نعمة تطبيق الحدود الشرعية في المفسدين في الأرض

عايد القزلان التميمي
1443/08/15 - 2022/03/18 04:58AM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71][1].
أما بعد فيا أيها المؤمنون : لم يعد خافياً على أحد حجم الخطر الذي يشكله الفكر التكفيري الداعشي الضال المنحرف على المجتمعات والذي يتبع منهج الخوارج وما يحمله من أفكار عدوانية على الأمن والاستقرار، والإفساد في الأرض  ,
وقد قال ربنا عن هذه الفئة وأمثالها الذين يَسْعَون بالفسادِ في الأرض، ويَدَّعون مع ذلك أنهم مُصلِحون(( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)) وقال ربنا ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا ).
وقد ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ بأنَّ الخوارِجَ مَعْنِيُّونَ بذلك. ومَنْ تأَمَّلَ حالَهُم وأفعالَهم، عَرَفَ ذلك، بَلْ إنهم أخْطَرُ مِن غَيْرِهِم، لِأَنَّهُم يَلْبَسُونَ لِباسَ الدّينِ، وَلأنَّ غَيْرَهُمْ إذا عُرِضَ عَلَيه السَّيْفُ، كَفَّ عن فِعْلَتِه، وأما الخَوَارِجُ فإنهم يَقْتُلُون أَنْفسَهُم وغَيْرَهُم، بَلْ ويَقْتُلُونَ أَقْرَبَ الناسِ إلَيْهِمْ في سبيلِ عقيدتِهِم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في شَأْنِهِم:  (( لَإنْ أدْرَكتُهُم لَأَقْتُلَنَّهُم قَتْلَ عاد ))    
وقال أيضاً: (( طُوبَى لِمَن قَتَلَهُم أَوْ قَتَلُوه)).
ولقد بيَّن لنا رسولنا شيئًا من صفاتهم حيث قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ، أحْداثُ الأسْنانِ، سُفَهاءُ الأحْلامِ، يقولونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فإنَّ في قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَن قَتَلَهُمْ يَومَ القِيامَةِ.))؛ رواه البخاري، ومسلم.
عباد الله : ولا يزال المسلم في عافيةٍ من أمره ما لم يُصِب دمًا حراما ، فإن أصاب دمًا حراما وقع في مصيبة عظيمة ؛ روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» ؛ وقال الله - تعالى -: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
وقال صلى الله عليه وسلم-: (( اجتنبوا السبع الموبقات "، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).
عباد الله والدماء أمرها خطير ؛ فإن من قتل نفسًا واحدة معصومةً محرمة فقد وقع في أعظم ورطة ،
جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا؛ سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» ؛
فإنَّ من سفك الدم الحرام بغير حلِّه ورَّط نفسه ورطةً عظيمة لا مخرج له منها بخلاف سائر الذنوب ؛ فمن سرق -على سبيل المثال- له مخرج بأن يكتسب مالًا ويعمل على إعادة الأموال إلى أهلها طالبًا منهم العفو والمسامحة ، وقُل مثل ذلك في سائر الذنوب ، بينما من قتل نفسًا محرمةً معصومة فإنه يكون بذلك قد أزهق نفس من قتله وانتهت حياته ولم يبقَ إلا القصاص ،
ففي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال : «يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ قَتَلَنِي هَذَا» أي أنه يطلب القصاص .
عباد الله وقتل الأنفس المعصومة من المواطنين و المقيمين ورجال الأمن جريمة عظيمة ومن الإفساد في الأرض ، وجريمة نكراء وفعلة شنعاء لا يقرها كتاب ولا سنة ، بل هي مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومخالِفةٌ لإجماع العلماء ، بل هي مخالفة للفطرة السوية والعقل السليم. وللزجرِ عن هذه الجريمةِ الكبيرةِ العظيمة، شَرَعَ اللهُ القِصاص من الجاني، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾
وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (حَدٌّ يُعْمَلُ بهِ في الأرضِ، خيرٌ لأهلِ الأرضِ منْ أنْ يُمْطَرُوا أربعينَ صَبَاحاً) رواه ابنُ ماجه وحسَّنه الألباني. وقال تعالى في شحذ عزائم المؤمنين لإقامة حدود الله على المعتدين، وعدم الاستسلام للعاطفة: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].
عباد الله : إن الواجب على المسلم ولاسيما مع تزايد الفتن أن يكون معظِّما للنصوص محترمًا لها قائمًا بتحقيقها خوفًا من الله ومراقبةً له جل في علاه ؛ فإن لم يكن كذلك تخطَّفته شبهات أهل الباطل ومسالك أهل الضلال وزيَّنوا له الإجرام وحسَّنوا له الآثام وهوَّنوا من شأن إراقة الدماء .
ونعوذ بالله العظيم من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ونسأله جلَّ في علاه أن يحفظ على المسلمين أينما كانوا أمنهم وإيمانهم وإسلامهم وسلامتهم .
بارك الله ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله منزل القرآن ومبين الأحكام من حلال وحرام، وحرم قتل النفس إلا بحقها، وشرع الحدود والقصاص حماية لها، وجعل جريمة الاعتداء عليها اعتداء على البشرية حيث قال{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}
وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، لم يقبل عذرا من حبه وابن حبه أسامة بن زيد حينما قتل أعرابيا نطق بلا إله إلا الله، وكان عليه الصلاة والسلام كلما راجعه زيد بأن الأعرابي قال ذلك خوفا من السيف يقول له عليه الصلاة والسلام: ((فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)) قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: ((وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)) قال: فجعل لا يزيده إلا أن يقول: ((فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)).
أما بعد فيا عباد الله وَلَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلى هذه البِلادِ بِنِعْمَةِ الإسلامِ وللهِ الحَمْدِ، وتَحْكِيمِ شَرْعِ اللهِ، وتَنْفِيذِ حُكْمِ اللهِ ( القصاص ) عَلى الْمارِقِينَ مِن الفِئَةِ الضَّالَّةِ وَرَثَةِ الخَوارِجِ، بِما اسْتَحَلُّوهُ مِن سَفْكِ الدَّمِ الحَرامِ وَقَتْلِ الأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ، والدَّعْوَةِ إلى الخُرُوجِ عَلى وُلاةِ الأَمْرِ، وزَعْزَعِة الأَمْنِ وتَرْوِيعِ الآمِنِينَ، وتَعْريضِ مَصالِحِ وَطَنِهِم ومُدَّخَراتِهِ لِلْخَرابِ.
وصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ( إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ).
وقال سبحانه (( َوسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )) .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
المرفقات

1647580025_نعمة تطبيق الحدود الشرعية في المفسدين في الأرض.docx

المشاهدات 700 | التعليقات 0