نهاية العام..
أبو شهد
1435/12/30 - 2014/10/24 07:46AM
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، أحمده تعالى وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، سبحانه وبحمده ، جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ،يجري الليالي والأيام ، ويوالي الشهور والأعوام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً أدخرها ليوم كان شره مستطيراً ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، بعثه بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ، فصلوات ربي وبركاته عليه ، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعــد :
عباد الله : فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ مُعْتَبَرًا، وَاتَّخِذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَايَكُونُ لِلْجَنَّةِ مَعْبَرًا؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا مُغِرَّةُ الْأَغْرَارِ،وَإِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ الْقَرَارِ، وَالْجَنَّةَ مُسْتَقَرُّ الْأَخْيَارِ،وَالنَّارَ دَارُ الْفُجَّارِ ﴿أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّاوَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾
أيها المسلمون : فِي نِهَايَةِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ تَذْكِيرٌ لِلنَّاسِ بِدُنْيَاهُمْ،وَدُنُوِّهِمْ مِنْ آجَالِهِمْ، وَاقْتِرَابِ آخِرَتِهِمْ. وَكُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّعَلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ أَنْ يُذَكِّرَهُ بِمَسِيرِهِ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى،وَإِدْبَارِهِ عَنِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْمُوعَةُ أَيَّام ٍيَعِيشُهَا، كُلَّمَا انْقَضَى يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُهُ، حَتَّى إِذَا أَمْضَى أَيَّامَهُ كُلَّهَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَصَارَ جُثَّةً هَامِدَةً.
فإن كل ماضٍ قد يُسترجع إلا العمر المنصرم ، فإنه نقص في الأعمال ، ودنو في الآجال ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَهْبَطَ الْبَشَرَ إِلَى الْأَرْضِ بَيَّنَ أَنَّ مَتَاعَهُمْ فِيهَا مُؤَقَّتٌ، وَلَيْسَ دَائِمًا ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ فَلِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي الدُّنْيَا تَمَتُّعٌ مُدَّةً مَعْلُومَةً، هِيَ حَيَاتُهُ فِيهَا.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ عِبرَةٌ، وَفي تَوَالي الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعمَارِ تَذكِرَةٌ: (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ) قَالَ تَعَالى: (إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وإِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمضِي وَيَنقَضِي، فَإِنَّمَا هُوَ نَقصٌ مِنَ الأَعمَارِ وَدُنُوٌّ مِنَ الآجَالِ، وَالعَجَبُ ممَّن يَفرَحُ بِعَجَلَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ وَتُعجِبُهُ سُرعَةُ انقِضَائِهَا؛ لِيَنَالَ زِيَادَةً في رَاتِبٍ أَو يَعلُوَ دَرَجَةً في وَظِيفَةٍ، وَمَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ بِقَدرِ ذَلِكَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَحزَنَ وَيَخَافَ وَيَتَحَرَّكَ قَلبُهُ، لاقتِرَابِهِ مِن مَصِيرِهِ وَقِيَامِ قِيَامَتِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "القَبرُ أَوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِن نجا مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَيسَرُ، وَإِن لم يَنجُ مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَشَدُّ".
