نهاية الظلمة
علي السالم
1432/11/22 - 2011/10/20 18:00PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ...
فلقد أمر الله سبحانه بالعدل فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [ النحل:90] ، وقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ النساء : 58 ] .
وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل وبين فضل من يعدل بين الناس ، ففي الصحيحين أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : - وذكر منهم - إمام عادل " ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور ، عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما ولوا " .
عليك بالعدل إن وليت مملكة واحذر من الجور فيها غاية الحذر
فالعدل يبقيه أني احتل من بلد والجور يفنيه في بدو وفي حضر
وحرم سبحانه الظلم ورتب عليه العذاب في الآخرة فقال سبحانه : ( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ إبراهيم : 22] ، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " ، وحرم رسول صلى الله عليه وسلم الظلم في صحيح مسلم : ( عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبـــه يدعو عليك وعين الله لم تنـــم
أيها الأخوة ... من سنن الله تعالى الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل إن الظلم لا يدوم ، وأن للظالم نهاية ، وأن الله سبحانه يمهل ولا يهمل ، في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يملي للظالم ، فإذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) " .
ومن تأمل قصص القرآن فإنه يجد كيف أن الله تعالى أهلك الطغاة الظالمين الذين ظلموا وطغوا وتجبروا واستكبروا ، فكانت نهايتهم الخاتمة السيئة ، فهذا فرعون ، ادعى الربوبية وكان يقول لقومه : أنا ربكم الأعلى ، وما علمت لكم من إله غيره ، طغى وتجبر واستكبر فماذا كان مصيره ، يقول سبحانه : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ . فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) [ القصص :39- 40] ، وقال سبحانه : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ يونس : 90] .
ولا تعجل على أحد بظلم فإن الظلم مرتعه وخيم
وهذا قارون ، ظلم وتجبر واستكبر وبغى على قومه وطغى ، بما أوتيه من الأموال العظيمة المطغية ، حتى أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها ، فقَالَ لَهُ قَوْمُهُ ناصحين له محذرين له عن الطغيان : ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) أي : لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة ، وتفتخر بها ، وتلهيك عن الآخرة ، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها ، المنكبين على محبتها ، وقالوا له : ( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ) بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه ، والاشتغال بالنعم عن المنعم ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) بل يعاقبهم على ذلك أشد العقوبة .
فـقَالَ لهم قارون رادا لنصيحتهم ، كافرا بنعمة ربه : ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) ، فماذا فعل الله به ؟
خَرَجَ ذات يوم ( فِي زِينَتِهِ ) أي : بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه ، قد كان له من الأموال ما كان ، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه ، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة ، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وفخرها، فرمقته في تلك الحالة العيون ، وملأت بِزَّتُهُ القلوب ، واختلبت زينته النفوس ، فانقسم فيه الناظرون قسمين ، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة ، قسم قال : ( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، وقسم قال : ( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) ، فماذا كانت نهايته ؟
ذكر ذلك سبحانه بقوله : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) ، لما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازَّيَّنَت الدنيا عنده ، وكثر بها إعجابه ، بغته العذاب جزاء من جنس عمله ، فكما رفع نفسه على عباد اللّه ، أنزله اللّه أسفل سافلين، هو وما اغتر به ، من داره وأثاثه ، ومتاعه ، فصار هلاك قارون عقوبة له ، وعبرة وموعظة لغيره ، وهكذا تكون نهاية الظالمين .
نهاية الظالم سوء الخاتمة في الدنيا ، خسف وهلاك ودمار وذلة ومهانه ، أما في الآخرة فالعذاب الأليم ، والجحيم المقيم ، خالدا مخلدا فيها جزاء وفاقا .
أما والله إن الظلـــــــــــم لؤم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـــي وعند الله تجتمع الخصــــوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غدا عند الإله من الملــــــوم
الظالم يفقد حسناته يوم القيامة بحسب ظلمه للناس في الحياة الدنيا ، في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ثم طرح في النار " .
أيها الأخوة ... هذا هو الظلم ، وهذه هي نهاية الظالمين ، وما من ظالم إلا سيهلكه الله تعالى ولو بعد حين .
ولكن كيف ينظر المسلم إلى هذه المسألة ، وكيف ينظر إلى هذه السنة الكونية الثابتة في زمان ومكان ؟
تكون نظرته بالاعتبار والتفكر ، والحذر من الظلم ، ظلم النفس بالمعاصي ، وظلم الغير بالقتل أو أكل أموالهم بالباطل ، أو بالسب والشتم .
