هجر القرآن الكريم
عبدالله منوخ العازمي
هجر القرآن الكريم
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا
وأشهد أن لا إله إلا الله، أنزل القرآن هدى للناس يؤمنون به ويَحتكِمون إليه، وكلامًا لا يُبدَّل ولا يُغيَّر ، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي الإسلام، ورسول القرآن، وهو القائل: ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تَضِلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسُنَّتي))، وحذَّرَنا من هجْر القرآن؛ حتى لا نكون عُرْضة لعذاب الله وعقابه صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه الذين حفِظوا القرآن وعمِلوا به في أنفسهم وأهليهم، ففازوا بالسعادتين في الدنيا والآخرة أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.
أما بعد، فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وآمِنوا به وبكتابه وبرسوله وبما جاء في سُنَّته، يؤتِكم كِفْلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم، والله غفور رحيم
أيها المسلمون: إن القرآن العظيم هو الذي أخرجنا به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الظلمات إلى النور، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، بل جعل هذه الأمة تبلغ ذروة الفضائل والمجـد، قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1)
إنه الأصل الذي يرجع إليه، والنبع الذي تتفجر منه عيون الإيمان واليقين، وفيه ترد يقين النفوس، ولذة عيون المتدبرين، وملاذ قلوب المنكسرين، وبماذا يمكن أن تصفه عيون الشعر مهما أوتي أصحابها من بيان وإبداع، إذ هو كلام الله المنزلْ، تكلم به حقيقة - سبحانه - وهو صراطه المستقيم، وحبل الله المتين، ومع هذا كله ترى توقير هذا الكتاب وإعطاءه حقه لم يقم به إلا القليل ممن رحم الله من المؤمنين، وإلا فقد هجره الكثير، فهذا يقدح فيه، وهذا يعرض عنه ويهجره، تارة بعدم قراءته، وتارة بالإعراض عنه واللغو فيه وتارة بعدم اتباع أوامره واجتناب نواهيه وإلقائه جانباً، وترك التحاكم إليه، كما هو حال أهل الكتاب حيث قال الله عنهم: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (101) سورة البقرة.، وقال جل وعلا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.
وترى كل فرد أو طائفة أو أمة ممن هجروا القرآن يتملصون منه بوسائل وادعاءات متنوعة!
فترى البعض يدعي أن القرآن لا يصلح لهذا الزمان في التحاكم، فيتحاكمون إلى قوانين وضعية وينحون القرآن جانباً باسم الحضارة والديموقراطية!! واعتقادهم أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم اليقيني، ومثل هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}(57) سورة الكهف.
وغيرهم جعلوا القرآن للتبرك والقراءة على الأموات، وتعليقه على الأيدي والرقاب دون قراءته بتدبر وتعلم أحكامه ليعبدوا الله على بصيرة، وليس لهذا نزل القرآن بل نزل للتدبر والعمل به، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد.
كل ذلك وغيرها صور من هجر كتاب الله تعالى.
وإن من مظاهر هجر القرآن - يا أمة الإسلام - التي صارت سمة كثير من عباد الله القول فيه بغير الحق، وهذا صنيع الكفار الذين حكى الله عنهم بقوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(30) سورة الفرقان.
ومن صور الهجر التي تقع لكتاب الله: ترك تلاوته بالكلية، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب".
ومن صور هجر القرآن - أيضاً - : نسيانه تعمداً بعد حفظه.
ومن صور هجر القرآن، ترك استماعه والإعراض عنه، قال - تعالى - آمراً باستماع القرآن والإنصات له: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف، وامتدح - سبحانه - عباده الذين يعظمون كلامه فيستمعون له وينصتون، ويزداد إيمانهم عند سماعه، مع الاستعداد لقبول ما يدعو إليه، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (73) سورة الفرقان، وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(2) سورة الأنفال.
وإن من هجر القرآن - أيضاً - هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به و هذا من هجر العمل بالقرآن مع أن الله قد جعل فيه شفاءً للناس من أمراض القلوب والأبدان، قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء[2].
اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم انه هوالغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها المسلمون: إن هاجر القرآن الكريم هو في الحقيقة معادٍ لله - تعالى - ، وهذه نتيجة خطيرة تحتم علينا التوبة إلى الله قبل فوات الأوان.
عبد الله: كونوا مع القرآن ، إن القرآن يصلح ما أفسده الآخرون بقلبك ويصلح حتا ما أفسدته أنت !
قال سفيان بن عيينة – رحمه الله – إنما آيات القرآن خزائن فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها . زاد المسير لا بن الجوزي 370\2
عباد الله : عنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ, وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ.
و(الأُتْرُجَّةِ) ثمر شبه التفاحة، وهي من أحسن الثمار الشجرية وأنفسها عند العرب .
(الريحانة) كل بقلة طيبة الريح, وهو ما يستراح إليه. وقيل: هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم .
(الحنظلة) نبات ثمرته في حجم البرتقالة ولونها، فيها لب شديد المرارة، ويمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ, لكنه أصغر منه جداً, ويضرب المثل بمرارته.
عباد الله : من فوئد الحديث
1- َفِي الْحَدِيث فَضِيلَة حَامِلِ الْقُرْآن, وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ تِلَاوَة الْقُرْآن الْعَمَل بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ
2- َوضَرْب الْمَثَل لِلتَّقْرِيبِ لِلْفَهْمِ(6).
3- أن لتلاوة القرآن أثر على المؤمن؛ في زيادة إيمانه، وطمأنينة قلب، وفي طيب نفسه، ورفعة قدره، وعلو منزلته.
4- على المسلم أن يحرص على تلاوة كتاب الله، وتدبره، والعمل بما فيه، وأن يكون له ورد يومي من القران، لا يفرط فيه لتزكو به نفسه، وتكثر به حسناته.
5- أنه قد يقع من بعض المؤمنين انصراف عن تلاوة القران وسماعه وهذا من هجره، قال الإمام ابن القيم: ((هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وان قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم،
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه،
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)
عبدالله لا تنقطع عن القرآن بسبب ظروفك ومشاغلك فلن يعينك عليها إلا بركة تلاوته ، اجعل لنفسك ورداً تقرأه كل يوم مهما كثرة أشغالك وأوجاعك
وستجد التيسير والأنشراح والفرج من حيث لا تحتسب، سعادتك في قرآنك فلا تهجره
اللهم اجعل القران ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجةً لنا لا حجةً علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين،،
وصلا الله على نبينا محمد وعلا اله وصحبه اجمعين
المرفقات
القران
القران