إِنَّ الَّذِينَ رَزَقَهُمُ اللهُ عَمِيقَ التَّفَكُّرِ وَمَنَحَهُم دَقِيقَ التَّأَمُّلِ، وَبَارَكَ لهم في أَسمَاعِهِم وَأَبصَارِهِم وَبَصَائِرِهِم، إِنَّهُم هُمُ الَّذِينَ يُفِيدُونَ مِن مُرُورِ الأَيَّامِ وَيُنَبِّهُهُم تَعَاقُبُ السِّنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَنتَفِعُونَ بِالأَحدَاثِ وَتُحَرِّكُ قُلُوبَهُمُ القَوَارِعُ، وَيَزدَادُونُ بِطُولِ الأَعمَارِ مَعرِفَةً لأَنفُسِهِم وَفَهمًا لِمَا حَولَهُم، وَأَمَّا مَنِ اشتَدَّت غَفلَتُهُ، وَأَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَيَّدَتهُ سَيِّئَتُهُ، فَمَا لَهُ انتِبَاهٌ وَلا مُعتَبَرٌ: (وَمَن لم يَجعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ)
لقد مضى من عمُرِ الزّمنِ عامٌ ، عامٌ كامِلٌ ، تقلّبتْ فيهِ أحوالٌ ، وَفَنَيتْ فِيهِ أَعمارٌ، ونَزَلتْ فيهِ بالأمّةِ نَوازِلُ ، نوازلٌ تَقْضُّ مَضَاجِعَ أولي الألبابِ ، وتَهُزُّ أفئدتَهم، وتُدمى قلوبَهم ، فكم شُرِّدَ من أقوامٍ ، وقُتِلَ آخرين ، وَكَمْ شَقِيَ مِن أُناسٍ ، وسَعِدَ آخرينَ ؟ كمْ طفلٍ قَد تَيتَّمَ ، وكم امرأةٍ قد تَرَمَّلَتْ ، وكَمْ مِنْ مُتأهلٍ قد تأيَّمَ ، وكم من مَريضٍ قد تعافا ، وسليمٍ قد توفى ، وكم من أهلِ بيتٍ شيعوا ميتَهم ، وآخرونَ زَفُّوا عرَائِسَهُم ، دارٌ تَفرَحُ بمولودٍ ، وأُخْرى تُعزَّى بمفقودٍ . وهذه سُنَّةُ الحياةِ ، أعوامٌ تمضي ، وأزمنةٌ تنقضي ، وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ ،
أحبتي : بِسُرعَةٍ رهيبةٍ مضى هذا العامُ وانقضى ، فَما أعظمَ ما حَوى ، لأنَّ اللياليَ والأيامُ ، خزائنٌ للأعمالِ ، ومَرَاحِلٌ للأعمارِ، تُبلي الجديدَ ، وتقرِّبُ البعيدَ، أيامٌ تمرُّ، وأعوامٌ تتكرّر، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دروبِ الآخرةِ، فهذا مقبِلٌ وذاكَ مدبرٌ، والكلُّ إلى اللهِ يسيرُ، يقولُ المصطفى r : {كلُّ النَّاسِ يَغدو، فبائعٌ نفسَهُ فَمُعْتِقُها أو مُوبِقُها} فانظرْ في صحائفِ أيّامِكَ التي خلتْ؛ ماذا ادَّخرتَ فيها لآخرتِكَ؟ واخلُ بنفسِكَ وحاسبْها ، فَالرشيدُ الْمُسدَّد ، مَن وقَفَ مع نفسِهِ ، وقفةَ حسابٍ وعتابٍ؛ يُصَحِّحُ مَسِيرتَها ويتداركُ زلَّتَها، يتصفَّحُ في ليلِهِ ، ما صدَرَ من أفعالِ نهارِه ، فإن كان مَحمُوداً أمضاهُ، وإن كان مذموماً استدرَكَهُ ، وانتهَى عن مثلِهِ في المستقبلِ؛ لأنَّه مسافرٌ، سفَرَ من لا يعودُ.
إخواني في الله : كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي هي ، لا يتغير ولا يتبدل عما هو عليه من غفلة وقسوة في القلب.
فإذا كان العام الهجري الجديد ، قالوا : هذا هو العام الهجري الجديد ، ولكن ، أين الجديد من أفعالك وأعمالك ، أين الجديد من أقوالك ؟ ألا يوجد قلب واعي يفكر فيما مضى من العمر .ولا ندري عن صفحة العام المنصرم هل بيضناها بصالح قرباتنا أم سودناها بسوء أعمالنا .
ولا زالت الفرصه أمامنا أن نراجع أنفسنا فلا نضيع تلك الفرصه ، وأن غيري وغيرك قد حُرِموا تلك الفرصه ووسدوا القبور . فاشكر الله على تلك المهله وأعمل فإن الأعمال بالخواتيم . وأعلم أن الشيطان يحرص كل الحرص على تفويت الخير على إبن آدم ويحاول حبسه عن الخير ما أستطاع . فإن إستطاع منع ابن آدم من الخير كله وشغله بالشر . أخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبل المراضي وأمنني وإياك يوم ينادي المنادي وأجعل عواقبنا إلى خير يا رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الواحد القهار ، جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار ، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار ، حكم بفناء هذه الدار ، وأمر بالتزود لدار القرار وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله المصطفى المختار ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار ، وصحبة الأبرار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار. أما بعد
عباد الله : نودع عاماً ونستقبل آخر وأمة الإسلام تزداد جراحها وتعلو أناتها وتتوالى صرخاتها ومخالب أعدائها الفولاذية تنهشها من كل جانب .تعالَوا بنا نتساءل عن أحوال أمتنا خلال العام المنصرم .. فلا تزال مآسي المسلمين مستمرةً في كثير من البقاع .. ما هي أخبار المسجد الأقصى المبارك؟ ما هي أحوال أخواننا في سوريا ؟ ماهي أحوال إخواننا من أهل السنه في إيران والعراق واليمن؟
نسأل الله ان يفرغ على إخواننا صبراً ، وأن ينزل عليهم نصراً ، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
نودع عاماً ونستقبل آخر وفي نسائنا من تسبح في بحار الغفلة وتسير مع رياح الهوى ، وفي شبابنا من تجده بلا " أهداف سامية ولا همم عالية ولا أخلاق غالية ، تجردوا منالعزائم وأُصيبوا بإحباطات وهزائم .
}يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا{
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئتفإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ،والديان لا يموت ، وكما تدين تدان .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، والحبيب المرتضى ، كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا ، فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين ،اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم فارج الهم، كاشف الغم، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، نسألك اللهم رحمة من عندك تغنينا عن رحمة مَن سواك ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين ، اللهم عليك باليهود المعتدين، والصهاينة الغاشمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم طهر مقدسات المسلمين من عبث العابثين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين ، { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ، { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } اللهم اجعل هذا العام الجديد عام خير ونصر وعز للإسلام والمسلمين في كل مكان .
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
عباد الله : فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ مُعْتَبَرًا، وَاتَّخِذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَايَكُونُ لِلْجَنَّةِ مَعْبَرًا؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا مُغِرَّةُ الْأَغْرَارِ،وَإِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ الْقَرَارِ، وَالْجَنَّةَ مُسْتَقَرُّ الْأَخْيَارِ،وَالنَّارَ دَارُ الْفُجَّارِ ﴿أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّاوَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾
أيها المسلمون : فِي نِهَايَةِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ تَذْكِيرٌ لِلنَّاسِ بِدُنْيَاهُمْ،وَدُنُوِّهِمْ مِنْ آجَالِهِمْ، وَاقْتِرَابِ آخِرَتِهِمْ. وَكُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّعَلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ أَنْ يُذَكِّرَهُ بِمَسِيرِهِ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى،وَإِدْبَارِهِ عَنِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْمُوعَةُ أَيَّام ٍيَعِيشُهَا، كُلَّمَا انْقَضَى يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُهُ، حَتَّى إِذَا أَمْضَى أَيَّامَهُ كُلَّهَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَصَارَ جُثَّةً هَامِدَةً.
فإن كل ماضٍ قد يُسترجع إلا العمر المنصرم ، فإنه نقص في الأعمال ، ودنو في الآجال ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَهْبَطَ الْبَشَرَ إِلَى الْأَرْضِ بَيَّنَ أَنَّ مَتَاعَهُمْ فِيهَا مُؤَقَّتٌ، وَلَيْسَ دَائِمًا ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ فَلِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي الدُّنْيَا تَمَتُّعٌ مُدَّةً مَعْلُومَةً، هِيَ حَيَاتُهُ فِيهَا.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ عِبرَةٌ، وَفي تَوَالي الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعمَارِ تَذكِرَةٌ: (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ) قَالَ تَعَالى: (إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وإِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمضِي وَيَنقَضِي، فَإِنَّمَا هُوَ نَقصٌ مِنَ الأَعمَارِ وَدُنُوٌّ مِنَ الآجَالِ، وَالعَجَبُ ممَّن يَفرَحُ بِعَجَلَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ وَتُعجِبُهُ سُرعَةُ انقِضَائِهَا؛ لِيَنَالَ زِيَادَةً في رَاتِبٍ أَو يَعلُوَ دَرَجَةً في وَظِيفَةٍ، وَمَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ بِقَدرِ ذَلِكَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَحزَنَ وَيَخَافَ وَيَتَحَرَّكَ قَلبُهُ، لاقتِرَابِهِ مِن مَصِيرِهِ وَقِيَامِ قِيَامَتِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "القَبرُ أَوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِن نجا مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَيسَرُ، وَإِن لم يَنجُ مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَشَدُّ".
