نعمة وأي نعمة!

شايع بن محمد الغبيشي
1445/10/14 - 2024/04/23 00:45AM

نعمة وأي نعمة!

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشر الأنبياء وخاتم المرسلين لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}([1])

عباد الله يصدح المؤذن كل يوم خمس مرات فيهرع المسلم إلى بيت الله ليتصل بربه ويروي قلبه ونفسه من معين الأيمان ويُنوّر فؤاده وسائر جوارحه، يتقلب العبد في صنوف النعم، ينعم بصنوف الأطعمة حتى يحتار ماذا يتغدى اليوم وماذا يتعشى؟ من وفرة النعم وكثرتها، فبلدي { يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ }، نتجول ونسافر في أمن وراحة دون خوف من شيء إلا من الله، المال والبيت والعرض في حفظ وسلامة، لم يبت واحداً منا ليلة واحدة في خوف على شيء منها، نعم يا عباد الله نتقلب في نعم عظيمة نعبد ربنا وننعم بصحة أبداننا قلب مطمئن وعين قريرة، وعيش رغيد ومال وعرض محفوظان مصونان، فلله الحمد والمنة، كل هذه النعم لا معنى لها إذا فقدت نعمة واحدة، فلن ننعم بعد فقدها بذكر وصلاة ولن نتمتع بطعام وشراب ولن يجد الغمض إلى الواحد منا سبيلاً، ولن نأمن على مال وعرض وأي حياة أشقى من هذه الحياة!

تُرى ما هذه النعمة؟

إنها نعمة الأمن يا عباد الله وهذا يفسر عناية أبينا إبراهيم عليه السلام بهذه النعمة فها هو يلهج إلى ربه أن يهب للبلد الحرام نعمة الأمن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }([2]) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا عظم هذه النعمة فيقول: «من أصبح منكم معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه ابن ماجه وحسنه الألباني

فنعمة الأمن يا عباد الله من أجل النعم وأعظمها ومن نظر في أحول بلاد المسلمين من حوله أدرك ذلك.

عبد الله تابع الأخبار ترى الشتات والدمار وتفرق الأسر وضياع الأموال والأعراض ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اسأل الله الحي القيوم أن يمنّ على بلاد المسلمين بالأمن والاستقرار والرخاء

إننا عباد الله في المملكة العربية السعودية ننعم بأمن لا مثيل له، ولذا علينا أن نحمد الله عز وجل على هذه النعمة ونلهج له ليل نهار أن يحفظ لنا أمننا ويديمه علينا، وأن نفتش عن أسباب استباب الأمن وزيادته فنحافظ عليها ونتمسك ها.

عباد الله من الذي يهب الأمن لعباده؟ من الذي يحفظه عليهم؟ من الذي يبدل الخوف أمناً؟

إنه الله عز وجل يهب الأمن لمن يشاء من عباده وينزعه ممن يشاء من عباده تأملوا هذه النصوص قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}([3])

وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}([4])

فالله جل وعلى واهب الأمن والله سبحانه حافظ الأمن والله سبحانه يبدل الخوف أمنا فعلينا عباد أن نلهج لربنا بالشكر الجزيل على هذه النعمة العظيمة وأن نلتمس رضى ربنا عز وجل ونتجنب مساخطه وعلينا أن نفعل الأسباب التي تحفظ علينا أمننا واستقرارنا ومنها:

اولاً: الإيمان بالله وتوحيده والحذر من الشرك قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}([5]) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " رواه البخاري فاحمدوا الله عباد الله على نعمة التوحيد والسلامة من الشرك فلله الحمد والمنة

ثانياً: الاستكثار من الأعمال الصالحة قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}([6])

ثالثاً: اجتماع الكلمة والائتلاف والبعد الفرقة والتحزب والفرقة والاختلاف داء خطير إذا أصابت مجتمعاً من المجتمعات كان مصيره الفشل والبوار، وحل به عقاب الله وسخطه، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([7])

وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظمت وصية النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة، فعن عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ» رواه الترمذي وصححه الألباني.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله ومن أعظم أسباب حفظ الأمن واستدامته عباد الله:

رابعاً: طاعة ولي الأمر في غير معصية الله { {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}([8])وعبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم .

خامساً: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قال تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }([9]) وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» رواه الترمذي وحسنه الألباني

سادساً : الحذر من فشوا المعاصي والفسوق وظهور المنكرات قال تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» رواه البخاري.

سابعاً: الحذر من بطر النعمة وكفرانها والتبذير بكل صوره قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}([10]) وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}([11])

عباد الله قد ضرب الله لنا في كتابه مثلاً لقوم تقلبوا في صنوف النعم فكفروا بنعم الله فتأملوا وصف القرآن لحالهم ومصيرهم والعياذ بالله قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}([12])  فاشكروا عباد الله ربكم على ما أولاكم من النعم وأياكم وكفرانها واعتبروا بمن حولكم من البلدان كيف كانوا بالأمس؟! وكيف هم الآن؟! وتأملوا قول ربكم:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}([13]) اللهم احفظ علينا إيماننا وتوحيدنا وأمننا واستقرارنا يا حي يا قيوم.

 



([1]) [آل عمران: 102]
([2]) [إبراهيم: 35]
([3]) [القصص: 57]
([4]) [قريش: 3، 4]
([5]) [الأنعام: 82]
([6]) [النور: 55]
([7]) [الأنفال: 46]
([8]) [النساء: 59]
([9]) [الحج: 41]
([10])  [القصص: 58]
([11]) [النحل: 112]
([12])[سبأ: 15 - 22]
([13])  [الرعد: 11]

المرفقات

1713822311_نعمة وأي نعمة.pdf

1713822313_نعمة وأي نعمة.docx

المشاهدات 787 | التعليقات 0