أيها الأخوة ... إن تسلط الظلمة على الشعوب ابتلاء من الله تعالى ، نسأل الله تعالى أن يخلص الأمة من الظلمة والطغاة ، وسببه انتشار المعاصي صغيرها وكبيرها ، قال الألوسي في تفسيره عند قول الله تعالى : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) : إن الرعية إذا كانوا ظالمين سلط الله تعالى عليهم ظالما مثلهم .
وفي تفسير القرطبي عند هذه الآية عن ابن عباس قال : إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ولي أمرهم شرارهم .
العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين .
ما مِن يَد إلا يدُ الله فوقها ولا ظالم إلا سَيُبلى بظالم
إن الطريق الصحيح لإقامة العدل في المجتمعات هو إقامة العدل مع النفس أولا بنهيها عن الهوى ، بنهيها عن المعاصي : من الشرك بالله والبدع المحدثة ، من معاصي القلب ، ومعاصي اللسان ، ومعاصي الجوارح ، من ترك الصلاة والزكاة ، من أكل الربا وأكل أموال الناس بالباطل ، من الغش والخداع في المعاملات ، من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم ، من ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم الاستقامة على هذا الدين العظيم بتطبيق أوامر الله سبحانه ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والالتزام بطاعة الله ورسوله ، وتقديمها على كل طاعة دون تردد ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) [ الأحزاب :36] ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الحجرات:1] ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) [ النور :51-52 ] .
إن النصر والعزة والرفعة لهذه الأمة إنما تكون بنصرة الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [ محمد :7 ] ، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 55] .
إن النصر للشعوب على الطغاة والظلمة لا يأتي من الكفار أعداء الله تعالى ، إنما النصر من الله وحده ، ولا يكون النصر من الله سبحانه حتى ينصره العباد بطاعته والبعد عن معصيته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما ذلك على الله بعزيز.
منقول
فلقد أمر الله سبحانه بالعدل فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [ النحل:90] ، وقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ النساء : 58 ] .
وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل وبين فضل من يعدل بين الناس ، ففي الصحيحين أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : - وذكر منهم - إمام عادل " ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور ، عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما ولوا " .
عليك بالعدل إن وليت مملكة واحذر من الجور فيها غاية الحذر
فالعدل يبقيه أني احتل من بلد والجور يفنيه في بدو وفي حضر
وحرم سبحانه الظلم ورتب عليه العذاب في الآخرة فقال سبحانه : ( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ إبراهيم : 22] ، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " ، وحرم رسول صلى الله عليه وسلم الظلم في صحيح مسلم : ( عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبـــه يدعو عليك وعين الله لم تنـــم
أيها الأخوة ... من سنن الله تعالى الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل إن الظلم لا يدوم ، وأن للظالم نهاية ، وأن الله سبحانه يمهل ولا يهمل ، في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يملي للظالم ، فإذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) " .
ومن تأمل قصص القرآن فإنه يجد كيف أن الله تعالى أهلك الطغاة الظالمين الذين ظلموا وطغوا وتجبروا واستكبروا ، فكانت نهايتهم الخاتمة السيئة ، فهذا فرعون ، ادعى الربوبية وكان يقول لقومه : أنا ربكم الأعلى ، وما علمت لكم من إله غيره ، طغى وتجبر واستكبر فماذا كان مصيره ، يقول سبحانه : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ . فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) [ القصص :39- 40] ، وقال سبحانه : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ يونس : 90] .
ولا تعجل على أحد بظلم فإن الظلم مرتعه وخيم
وهذا قارون ، ظلم وتجبر واستكبر وبغى على قومه وطغى ، بما أوتيه من الأموال العظيمة المطغية ، حتى أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها ، فقَالَ لَهُ قَوْمُهُ ناصحين له محذرين له عن الطغيان : ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) أي : لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة ، وتفتخر بها ، وتلهيك عن الآخرة ، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها ، المنكبين على محبتها ، وقالوا له : ( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ) بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه ، والاشتغال بالنعم عن المنعم ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) بل يعاقبهم على ذلك أشد العقوبة .
