نعمة هذا الدين- صور من انحطاط الغرب- حالنا مع القرآن (قصص وعِبَر) 9-9-1436

أحمد بن ناصر الطيار
1436/09/06 - 2015/06/23 02:44AM
الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيءٍ وهدى للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله الملكُ الحقُّ المبين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد, فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنَّ هذا الدين نعمةٌ عظيمةٌ علينا, هذّب أخلاقنا, ونظّم حياتَنا, ولا يستطيع أحدُنا أنْ يتخيّل حالَنا بدونه, سنُصبح مثل تلك الأمم التي لا همّ لها إلا شهواتُها, ولا هدف لها في حياتها إلا تلبيةُ رغباتها وغرائزِها, يَفْتَقِدُون الَّلذة الروحيّة الإيمانيّة, وتسودُ بينهمُ القطيعةُ والأنانيّة, بل ولا يأمن الرجلُ على أعراض بناته وزوجته وأهله, بين عشيّةٍ وضحاها يُفجع بمن يَفْجُرُ بأحدهم.

ذكرتْ أشهرُ صحيفةٍ بريطانيّةٍ الشهر الماضي, أنّ حالات الاغتصاب في بريطانيا وحدها, في عامٍ واحد فقط, وصل إلى أكثر من ثمانين ألفِ حالة, وأما التحرش فقد تجاوز أربعَ مائةِ ألفِ حالةٍ.
هذا ما تمّ الكشف عنه, وما خَفِيَ أعظم وأكثر.
وتأملوا بأنه اغتصابٌ وتحرش, وهذا لا يكون إلا بقهرٍ وإذلال, أما الزنى برضى الطرفين, فلا يكاد يخلو منه أحدٌ منهم إلا المسلمون.

لقد سمعنا من المبتعثين إلى هناك أمورًا لا تخطر على بال, وقد ذكروا أنّ التنزه في نهاية الأسبوع محفوفةٌ بالمخاطر؛ لأنّ أيام الْعُطَلِ تعني عندهم, التفرغ للشهوات والإباحيّة والخمر, مِمَّا يُعرض المبتعثين لِلْأَخطار والمتاعب.
فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمةِ الدين, والحمد لله الذي جعله دينًا مُوافقًا للعقل والفطرة, لا كهنوت ولا خرافاتَ فيه.

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى, أنه قيل لبعض الأعراب – وقد أسلم-, لَمَّا عرف دعوته عليه الصلاة والسلام، عن أي شيء أسلمت؟ وما رأيت منه مما دلك على أنه رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به، ولا أحل شيئا فقال العقل ليته حرمه، ولا حرم شيئا فقال العقل ليته أباحه.
وصدق الله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
معاشر الصائمين: إنّ من أعظم دلائل إعجاز هذا الدين, هذا القرآن العظيم, الذي هو كلام ربّ العالمين.
إنَّ القلوبَ الحيّةَ تهتزّ عند سماعه, وتَطْرَبُ الآذان الصاغيةُ عند تلاوته, بل إنّ كثيرًا من الكفار عرف منزلته, وأذعن لإعجازه, فهذا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ, الذي كان من أعظم الصَّادين عن الدين والإسلام, ومن أعظم الكفار عنادًا وكفرًا, جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا.
قَالَ: لِمَ ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ.
قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا.
قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ.
قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ ؟ فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُهُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوَ وَلَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ.
قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ.
قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ.
فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: هَذَا سِحْرٌ يُؤْثِرُ, يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ, فَنَزَلَتْ: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}.

ولم يتجرأ أنْ يستخرج منه خطأً لُغَوِيًّا أو بلاغيًّا أو غيرَ ذلك, وإنما لجأ إلى الإنكار والْجحد, وهي حيلة الجبان الضعيف.
أَتَى بِكِتَابٍ أَعْجَزَ الخلقَ لَفْظُهُ ... فَكلُّ بَلِيْغ عُذْرُهُ صَارَ أَبْكَمَا
تَحَدَّى بِهِ أَهْلَ البلاغَةِ كُلَّهم ... فلم يَفْتَحوا فِيْمَا يُعَارِضُهُ فَمَا
حَوَى كُلَّ بُرهَانٍ عَلى كُل مَطْلَب ... وَيَعْرِفُ هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَفْهَمَا

هذا القرآن الكريم, مَحفوظٌ بحفظ الله تعالى له, منذ أنْ تكلّم به ربّ العزة والجلالة إلى وقتنا, لم يتغيّر منه حرفٌ واحد.

