نفحات شهر رمضان ووصايا في استقباله

فيصل التميمي
1436/08/25 - 2015/06/12 05:32AM
نفحات شهر رمضان ووصايا في استقباله 25/8/1436هـ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، فبعد أيام قلائل يُهلُ علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة، ولياليه الوضاءة، ونظامه الفريد.
هو من فضل الله -سبحانه وتعالى- على هذه الأمة؛ لما فيه من الفضائل والمزايا، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخلَ رمضان فُتِّحت أبوابُ السماء، وغُلِّقت أبوابُ جهنم، وسُلسِلَت الشياطين".
فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، فتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتتنزل الرحمات وتغفر الزلات، ويجزل الله فيها العطايا والهبات، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه.
أيها المسلمون: رمضان ميدان للعمل الصالح فسيح، وسوق للآخرة كبير، وأرباحه لمن أصلح مضمونة، والأعمال فيه محفوظة، فصيامه قربة وفريضة، والصوم من أجلِّ الأعمال الصالحة؛ إذ يَدَعُ الصائمُ شهوته لله تعالى، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّومَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ". رواه الشيخان. وقَالَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". متفق عليه.
وفيه الصدقة، وَقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ".
ومن الصدقة: إطعام الطعام، وسقي الماء، وقد جاء في الحديث (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ).
وهو شهر القرآن بنص القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ) [البقرة:185]، وكان جبريل -عليه السلام- يدارس فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآنَ كلَّ ليلة؛ ما يدل على خصوصية قراءة القرآن فيه على غيره. ولهذا كان السلف الصالح من أهل العلم إذا دخل رمضان أقبلوا على تلاوة القران وختمه وتدبره، وتركوا غيره من كتب الحديث والفقه وسائر الكتب .
وفي ليلهِ تعجُّ مساجدُ المسلمينَ في مشارقِ الأرض ومغاربها بالصلاة وقراءةِ القرآن والذكر، يصلون التراويحَ ويذكرون اللهَ قياماً وقعودا. ولقيام رمضانَ ميزة على سائر ليالي العام؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". رواه الشيخان.
ومن صلَّى مع الإمام حتى ينصرفَ كُتِب له قيامُ ليلة كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
وفي رمضان ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه كما جاء في الحديث.
والعمرة في رمضان ليست كالعمرة في غيره؛ إذ تعدل العمرة فيه حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكل هذه الأعمال الكبيرةِ بأجورها العظيمةِ لتدلُ على أنَّ شهر رمضان ميدان للعمل الصالح، وموسماً يفيض الله فيه على عباده من فضله ورحمته وعفوه ومغفرته، فلا يضيعه إلا خاسر محروم، ولا يفرط فيه إلا مسوف مشؤوم، فخذوا أنفسكم فيه أيها المؤمنون بالعزيمة واستقبلوه بخير ما تستقبلُ به المواسم الكريمة، وأروا الله تعالى فيه من أنفسكم خيرًا، اعمروه بأعمال الإحسان والمسابقة في الطاعات والقربات، واجتنبوا مجالس اللهو والغفلة ومتابعة الشاشات، فإنها تسرق أوقاتكم وأعمالكم، وتأكل حسناتكم كما تأكل النار الحطب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد:فاتقوا الله -عباد الله- وتأسوا بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- في عنايته بهذا الشهر الكريم ، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذا جاء رمضان استعد له، لا بالمآكل والمشارب، بل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء، فإذا هو -مع ربه- العبدُ الطائعُ والمنيبُ الخاشعُ ومع عباده الرسولُ السخيُّ الجوادُ الكريمُ. ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحذروا آفة الإسراف والتبذير في شراء الأطعمة وإعداد الموائد العظيمة عند الإفطار فهذا مناف للسنة وفيه بَطر للنِّعْمَةَ، وقد قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) ألا فاتقو الله تعالى واقتصروا على ما يكفيكم، وإن زاد فتفقدوا من حولكم من المحتاجين وإياكم وكفران النعمة برميها أو اهانتها، قال جل وعلا: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).
عباد الله.. وما نقرأه من تسابق أهل قنوات الفساد والشر في اعداد برامج ومواد تتنافى مع حرمة وفضيلة هذا الشهر الكريم شهر التوبة والمغفرة يجعلنا نستشعر بجلاء قول الله تعالى (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).. وهنا نذكر عملاً سار عليه أحدُ الموفقينَ في استقبالهِ لشهرِ رمضان وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ مَا يُقَارِبُ عِشْرِينَ عاماً، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أُعْلِنَ دُخُولُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَمَدَ إِلَى جَمِيعِ الشَّاشَاتِ فِي مَنْزِلِهِ فَقَلَبَهَا نَاحِيَةَ الْجدار؛ لِئَلَّا يَضِيعَ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فِي مُشَاهَدَةِ أَيِّ بَرْنَامَجٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَأَلِفَ أَوْلَادُهُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَمَا يَدْخُلُ شهرُ رَمَضَان إِلَّا وَتَسَابَقُوا إِلَى الشَّاشَاتِ يَقْلِبُونَهَا، وَقد زَارَهُمْ مَنْ زَارَهُمْ خِلَالَ رَمَضَانَاتٍ سَابِقَةٍ وَاقْتَبَسُوا هَذِهِ الْفِكْرَةَ مِنْهُمْ فَعَمِلُوا بِهَا، فَكَسَبُوا أَجْرَهُمْ مَعَ أُجُورِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ بِأَنَّهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ يُحِسُّونَ بِطَعْمٍ عَجِيبٍ لِرَمَضَانَ بِلَا شَاشَاتٍ وَلَا وَسَائِلَ إِعْلَامٍ.
فيا أيها المؤمنون: أروا الله من أنفسكم خيرًا، أروه من أنفسكم الخير والبر والتقوى والعمل الصالح. وأعدّوا أنفسكم للتخلق بأخلاق هذا الشهر الكريم ، والاستفادة من حِكمه وأسراره وألطافه.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أنْ يبلغنا شهر رمضان شهر الرحمات والخيرات لا فاقدين ولا مفقودين وأن يوفقنا لصيامه وقيامه إيماناً واحتساباً .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
المشاهدات 2370 | التعليقات 0