فـقَالَ لهم قارون رادا لنصيحتهم ، كافرا بنعمة ربه : ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) ، فماذا فعل الله به ؟
خَرَجَ ذات يوم ( فِي زِينَتِهِ ) أي : بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه ، قد كان له من الأموال ما كان ، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه ، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة ، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وفخرها، فرمقته في تلك الحالة العيون ، وملأت بِزَّتُهُ القلوب ، واختلبت زينته النفوس ، فانقسم فيه الناظرون قسمين ، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة ، قسم قال : ( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، وقسم قال : ( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) ، فماذا كانت نهايته ؟
ذكر ذلك سبحانه بقوله : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) ، لما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازَّيَّنَت الدنيا عنده ، وكثر بها إعجابه ، بغته العذاب جزاء من جنس عمله ، فكما رفع نفسه على عباد اللّه ، أنزله اللّه أسفل سافلين، هو وما اغتر به ، من داره وأثاثه ، ومتاعه ، فصار هلاك قارون عقوبة له ، وعبرة وموعظة لغيره ، وهكذا تكون نهاية الظالمين .
نهاية الظالم سوء الخاتمة في الدنيا ، خسف وهلاك ودمار وذلة ومهانه ، أما في الآخرة فالعذاب الأليم ، والجحيم المقيم ، خالدا مخلدا فيها جزاء وفاقا .
أما والله إن الظلـــــــــــم لؤم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـــي وعند الله تجتمع الخصــــوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غدا عند الإله من الملــــــوم
الظالم يفقد حسناته يوم القيامة بحسب ظلمه للناس في الحياة الدنيا ، في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ثم طرح في النار " .
أيها الأخوة ... هذا هو الظلم ، وهذه هي نهاية الظالمين ، وما من ظالم إلا سيهلكه الله تعالى ولو بعد حين .
ولكن كيف ينظر المسلم إلى هذه المسألة ، وكيف ينظر إلى هذه السنة الكونية الثابتة في زمان ومكان ؟
تكون نظرته بالاعتبار والتفكر ، والحذر من الظلم ، ظلم النفس بالمعاصي ، وظلم الغير بالقتل أو أكل أموالهم بالباطل ، أو بالسب والشتم .
أيها الأخوة ... إن تسلط الظلمة على الشعوب ابتلاء من الله تعالى ، نسأل الله تعالى أن يخلص الأمة من الظلمة والطغاة ، وسببه انتشار المعاصي صغيرها وكبيرها ، قال الألوسي في تفسيره عند قول الله تعالى : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) : إن الرعية إذا كانوا ظالمين سلط الله تعالى عليهم ظالما مثلهم .
وفي تفسير القرطبي عند هذه الآية عن ابن عباس قال : إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ولي أمرهم شرارهم .
العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين .
ما مِن يَد إلا يدُ الله فوقها ولا ظالم إلا سَيُبلى بظالم
إن الطريق الصحيح لإقامة العدل في المجتمعات هو إقامة العدل مع النفس أولا بنهيها عن الهوى ، بنهيها عن المعاصي : من الشرك بالله والبدع المحدثة ، من معاصي القلب ، ومعاصي اللسان ، ومعاصي الجوارح ، من ترك الصلاة والزكاة ، من أكل الربا وأكل أموال الناس بالباطل ، من الغش والخداع في المعاملات ، من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم ، من ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم الاستقامة على هذا الدين العظيم بتطبيق أوامر الله سبحانه ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والالتزام بطاعة الله ورسوله ، وتقديمها على كل طاعة دون تردد ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) [ الأحزاب :36] ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الحجرات:1] ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) [ النور :51-52 ] .
إن النصر والعزة والرفعة لهذه الأمة إنما تكون بنصرة الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [ محمد :7 ] ، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 55] .
إن النصر للشعوب على الطغاة والظلمة لا يأتي من الكفار أعداء الله تعالى ، إنما النصر من الله وحده ، ولا يكون النصر من الله سبحانه حتى ينصره العباد بطاعته والبعد عن معصيته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما ذلك على الله بعزيز.
منقول
المشاهدات 4547 | التعليقات 5
جزاك الله خير ونفع بك
خطبة جميلة بارك الله فيك
بارك الله فيك ، ستكون خطبة اليوم بإذن الله تعالى..
وفقك الله وبارك في الجميع .
كذلك خطبتي اليوم بإذن الله ، ستكون بعنوان:
نهاية الطُّغاة ومشروعية الفرح بهلاكهم
علي السالم
الخطبة على ملف وورد
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/1/9/4/نهاية%20الظلمة.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/1/9/4/نهاية%20الظلمة.doc
تعديل التعليق