نعمة المطــــر

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته فأنشأ بها سحابًا ثقالاً وكان ذلك على الله يسيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وكان الله على كل شيء قديراً، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة وأدى الأمة ونصح الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... ما أجْمَلَ زَخاتِ المطر.. حين تسقي الأرضَ العطشى.. وتملأ المزارعَ والمساربَ والدُّروبَ.. بِخَيرِها وبَرَكتِها!
إنَّ الماءَ نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ الله علينا، فهو أساسُ الحياةِ ( وجَعَلْنا من الماءِ كلَّ شيءٍ حي ) وقد امتنَّ الله بالماءِ على عبادِه، فقال جلَّ جلاله ( قل أرأيتم إنْ أصبحَ ماؤكم غَوْراً فمن يأتيكم بماءٍ مَعِين ) وقد سَمَّى القرآنُ الغيثَ رحمةً، لأنه تعالى يذكر نِعَمَه على خلقِه في إرسالِه الرياحَ مُبشِّراتٍ بين يدي رَحْمته بمجيء الغيث عَقِبَها ( ولِيُذِيقَكم مِن رَحْمَتِه ) أي المطر الذي ينزله؛ فيحيي به العِبادَ والبلاد ( وترى الأرضَ هامِدةً فإذا أنزلْنا عليها الماءَ اهتزَّتْ ورَبَتْ وأنبَتَتْ من كلِّ زَوجٍ بَهِيج ) قَطراتُ المطرِ تنهملُ من السماء؛ لِتَنشرَ البَهجةَ والسعادةَ والفرحَ والسُّرورَ.
عباد الله ... ما أحسنَ وقعَ الآياتِ على القلوب.. حين تُبصِرُ تَمثُّلَ القرآنِ في الآفاقِ والأنفُس.. فهي أشْبَهُ في آثارِها وثِمارِها.. بتدفُّقِ الأمطارِ على الأشجارِ والبساتين والأزهار.
إنَّ قُلُوبَنا بدون ماءِ الوحي أشْبَهُ بالأرضِ المجدِبة والصحراءِ القاحلة، حتى إذا سُقِيَت قلوبُنا بالقُرآنِ والسُّنة؛ أيْنَعَتْ وأزْهَرَت وأثْمَرَت! وصارت مثلَ الحدائقِ الغَنَّاء، والبَساتين الفَيْحاء!
وقد ضَربَ القرآنُ المثلَ بالمطرِ.. على بعثِ الحياةِ في الأرضِ الهامدة والبلدة الميتة، فقال جلَّ جلالُه ( والله أنزلَ من السماءِ ماءً فأحيا به الأرضَ بعد مَوتِها إنَّ في ذلك لآيةً لقومٍ يسمعون ) وقد جعلَ الله عزَّ وجلَّ انبعاثَ النباتِ من الأرض المواتِ عند المطر دليلا على بَعثِ الناسِ بعد الموت، كما قال تعالى ( ونَزَّلْنا مِن السماءِ ماءً مُبارَكاً فأنبَتْنا به جناتٍ وحَبَّ الحصيد والنخلَ باسقاتٍ لها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً للعِباد وأحْيَيْنا به بَلدَةً مَيْتاً كذلك الخروج ) .
وتأملوا في قوله تعالى ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي فإذا أنزل الله عليها المطر (اهتزت) أي تحركت بالنبات وحَيِيَت بعد موتها، (ورَبت) أي ارتفعت لما سكن فيها الثرى؛ ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفُنونِ مِن ثِمارٍ وزُرُوعٍ وأشتاتِ النباتات في اختلافِ ألوانِها وطُعُومِها وروائحِها وأشكالِها ومَنافعِها؛ ولهذا قال ( وأنبتَتْ مِن كلِّ زَوجٍ بَهِيج ) أي حسن المنظر طيِّب الريح، ثم قال ( ذلك بأنَّ الله هو الحقُّ) أي الخالقُ المدبِّرُ الفعَّال لِما يشاء ( وأنه يحيى الموتى ) أي كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع ( إنَّ الذي أحياها لَمُحْيِي الموتى إنه على كلِّ شيءٍ قدير ).
فعَجباً.. لِعَبدٍ لا يُذكِّرُه نزولُ المطرِ برحمةِ الله البالغةِ في بعثِ الحياة من الماءِ! ولا يدفعُه ذلك إلى اليقين بالبعث بعد الموت ( وإنْ تَعجَبْ فعَجَبٌ قولُهم أئذا كنَّا تُراباً أئنا لَفِي خَلْقٍ جديد ) إنَّ الله تعالى دلَّهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض؛ فجعلَ إحياءَ الأرضِ بعد موتِها نظيرَ إحياءِ الأمواتِ، وإخراجَ النباتِ منها نظيرَ إخراجِهم من القُبور، ودلَّ بالنظيرِ على نَظيرِه، وجعلَ ذلك آية عظيمة، كما قال ( ومن آياته ) أي على قُدرتِه على إعادةِ الموتى ( أنك ترى الأرضَ خاشِعةً ) أي هامدة لا نبات فيها؛ بل هي ميتة ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) أي أخرجَت من جميعِ ألوانِ الزروعِ والثمار ( إنَّ الذي أحياها لَمُحيِي الموتى إنه على كلِّ شيءٍ قَدير ) .