بل إنه قاد كثيرًا من الكفار إلى الإيمان به, حينما تأملوا فيه وفي بلاغته وإعجازِه, وفيما يأمرهم وينهاهم.

ذكر القرطبيُّ رحمه الله في تفسيره بسنده, عن يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قال: دَخَلَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ, حَسَنُ الثَّوْبِ, حَسَنُ الْوَجْهِ, طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فتكلم فأحسن الكلام والعبارة, فلما انتهى الْمَجْلِسُ وخرج الناسُ, دَعَاهُ الْمَأْمُونُ فَقَالَ لَهُ: إِسْرَائِيلِيٌّ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَلَ بِكَ وَأَصْنَعَ، وَوَعَدَهُ.
فَقَالَ: دِينِي وَدِينُ آبَائِي! فأبى أنْ يُسلم وَانْصَرَفَ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ جَاءَنَا مُسْلِمًا، فَتَكَلَّمَ في الْفِقْهِ فَأَحْسَنَ الْكَلَامَ، فَلَمَّا انتهى الْمَجْلِسُ وخرج الناسُ, دَعَاهُ الْمَأْمُونُ وَقَالَ: أَلَسْتَ صَاحِبَنَا بِالْأَمْسِ؟ قَالَ لَهُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا كَانَ سَبَبُ إِسْلَامِكَ؟ قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ حَضْرَتِكَ, فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت مع ما تراني حسنُ الْخَطِّ، فَعَمَدْتُ إِلَى التَّوْرَاةِ, فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْبِيَعَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وعمدت إلى الإنجيل, فكتبتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْكَنِيسَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْتُ إِلَى الْقُرْآنِ, فَعَمِلْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ وَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْوَرَّاقِينَ فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ, رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا، فَعَلِمْتُ أَنَّ هَذَا كِتَابٌ مَحْفُوظٌ، فَكَانَ هَذَا سَبَبُ إِسْلَامِي. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: فَحَجَجْتُ تِلْكَ السَّنَةَ, فَلَقِيتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لِي: مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ قُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ قَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ:" بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ"، فَجَعَلَ حِفْظَهُ إِلَيْهِمْ فَضَاعَ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ" فَحَفِظَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ. ا.هـ


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}


نسأل الله تعالى أنْ يجعل القرآن ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وذهاب أحزاننا وهمومنا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدِ الأنام, وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام, أما بعد.
معاشر المسلمين:
إنّ هذا القرآن هو شفاءٌ من أمراض القلوب والحيرة والأحزان. قال تعالى: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وهو شفاءٌ من أمراض السحر والعين وغيرها.
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وهو لذّةٌ وأُنسٌ لقارئه وحافظه.
ولذا تجد أهلَ القرآن من أسعد الناس, ويجدون لذةً عجيبةً في قيامهم الليل.
قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: والله ما رجل خَلَى بأهله عروساً, أقرَّ ما كانتْ نفسُه وآنسَ ما كان, بأشدَّ سروراً منهم بمناجاته إذا خلوا به.
وكان ثابت البناني رحمه الله يقوم الليل ويقول: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل.

فلْنحرص على تلاوته في هذا الشهر الْمُبارك, وعلى تدبّرِ معانيه, والعمل بأوامره والكفّ عن نواهيه.

إنّ الذي لم يذق حلاوته لم يذق الحلاوةِ الحقّة, ومن لم يستمدّ منه سعادته فلن يجدها في غيرِه.

نسأل الله تعالى أنْ يُعيننا على صيامِ رمضان وقيامِه, وأنْ يُوفقنا لِتلاوةِ وتدبّر كتابِه, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
المشاهدات 2617 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا