نعمة الماء-شكرها والحذر من الإسراف فيها

محمد بن عبدالله التميمي
1442/08/19 - 2021/04/01 10:58AM

الحمد لله الوهاب، الغفور التواب، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وأشهد أن محمد رسول الله العبد الشكور، صلى الله عليه وعلى الآل والصحب وكل تابع صبور، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله عز وجل، تقوى عبدٍ وَجِل، يبادر بصالح العمل، حلول الأجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

عباد الله.. خلق جميع الدواب التي على وجه الأرض مادتها كلها الماء {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}، وجعل الله من الماء النازل من السماء إلى الأرض كل شيء من حيوان أو نبات {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، ويذكّر اللهُ عبادَه نعمته عليهم بالماء العذْب الذي منه يشربون، وأنهم لولا أن الله يسره وسهله، لما كان لكم سبيل إليه. {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}، وهذا الماء النازل بمنّه سبحانه هو سبب صنوف كثيرة من الطعام {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً *وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}.

وذلك بما يُنبت الله من الماء النازل الباقي على وجه الأرض، وما يُسكِنُ في بطن الأرض  {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ } {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}

وهذا المطر في غاية الطهورية والنقاء وبه الحياة والهناء {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} وفي إنزال المطر على أرض دون أخر عبرة {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} ليذَّكر الذين أنزلنا عليهم المطر نعمة الله عليهم، فيشكروا له، وليذَّكر الذين مُنِعوا منه، فيسارعوا بالتوبة إلى الله -جل وعلا- ليرحمهم ويَسْقيَهم {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً}.

عباد الله ومن تصريف هذا المطر أن يكون لقوم رحمة ولآخرين عذاب، كما عذب الله قوم نوح عليه السلام {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}، ولما رأى مَن بعدَهم وهم قومُ عاد لم يعتبروا { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} فاعبدوا ربكم واشكروا نعمه واحذروا نقمته، بارك الله لي ولكم في الآيات المتلوات، ونفعني وإياكم بما فيها من العِبَر والهدايات، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله باري البريات، جزيل الهبات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد اختُص بأفضل الرسالات وخاتم النبوات، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فإن الإيمان والتقوى جالبة للبركات من السماء ومخرجة لبركات الأرض {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ومِن الإيمان والتقوى شكر المولى، وذلك للنعم ومنها الماء يحفظ، ولها يزيد {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}

وشكر نعمة الماء بنسبتها لله وحمدِه عليه والثناءِ عليه بها، وطلبِ حفظها وبقائها، وإنَّ مما يُضْعِفُ شكرها تَيَسُّرُ حصولِها، وقد كان وحتى في هذا الزمان من يعاني في تحصيل الماء الذي يشرب، بالغُدوّ للآبار بالقِرَب، وهو على الله متوكل، وله سائل أن يُنعم عليه بالماء، وليس كحال الأكثرين منا يشعر بضمان ديمومة الماء {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فاللهَ اللهَ بالحث على المحافظة عليه، وتجنب الإسراف فيه، واقتدوا بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- فقد " كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد"، والحذرَ الحذرَ من مجانبة ما يحبه الله بالإسراف، فالله -سبحانه وتعالى- لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين.

المرفقات

1617274717_نعمة الماء-شكرها والحذر من الإسراف فيها.pdf

المشاهدات 1656 | التعليقات 0