هدايات من قصة يوسف عليه السلام

حسام الحجي
1443/02/01 - 2021/09/08 12:00PM

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لَا مَانِع لِمَا وَهَبَ، وَلَا وَاهِب لِمَا سَلْبَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اَلْمَرْجُوِّ لِكَشْفِ اَلْكُرّبِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدِ اَللَّهْ وَرَسُولِهِ اَلْأُسْوَةِ فِي كَمَالِ اَلْأَدَبِ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي اَلرُّتَبِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلْمُنْقَلِبِ.

أَمَّا بُعْدُ: فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْثَرَ اَلنَّاسِ اِنْتِفَاعًا بِهَدْيِ اَلْقُرْآنِ هُمْ اَلْمُتَّقُونَ، ﴿ذلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ﴾

عِبَادَ اَللَّهِ: لَنْهَتْدي بِالْقُرْآنِ، فَرَبُّنَا اَلرَّحْمَنُ يَقُولُ ﴿إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ﴾ وَمِنْ رَوَائِعِ اَلْقِصَصِ اَلْقُرْآنِيِّ اَلَّتِي فِيهَا اَلْهُدَى وَالْبَيَانُ - قِصَّةُ يُوسُفْ - عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ، قَصُّهَا اَللَّهُ عَلَيْنَا فِي سُورَةِ يُوسُفْ، بِأَحْسَنٍ سِيَاقٍ وَأَفْصَحِ لِسَانٍ.

وَكَانَ نُزُولُهَا فِي اَلْعَهْدِ اَلْمَكِّيِّ، اَلَّذِي لَاقَى فِيهِ اَلنَّبِيُّ ﷺ  وَالْمُؤْمِنُونَ صُنُوفًا مِنْ اَلْعَذَابِ وَالشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ، فَنَزَلَتِ اَلسُّورَةُ لِتَسَلِّيتِهِمْ، وَجَبْرِ قُلُوبِهِمْ، وَبَثِّ اَلْأَمَلِ بِالْفَرَجِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَلْتَبْشِرَهُمْ بِأَنَّ اَلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ اَلصَّابِرِينَ، وَأَنَّ اَللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اَلْمُحْسِنِينَ.

فَمِنْ هِدَايَاتِ قِصَّةِ يُوسُفْ وَمَوَاعِظِهَا اَلْجَلِيلَةِ:

بَثُّ رُوحِ اَلرَّجَاءِ بِاَللَّهِ، وَحُسْنُ اَلظَّنِّ بِهِ، وَصِنَاعَةُ اَلْأَمَلِ فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَإِثَارَةُ نَفَحَاتِ اَلتَّفَاؤُلِ بِالظَّفَرِ بِالْمَرْغُوبِ، وَزَوَالَ اَلْكُرُوبِ.

يَحُلَّ فِي قَلْبِ اَلْمُتَدَبِّرِ لِأَحْدَاثِ قِصَّةِ يُوسُفْ:

اَلْأَمَلُ بِأَنَّ اَلْغَائِبَ سَيَعُودُ، وَالْمَفْقُودَ سَيُوجَدُ، وَأَنَّ اَلشَّمْلَ اَلْمُتَفَرِّقَ سَيَجْتَمِعُ، فَقْدْ عَادَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ اَلْمَجْرُوحِ، وَاجْتَمَعَ شَمْلُ اَلْوَالِدَيْنِ وَالْأَبْنَاءُ بَعْدَ سِنِينَ طِوَالٍ، فَلَا تَيْأَسُوا يَا مُؤْمِنُونَ مِنْ رَوحِ اَللَّهِ وَلَوْ طَالَ أَمَدُ اَلْبَلَاءِ.

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلْأَمَلُ بِبَرَاءَةِ اَلْمُتَّهَمِ اَلْمَظْلُومِ، فَقَدْ أَظْهَرَ اَللَّهُ بَرَاءَةَ يُوسُفَ مِنْ مُرَاوَدَةِ اَلنِّسَاءِ، وَسَخِرَ اَللَّهُ لَهُ سَبَبًا لَيْسَ بِالْحُسْبَانِ وَهُوَ ( تَعْبِيرُ رُؤْيَا ).