إِنَّ الَّذِينَ رَزَقَهُمُ اللهُ عَمِيقَ التَّفَكُّرِ وَمَنَحَهُم دَقِيقَ التَّأَمُّلِ، وَبَارَكَ لهم في أَسمَاعِهِم وَأَبصَارِهِم وَبَصَائِرِهِم، إِنَّهُم هُمُ الَّذِينَ يُفِيدُونَ مِن مُرُورِ الأَيَّامِ وَيُنَبِّهُهُم تَعَاقُبُ السِّنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَنتَفِعُونَ بِالأَحدَاثِ وَتُحَرِّكُ قُلُوبَهُمُ القَوَارِعُ، وَيَزدَادُونُ بِطُولِ الأَعمَارِ مَعرِفَةً لأَنفُسِهِم وَفَهمًا لِمَا حَولَهُم، وَأَمَّا مَنِ اشتَدَّت غَفلَتُهُ، وَأَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَيَّدَتهُ سَيِّئَتُهُ، فَمَا لَهُ انتِبَاهٌ وَلا مُعتَبَرٌ: (وَمَن لم يَجعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ)
لقد مضى من عمُرِ الزّمنِ عامٌ ، عامٌ كامِلٌ ، تقلّبتْ فيهِ أحوالٌ ، وَفَنَيتْ فِيهِ أَعمارٌ، ونَزَلتْ فيهِ بالأمّةِ نَوازِلُ ، نوازلٌ تَقْضُّ مَضَاجِعَ أولي الألبابِ ، وتَهُزُّ أفئدتَهم، وتُدمى قلوبَهم ، فكم شُرِّدَ من أقوامٍ ، وقُتِلَ آخرين ، وَكَمْ شَقِيَ مِن أُناسٍ ، وسَعِدَ آخرينَ ؟ كمْ طفلٍ قَد تَيتَّمَ ، وكم امرأةٍ قد تَرَمَّلَتْ ، وكَمْ مِنْ مُتأهلٍ قد تأيَّمَ ، وكم من مَريضٍ قد تعافا ، وسليمٍ قد توفى ، وكم من أهلِ بيتٍ شيعوا ميتَهم ، وآخرونَ زَفُّوا عرَائِسَهُم ، دارٌ تَفرَحُ بمولودٍ ، وأُخْرى تُعزَّى بمفقودٍ . وهذه سُنَّةُ الحياةِ ، أعوامٌ تمضي ، وأزمنةٌ تنقضي ، وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ ،
أحبتي : بِسُرعَةٍ رهيبةٍ مضى هذا العامُ وانقضى ، فَما أعظمَ ما حَوى ، لأنَّ اللياليَ والأيامُ ، خزائنٌ للأعمالِ ، ومَرَاحِلٌ للأعمارِ، تُبلي الجديدَ ، وتقرِّبُ البعيدَ، أيامٌ تمرُّ، وأعوامٌ تتكرّر، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دروبِ الآخرةِ، فهذا مقبِلٌ وذاكَ مدبرٌ، والكلُّ إلى اللهِ يسيرُ، يقولُ المصطفى r : {كلُّ النَّاسِ يَغدو، فبائعٌ نفسَهُ فَمُعْتِقُها أو مُوبِقُها} فانظرْ في صحائفِ أيّامِكَ التي خلتْ؛ ماذا ادَّخرتَ فيها لآخرتِكَ؟ واخلُ بنفسِكَ وحاسبْها ، فَالرشيدُ الْمُسدَّد ، مَن وقَفَ مع نفسِهِ ، وقفةَ حسابٍ وعتابٍ؛ يُصَحِّحُ مَسِيرتَها ويتداركُ زلَّتَها، يتصفَّحُ في ليلِهِ ، ما صدَرَ من أفعالِ نهارِه ، فإن كان مَحمُوداً أمضاهُ، وإن كان مذموماً استدرَكَهُ ، وانتهَى عن مثلِهِ في المستقبلِ؛ لأنَّه مسافرٌ، سفَرَ من لا يعودُ.