وقد مثَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم استجابة الناسِ لهديه صلى الله عليه وسلم باستجابةِ الأرضِ للماء، فقال صلى الله عليه وسلم ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثلِ الغيثِ الكثير أصاب أرضاً؛ فكان منها نقيّةٌ قَبِلَت الماء؛ فأنبَتَت الكلأ والعُشبَ الكثير، وكانت منها أجادِبُ أمْسَكَت الماء؛ فنَفعَ الله بها الناس: فشربوا وسقَوا وزرعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنما هي قِيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تُنبت كَلأً. فذلك مَثلُ مَن فقُهَ في دِينِ الله ونَفعَه ما بَعَثَنِي الله به؛ فعَلِم وعَلَّم، ومَثلُ مَن لم يَرفَعْ بذلك رأساً؛ ولم يَقبَلْ هُدى الله الذي أُرسِلْتُ به )
فالمطرُ حياةٌ للأرضِ والنباتِ والعقولِ والقلوبِ المتفكِّرة في خلقِ السموات والأرضِ والمتأملة في نعمة المطر! وتأمل ذلك في سنوات الجفاف والقحط حين ييبس النبات وتموت الأشجار ويهلك الحيوان ويظمأ الإنسان ويُهرَعُ الناس إلى صلوات الاستسقاء يدعون ربَّهم خوفاً وطمعًا ويرفعون أيديَهم يرجون رحمتَه ويخافون عذابَه يسألون الله أن يرسل عليهم الغيث، ولا يجعلهم من الآيسين القانطين!
لا خيرَ في العيشِ لي مِن بعدِ فُرقتِهم والروضُ ليس بِمُستغــــــــــــــــــــــنٍ عن المطر
أقول ما تسمعون، ,استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله كما أمر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، السادة الغرر، وسلم تسليما كثيرا ما رأت عين وامتد نظر.
معاشر المؤمنين ... إننا - والله - بحاجة لشكر الله عز وجل في كل وقت وفي كل حين، وعلى كل نعمة ينعم بها الله جل جلاله، وخاصة في هذه الأيام، فمن واجب الله علينا أن نشكره، فقد سقى البلاد والعباد، وأنزل هذا الماء الذي جعله سبب حياتنا، فمنه نشرب، ومنه نسقي حرثنا وأشجارنا، ومنه وبسببه ينمو الزرع ويدر الضرع بإذن الله تعالى.
إننا إذا لم نشكر الله على نعمة المطر، فإننا لن ننتفع منه، أسمعوها صريحة: إننا إذا لم نشكر الله على نعمة المطر، فإننا لن ننتفع منه، بل سوف يجعله الله أجاجا غير صالح للاستعمال ( أَفَرَءيْتُمُ الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ) ومعنى أجاجا أي مالحا لا ينتفع به.
والذي نفسي بيده ... فإن الله قادر أن يجعله أجاجا مالحا، لا ينبت زرعا، ولا يسقي إنسانا، ولا ينتفع به حيوان ولا غيره، يستطيع الله، أن يجعل هذا الماء بعيدا، لا أحد يستطيع الوصول إليه ( قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ ).
فلنشكر الله - يا عباد الله - نشكره على هذه النعمة التي خصنا بها وأنزلها رحمة بنا. وليكن شكرنا شكرا حقيقيا، نشكره بألسنتنا، ونشكره بأعمالنا، أليس هو القائل ( اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ ) ولنحذر من كفران النعم، فإن النعم إذا شكرت زادت ودامت ونفع الله بها، وأما إذا كفرت فإنها تزول وتنتهي، نسأل الله السلامة. فالله الله يا عباد الله، اجعلوا ألسنتكم تلهج بشكر الله، وجوارحكم تعمل بطاعة الله شكرا لله.
واعلموا – عباد الله – أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال ( اللهم صيبًا نافعًا ) ويقول أيضًا ( اللهم صيبًا هنيئًا وثبت عنه أيضًا أنه يقول ( مطرنا بفضل الله ورحمته ) كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يكشف عن بعض بدنه ليصيبه المطر، ويقول ( إنه حديث عهد بربه ) واعلموا أن وقت نزول المطر وقت إجابة الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر)
اسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته إنه سميع مجيب. اللهم أيقضنا من رقدة الغافلين، وأغثنا بالإيمان واليقين. واجعلنا من عبادك الصالحين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله ... صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...
المشاهدات 2832 | التعليقات 1

خطبة رائعة شيخ إبراهيم زاد فضلك وجزيت الجنة