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلْأَمَلُ بِالْعِزِّ بَعْدَ اَلذُّلِّ لِلْمُؤَمَّنِ اَلْمُحْسِنِ اَلْكَرِيمِ، فَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَاَللَّهُ لَا يَضِيعُ أَجْرَ اَلْمُحْسِنِينَ، فَالْكِرِيمُ يُوسُفُ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ اِنْتَقَلَ مِنْ رَقِيقٍ لَا يَمْلِكُ، وَسَجِينٍ لَا يَتَحَرَّكُ، إِلَى عَزِيزِ مِصْرَ، وَزِيرٍ لِلْمَالِ مِنْ رِجَالِ اَلْمَلِكِ اَلْخَاصِّينَ، يَتَبَوَّأُ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ مَا يَشَاءُ لِأَنَّهُ مَكِينٌ أَمِينٌ.

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلْأَمَلُ بِشِفَاءِ اَلْمَرِيضِ، وَمُعَافَاةُ اَلْمُبْتَلَى، وَإِبْصَارُ اَلْأَعْمَى، ﴿فَلَمّا أَن جاءَ البَشيرُ أَلقاهُ عَلى وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصيرًا﴾.

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلرَّجَاءُ وَالْأَمَلُ بِأَنَّ اَلْحُزْنَ سَيَزُولُ، وَالْمَحْزُونُ سَيَفْرَحُ وَيَسْعَدُ، فَتَأَمَّلُوا مَضْمُونَ قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى ﴿وَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا أَسَفى عَلى يوسُفَ وَابيَضَّت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظيمٌ﴾ ثمّ مآلَ اَلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمّا دَخَلوا عَلى يوسُفَ آوى إِلَيهِ أَبَوَيهِ وَقالَ ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّهُ آمِنينَ﴾

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلرَّجَاءُ وَالْأَمَلُ بِأَنَّ اَلْقَحْطَ وَالْجَدْبَ وَشَدَائِدَ اَلسِّنِينَ، وَنَقْصَ اَلْأَمْوَالِ وَالثَّمَرَاتِ، سَيَعْقُبُهَا أَعْوَامَ اَلْغَيْثِ وَالسِّعَةِ وَالْخَيْرَاتِ، وَلَكِنَّ اَلنَّاسَ يَسْتَعْجِلُونَ، وَيَسْمَعُونَ لِإِرْجَافِ اَلْمُرْجِفِينَ.

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلْأَمَلُ بِأَنَّ اَلْحَاسِدَ سَيَعُودُ وَيَتُوبُ، وَيَعْتَرِفَ بِالْفَضْلِ لِلْفَاضِلِ اَلْمَحْسُودِ، وَكَوْنَهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَعْلُوا وَيُكَرَّمَ وَيَسُودَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ مِنْ يَتُوبُ، ﴿قالوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ﴾.

وَفِي اَلْقِصَّةِ: اَلْأَمَلُ عُمُومًا بِأَنَّ اَلْكُرُوبَ سَتَزُولُ، فَقْدْ زَالَتْ كُرُوبُ يَعْقُوبَ بَعْدَ اَلصَّبْرِ اَلْجَمِيلِ، وَزَالَتْ كُرُوبُ يُوسُفَ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ بِلُطْفِ اَلْكَرِيمِ اَلرَّحِيمِ بَعْدَ تَقَوَّى وَصَبْرٍ وَإِحْسَانٍ.

وَكَثِيرًا مَا يَضْمَنُ اَللَّهُ اَلْكُرُوبَ مِنَناً، وَالْمِحَنُ مِنَحًا، فَالِاسْتِرْقَاقُ كَانَ مَعَهُ اَلْإِكْرَامُ فِي بَيْتِ اَلْعَزِيزِ وَالتُّهْمَةِ وَالسَّجْنِ سِنِينَ، كَانَ مَعَهَا تَبُوءُ مَنْصِبَ اَلْوَزِيرِ وَالتَّمْكِينِ.

 

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: عِظَمُ اَلرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ بِاَللَّهِ، مِنْ اَلْعِبَادَاتِ اَلْقَلْبِيَّةِ اَلْجَلِيلَةِ، فَعَظِمُوا اَلرَّجَاءَ بِرَبِّكُمْ وَتَفَاءَلُوا بِالْخَيْرِ تَجِدُوهُ فِي حَيَاتِكُمْ، وَاحْذَرُوا مِنْ اَلْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، مَهْمَا اِشْتَدَّتِ اَلْخُطُوبُ، فَقَدْ جَاءَ فِي اَلْقِصَّةِ نُصَحُ يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ بِعَدَمِ اَلْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ ﴿وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ﴾.

وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ يُؤَخِّرُ اَلنَّصْرَ وَالْفَرَجَ إِلَى أَنْ تَضِيقَ اَلْحَالُ جِدًّا وَتَشْتَدُّ اَلْكُرُوبُ ، اِبْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا ، ثُمَّ يَنْزِلُ اَلنَّصْرُ وَالْفَرَجُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِذَا اِشْتَدَّ اَلْكَرْبُ ، قَرُبَ الفَرَجُ ، كَمَا أَنَّ أَشَدَّ اَلظَّلَامِ يَعْقُبُهُ اَلْفَجْرَ.

قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى فِي خِتَامِ اَلسُّورَةِ ﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ﴾

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ .

اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَىَ، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى اَلْمُصْطَفَى.

أُمًّا بَعْدُ: مِنْ هِدَايَاتِ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ أَنَّ لِتَقْوِيَةِ اَلرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ بِاَللَّهِ فِي اَلْقُلُوبِ أَسْبَابًا مِنْهَا:

أَوَّلاً: اَلْيَقِينُ بِمَوْعُودٍ اَللَّهِ مَعَ حُسْنِ اَلظَّنِّ بِاَللَّهِ، فَقَدْ كَانَ يَعْقُوبُ يَقُولُ فِي وَجْهِ اَلْبَلَاءِ ﴿وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾، وَاَللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ اَلْعَبْدِ بِهِ.

ثَانِيًا: اَلصَّبْرُ اَلْجَمِيلُ اَلَّذِي لَا تَسْخُّطَ مَعَهُ وَلَا تَشَكِّيَ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ مَرَّتَيْنِ ﴿فَصَبرٌ جَميلٌ﴾ وَالْإِمَامَةُ فِي اَلدِّينِ لَا تُنَالُ إِلَّا بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَتَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى يُوسُفَ مِنْ كُرُوبٍ عَلَى مَدَى سنّينَ، وَكَيْفَ اِتَّقَى اَللَّهَ وَصَبْرَ عَلَى اَلْمُرِّ، وَأَيْقَنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَالْعَاقِبَةُ اَلْإِمَامَةُ وَالظَّفَرُ .

ثَالِثًا: اَلِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ، فَفِي اَلْقِصَّةِ ﴿وَاللَّهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ﴾.

رَابِعًا: بَثُّ اَلشَّكْوَى إِلَى اَللَّهِ فَفِيهَا تَفْرِيغُ اَلْهُمُومِ، قَالَ يَعْقُوبُ ﴿إِنَّما أَشكو بَثّي وَحُزني إِلَى اللَّهِ﴾.

خَامِسًا: اَلْإِحْسَانُ، إِحْسَانُ اَلْعَقِيدَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، فَقَدْ تَكَرَّرَ وَصْفُ يُوسُفَ بِأَنَّهُ مِنْ اَلْمُحْسِنِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. سَادِسًا: تَقْوَى اَللَّهِ وَمَخَافَتُهُ، جَاءَ عَلَى لِسَانِ يُوسُفْ ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ﴾.

اَللَّهُمَّ اِمْلَأْ قَلُوبَنَا بِالْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ وَحُسْنِ اَلظَّنِّ بِكَ يَا رَحْمَنُ يَا مَنَّانُ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

اَللَّهُمَّ أَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ عَلَى قُلُوبِنَا.

اَللَّهُمَّ اِدْفَعْ وَارْفَعْ وَاصْرِفْ عَنَّا اَلْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، وَقِنَا شَرَّ اَلْأَدْوَاءِ يَا سَمِيعَ اَلدُّعَاءِ .

اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَسَيِّئِ اَلْأَسْقَامِ .

اَللَّهُمَّ آمِنًا فِي أَوْطَانِنَا وَدَوْرِنا ، اَللَّهُمَّ أُصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا , اَللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَبَصَرْهُمْ بِأَعْدَائِهِمْ وَالْمُتَرَبِّصِينَ بِهِمْ . وَالْأَمْوَاتِ إِنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبُ اَلدَّعَوَاتِ .

عِبَادُ اَللَّهِ : اُذْكُرُوا اَللَّهَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلِذِكْرُ اَللَّهِ أَكْبَرَ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .

المشاهدات 1142 | التعليقات 1

خطبة رائعة فتح الله عليك