إخواني في الله : كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي هي ، لا يتغير ولا يتبدل عما هو عليه من غفلة وقسوة في القلب.
فإذا كان العام الهجري الجديد ، قالوا : هذا هو العام الهجري الجديد ، ولكن ، أين الجديد من أفعالك وأعمالك ، أين الجديد من أقوالك ؟ ألا يوجد قلب واعي يفكر فيما مضى من العمر .ولا ندري عن صفحة العام المنصرم هل بيضناها بصالح قرباتنا أم سودناها بسوء أعمالنا .
ولا زالت الفرصه أمامنا أن نراجع أنفسنا فلا نضيع تلك الفرصه ، وأن غيري وغيرك قد حُرِموا تلك الفرصه ووسدوا القبور . فاشكر الله على تلك المهله وأعمل فإن الأعمال بالخواتيم . وأعلم أن الشيطان يحرص كل الحرص على تفويت الخير على إبن آدم ويحاول حبسه عن الخير ما أستطاع . فإن إستطاع منع ابن آدم من الخير كله وشغله بالشر . أخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبل المراضي وأمنني وإياك يوم ينادي المنادي وأجعل عواقبنا إلى خير يا رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الواحد القهار ، جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار ، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار ، حكم بفناء هذه الدار ، وأمر بالتزود لدار القرار وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله المصطفى المختار ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار ، وصحبة الأبرار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار. أما بعد
عباد الله : نودع عاماً ونستقبل آخر وأمة الإسلام تزداد جراحها وتعلو أناتها وتتوالى صرخاتها ومخالب أعدائها الفولاذية تنهشها من كل جانب .تعالَوا بنا نتساءل عن أحوال أمتنا خلال العام المنصرم .. فلا تزال مآسي المسلمين مستمرةً في كثير من البقاع .. ما هي أخبار المسجد الأقصى المبارك؟ ما هي أحوال أخواننا في سوريا ؟ ماهي أحوال إخواننا من أهل السنه في إيران والعراق واليمن؟
نسأل الله ان يفرغ على إخواننا صبراً ، وأن ينزل عليهم نصراً ، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
نودع عاماً ونستقبل آخر وفي نسائنا من تسبح في بحار الغفلة وتسير مع رياح الهوى ، وفي شبابنا من تجده بلا " أهداف سامية ولا همم عالية ولا أخلاق غالية ، تجردوا منالعزائم وأُصيبوا بإحباطات وهزائم .
}يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا{
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئتفإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ،والديان لا يموت ، وكما تدين تدان .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، والحبيب المرتضى ، كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا ، فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين ،اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم فارج الهم، كاشف الغم، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، نسألك اللهم رحمة من عندك تغنينا عن رحمة مَن سواك ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين ، اللهم عليك باليهود المعتدين، والصهاينة الغاشمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم طهر مقدسات المسلمين من عبث العابثين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين ، { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ، { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } اللهم اجعل هذا العام الجديد عام خير ونصر وعز للإسلام والمسلمين في كل مكان .
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
المشاهدات 2775 | التعليقات 2
جزاك الله خير أخي زياد الريسي وفقك الله لكل خير .
وأتشرف بإنضمامي في في هذا المنتدى المبارك الذي أسأل الله أن يكتب لكم الأجر والمثوبه على كل ما تبذلونه.
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
موعظة بليغة بحق تأخذ بتلابيب القلوب نفع الله بك شيخ أبا شهد ونود أن ترسل إلينا باسمك حتى يعدل لقبك لخطيب فإن لم تكن هذه صياغة خطيب وبراعته فماذا يا ترى ؟!كتب ربي أجرك ومثل هذا الحضور شرف وخير ومنفعة للمنتدى.
تعديل التعليق