هجر القرآن .. خسران مبين
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله الذي علَّم القرآن، خلق الإنسان، علَّمه البيان، والصلاة والسلام على رسول الله الذي نزل عليه القرآن ليكون للعالمين نذيرًا، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أنزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عِوجًا، قيِّمًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الذي كان يرتِّل القرآن ترتيلًا.
]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[.
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله تعالى ]لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[ القرآن أعظم كنز بين أيدينا، وهو خير من الدنيا وما فيها ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[ علينا أن نفرح بهذا القرآن العظيم، فيه صلاح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، أخباره صادقة، وأحكامه عادلة، وقد أمر الله عباده أن يأخذوه بقوة ونشاط، لا بضعف وكسل ]خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ فعلى المسلم أن يتلو القرآن برغبة، وأن يسمعه بلهْفة، وأن يفرح بتعَلُّمه وتدبُّره والعمل به.
أمَرَنا الله بالإقبال على كتابه قراءةً واستماعًا، وتعلُّمًا وتدبُّرًا، وعملًا وتحاكمًا، لأنه سببٌ لرحمة الله لنا في الدنيا والآخرة ]هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ فالقرآن كتابُ هدايةٍ وحُكْم، وكلُّ ما نحتاج إليه بَيَّنه الله في القرآن العظيم نصًّا أو دَلالة أو استنباطًا، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمه، وجَهِلَه مَنْ جَهِله، وبقدر ما تتدبَّر القرآنَ تظهرُ لك هداياته ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[ ]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[ القرآن يهدي الناسَ لأحسن الخصال في كل الأمور، فهو هدايةٌ للأفراد والأُسَر والمجتمعات والدول، فمَنْ تَمَسَّك بالقرآن فقد اهتدى، ولا يضلُّ ولا يشقى.
أيها المسلمون .. يجب على كل مسلم قراءة ما تيَسَّر من القرآن ]فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[ فلم يعذُرِ اللهُ أحدًا في قراءة القرآن الكريم حتى المرضى والمسافرين والمجاهدين، فالقرآن شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين، وهجره من صفات المنافقين.
سيسألنا الله عن هذا القرآن كما قال تعالى ]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[ وقال سبحانه ]وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا[ وقال النبي ﷺ (والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك).
أيها المسلم .. اعلم أنَّك مهما عظَّمت القرآن الكريم فهو أعظم مما تظن، فهو كلام الله سبحانه أنزله لهداية عباده، فطوبى لمن أقبل على تلاوته واستماعه وتعَلُّمه، واهتدى بآياته، ويا حسرةً على من هجره، ويا عجبًا لمن أعرض عن كتاب ربِّه وأقبل على دنيا فانية، أو شاشاتٍ ملهية، أو منصاتٍ تافِهة، أو مجالسَ لاغية، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وماذا يربحُ من خسِر كتابَ ربِّه!!!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
الحمد لله الذي جعل القرآن هدًى للمتقين، وموعظة للمؤمنين، ورحمة للمحسنين، لم يتركنا سدًى بلا كتاب مبين، والصلاة والسلام على رسول الله الذي زكَّى أصحابه وتلا عليهم القرآن، وعلَّمهم الكتاب والحكمة فنالوا من الله الرضوان، وسلامٌ على من اتِّبَعهم بإحسان.
معاشر المؤمنين .. يقول الله تعالى ]وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[ هجرُ تلاوتِه وهجر استماعِه، وهجرُ تعَلُّمه، وهجرُ تدبرِه، وهجرُ العملِ به، وهجرُ التحاكُم إليه، وهجرُ التداوي به، فكل هذا من هجر القرآن، والواجب على المسلم أن يُعظِّم القرآن ويعرفَ قدرَه وبركتَه، وأن يهتم بتلاوته واستماعِه وتعَلُّمِه وتدبرِه والاستشفاءِ به، وأن يؤمن به، ويعمل بأحكامه، ويتحاكم إليه.
فهجرُ القرآن من صفات المنافقين ]كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ[ وقال سبحانه ]أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[.
فلنحذر أيها المسلمون أن نكون من المعرضين عن كتاب رب العالمين، فنحن من غير القرآن كالغرقى، فإن تمسَّكْنا بالقرآن نجونا، وإن هجرناه هلَكْنا. كيف نهجر القرآنَ وفيه عِزُّنا وسعادتُنا في الدنيا والآخرة ]لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[ وأظلمَ الناسِ وأكثرَهم إجرامًا وإثمًا مَنْ هجَرَ القرآن، وأعرض عن آيات الرحمن ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ[.
أيها المسلمون .. تلاوةُ القرآنِ وتعلُّمُه والعملُ به تجارةٌ رابحة مع الله ]إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ[ ويقول النبي ﷺ (خيرُكُم مَنْ تَعَلَّم القرآنَ وعلَّمه) من قرأ حرفًا من القرآن فله به عشر حسنات، ومن حفظ آية رفعه الله بها درجة في الجنة.
فعلينا - يا معاشر المسلمين - أن نحرص على تعلُّمِ القرآن تلاوةً وحفظًا، وتفسيرًا وتدبرًا، وأن نحثَّ أولادنا وأهالينا على حفظ ما تيَسَّر من القرآن، وأن نُشجِّعهم على تعَلُّمه وتدبُّره، فهو أعظمُ الكتب بركةً، وأنفعُها عِلْمًا، وأكثرها خيرًا، وفيه أحسن القصص والمواعظ، وفيه الهدايات الربانية لسعادتنا في الدنيا والآخرة، وفيه حل مشاكلنا، وصلاحُ أحوالنا في ديننا ودنيانا.
اللهم اجعل حظَّنا من القرآن حظَّ عبادِك السابقين، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، ونعوذ بك من هجر كتابك، اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من الذين اتخذوا آيات الله هزوًا ولعبًا، اللهم ارزقنا تعظيم القرآن، وعلِّمنا القرآن، تلاوة وحفظًا وتدبرًا وتفسيرًا، اللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك، الذين يتلونه حق تلاوته، ويهتدون بآياته، ويعملون بأحكامه، اللهم اجعل القرآن رحمة لنا في الدنيا والآخرة، واجعله مباركًا علينا، وشفيعًا لنا، وحجة لنا لا علينا
المرفقات
1727992569_هجر القرآن .. خسران مبين.docx
1727992578_هجر القرآن .. خسران مبين.pdf