نعمة العقـل
أ.د عبدالله الطيار
نعمة العقل
الحمد لله الذي وهب من شاء عقولاً راشدة قادتهم إلى كل خير ومنعتهم من الوقوع فيما فيه ضرر عليهم وعلى غيرهم وأشهد أن لا إله إلا الله جعل مناط التكليف في الإنسان عقله فمتى زال العقل سقط عنه التكاليف وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أكملُ الناس عقلاً وأرجحُهم رأياً وأكثرهُم فكراً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستعملوا عقولكم فيما يوصلكم إلى مرضات الله، فالعقل دليل التائهين ومرشد الحائرين وغنى الفقراء وسلوةُ المحزونين ودليل الناصحين.
عباد الله لقد قسم الله العقول بين عباده كما قسم الأرزاق فسعيد مغتبط بعقله وشقي معذب يهديه عقله إلى كل شر.
إن العقل من أعظم النعم على العبد فإذا تم العقل تم معه كل شيء وإذا ذهب العقل ذهب معه كل شيء فهو عنوان الرشاد وعمود السعادة.
عباد الله قابلت رجلاً كان له عقل راجح يوجه ويعلم حريص على نفسه وعلى من حوله وبعد سنوات تغير الرجل وأصبح شيئاً آخر عقله أدنى من عقل الطفل ولما دار مع أحد أولاده حديث حولهُ أخبرني بتغير أحواله وقال أنه يزداد سوءاً يوماً بعد آخر فقلت سبحان الله كيف يتحول الإنسان من القمة إلى القاع إذا ضيع عقله واستعمله في غير ما ينفع.
إنه العقل أيها المؤمنون ذلك المخلوق العجيب وتلك الآية العظيمة التي تدل على عظمة الخالق.
ألا ترون ما توصل إليه العقل البشري من إبداع واختراع، ألا ترون هذه المركوبات الهائلة من السيارات والطائرات والبواخر، ألا ترون تلك الأسلحة الفتاكة، ألا ترون تلك التقنية العجيبة من الأجهزة الأوتوماتيكية لقد أبدعتها عقول البشر وصنعتها أيديهم وهذا والله من أعظم الأدلة على التوحيد فإذا كان البشر توصلوا إلى مثل هذه المخترعات فكيف بمن أبدعهم وخلقهم وأقدرهم أليس هو المستحق للعبودية وحده دون سواه، بلى والله.
وصدق الله: [وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير](الملك).
الدين لا يكمل إلا بالعقل ولا يزين الحياء إلا بالعقل فهما تابعان له وإذا اجتمعت هذه الثلاثة فهي سر السعادة في الدنيا والآخرة.
وإذا حرم العقل من الدين فهو وبال على صاحبه يهديه إلى مهاوي الردى وصدق الله العظيم: [إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ](الأنفال).
أليس الكفار لهم عقول وقلوب لكنها لا تنفعهم قال تعالى: [أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا](الفرقان).
عباد الله كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه إذا كثر غلا ولذا سئل كثير من التابعين عن أفضل ما أعطي العبد فأجابوا العقل تطلب به الآخرة.
وصدق الله العظيم: [أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ](الرعد).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي مَّيز بين عباده بالعقول وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن العاقل حافظ لدينه حارس لشرفه مكرم لنفسه وقد جاء في الحكمة حق على العاقل أن يكون له أربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يناجي فيها ربه وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصْدُقونه عن نفسه وساعة يخلَّى فيها بين نفسه ولذاتها فيما يحل ويجمل فهذه الساعة عون له لهذه الساعات الثلاث قبلها.
وجاء عن بعض التابعين: (أن الشيطان لم يكابد شيئاً أشد عليه من مؤمن عاقل وأن مائة جاهل أسهل على الشيطان من مؤمن عاقل).
وقال بعض الحكماء: (يعرف العاقل بخصال منها أنه يحلم عمن ظلمه ويتواضع لمن هو مثله ويسابق بالبر من هو فوقه وإذا رأى باب فرصة انتهزها يتدبر ثم يتكلم وإذا عرضت له فتنة اعتصم بالله ثم تنكبها).
عباد الله العاقل يعلم أن الحياة الدنيا دار ممر وأن الآخرة دار مقر فلا يبالي بما فاته من حطام الدنيا ويحزن إذا فاته شيء من أبواب الخير الموصلة إلى الدار الآخرة.
وصدق الله: [وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ](الأنعام).
قال بعض الحكماء: (ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة وركب البهائم من شهوة بلا عقل وركب ابن آدم من كليهما فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم).
إن العقل نعمة عظيمة يجب على من أوتيه أن يشكر الله عليها شكراً عملياً بأن يحافظ على العقل مما يكدر صفوه ويطمس نوره ويفسد صلاحه إنه أمانة عظيمة يجب حفظها والعناية بها وحراستها من الشهوات والشبهات.
عباد الله علينا جميعاً أن تتعاون على حراسة العقل من الأفكار الضالة التي تهدم الدين وتضيع العقل وتزين الجريمة والفساد وصدق الله: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ](المائدة).
اللهم متعنا بعقولنا واجعلها دليلاً لنا إلى رضاك وجنتك يا أرحم الراحمين.
هذا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله في كتابه فقال جل من قائل عليماً [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا](الأحزاب). اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.