحديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير رقم3506)

 

 

المرفقات

النبلاء-إلى-فضائل-وأحكام-عاشوراء

النبلاء-إلى-فضائل-وأحكام-عاشوراء

المشاهدات 1893 | التعليقات 0