نعمة الظل-4-11-1443ه-مستفادة من خطبة الشيخ Abosaleh75

محمد محمد
1443/11/04 - 2022/06/03 05:15AM

نعمة الظل-4-11-1443ه-مستفادة من خطبة الشيخ Abosaleh75

الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُ ربُنا ويرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ عليه وآلِه وأصحابِه، أما بعدُ:

 (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

مع شدةِ وهجِ الشمسِ ولهيبِ الحرِ، تعظمُ حاجةُ البشرِ لكلِ شيءٍ يخففُ عنهم ويحتمونَ به منهما، ومن ذلك ما أكرمَ اللهُ عبادَه به من نعمةِ الظلِّ، وهو آيةٌ من آياتِ اللهِ-تعالى-العظيمةِ، وخلقٌ من خلقِه الدالِ على توحيدِه، وقدرتِه، وتصريفِه، خلقَ اللهُ الظلَّ وأتقنَه، إنْ شاءَ مدَّه وإنْ شاءَ سكَّنه: (ألَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً*ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا).

الظلُ نعمةٌ يغفُلُ عنها كثيرٌ من الناسِ، فذكَّرَهم اللهُ بها فقالَ-سبحانه-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ).

والظلُ خاضعٌ للهِ، قالَ-سبحانه-: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).

قالَ القرطبيُ-رحمه اللهُ تعالى-: "وظلالـُهم بالغدوِ والآصالِ أي ظلالُ الخلقِ ساجدةٌ للهِ-تعالى-بالغدوِ-بعدَ الشروقِ-والآصالِ-قبلَ الغروبِ-؛ لأنها تبينُ في هذينِ الوقتينِ، وتميلُ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، وذلك تصريفُ اللهِ إياها على ما يشاءُ".

أيها المباركُ: إنَّ منْ أعظمِ نعمِ اللهِ عليك في الدنيا أنْ تجدَ ظلًا باردًا ممتدًا، تـحتمي بهِ من حرِ الشمسِ الشديدِ، وتهناُ فيه بعيشٍ رغيدٍ، لكنَّ تمامَ النعمةِ وعظيمَ الإكرامِ يكونُ حين تدنُو الشَّمسُ يومَ القيامةَ من الخَلْقِ، حتى تَكُونَ منهم كَمِقْدَارِ ميلٍ، على أرضٍ قاعٍ صفصفٍ-مستويةٍ-، لا أكنانَ فيها ولا ظِلالَ، فيخصُ اللهُ أقوامًا بظلِه، فأكرمْ بذاك المقامِ والمستظلينَ به، قالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، وقالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-:"إنَّ اللَّهَ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي؟ اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي"، وقالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "مَن نَفَّسَ عن غَريمِه أو مَحا عنه كانَ في ظِلِّ العَرشِ يومَ القِيامةِ"، دَعوةٌ للأغْنياءِ والدائنينَ ليُيَسِّروا على المُعْسِرينَ، ويُخَفِّفوا عنهم مَذلَّةَ الدُّيونِ.

وقالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ"، وكان أبُو مرثدٍ -رحمه اللهُ تعالى، وهو أحدُ رواةِ الحديثِ-لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، فتصدقْ ولو بشيءٍ يسيرٍ؛ لتستظلَ بظلِه في ذلكَ اليومِ العسيرِ.

فطوبى لعبدٍ رضيَ اللهُ عنه وقبلَ صدقتَه، فأظلَّه بها والناسُ يعرقونَ.

ولما وصفَ اللهُ لعبادِه الجنةَ ليُرغِبَهم فيها جعلَ الظلَّ من أصنافِ نعيمِها، فقالَ-سبحانَه-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)، وقال: (وَأَصحَـبُ الیَمِینِ مَا أَصحَـبُ الیَمِینِ*في سِدرࣲ مخضودࣲ*وطلحࣲ مَّنضُودࣲ*وَظِلࣲّ ممدودࣲ)، وقال:(هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)،  وأنعمَ فيها على أبصارِهم فـــــــ (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا*وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا) وقالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "إنَّ في الجنةِ لشجرةً يسيرُ الراكبُ في ظلّها مئةَ عامٍ لا يقطعُها واقرأوا إن شئتُم: (وظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ)"، وحينَ وصفَ اللهُ النارَ ليُحَذِّرَهم منها جعلَ الظِلَّ من أنواعِ جحيمِها فقالَ-سبحانه وتعالى-: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ*فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ*وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ*لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)، وقالَ: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ*لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ).

 فسبحانَ من جعلَ الظلَّ في الدنيا نعمةً يستظلُ به العبادُ من حرِ الشمسِ ولهيبِها، وأكرمَ به منْ شاءَ يومَ القيامةَ فجعلَه نعيمًا في الجنةِ لأهلِها، وعذّبَ به من شاءَ فجعلَه عذابًا في النارِ لأهلِها.

الخطبة الثانية

 اللهمُ لكَ الحمدُ حتى ترضى، أما بعدُ:

 فإنـَّما نشعرُ بهِ من شِدَّةِ الحرِ وزيادتِه في هذهِ الأيامِ،  إنـَّما هو نَفَسٌ من أنفاسِ جهنمَ-أجارنا اللهُ وإياكم والمسلمينَ منها-قال النبيُ-عليه وآلِه الصلاة والسلام-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".

وإنَّ المؤمنَ صاحبَ القلبِ الحيِّ ليتذكرُ بهذا الحرِ حرَّ الموقفِ يومَ القيامةِ، وحرَ نارِ جهنَّمَ، فيقي نفسَه منه، بتقوى اللهِ: بالعملِ بطاعةِ اللهِ، على نورِ من اللهِ، يريدُ ثوابَ اللهِ، والبعدِ عن معصيةِ اللهِ، على نورِ من اللهِ، يخاف عقابَ اللهِ.

إخواني: ما أجملَ أنْ يتذكرَّ المسلمُ خلقَ اللهِ وإخوانَه المسلمينَ، فيخففَ عنهم في الحرِ بعضَ ما يجدونَ، فيوفرَ الماءَ للعمالِ والمحتاجينَ، ويسقي الدوابَ والطيورَ، قال النبيُ-عليه وآلِه الصلاة والسلام-: "أفضلُ الصدقةِ سقيُ الماءِ"، وما أحسنَ سدَادَ فواتيرِ المحتاجينَ، ممن لا يستطيعونَ السدادَ فقطُعتْ عنهم الكهرباءُ، وما أرقى توفيرَ أجهزةِ تكييفٍ أو تبريدٍ لهم، أو صيانتَها إنْ وُجِدتْ عندهم، ولو تفقدَّ كلُّ جارٍ مقتدرٍ جيرانَه لاستغنى الفقراءُ والمحتاجونَ.

فأكثروا من فعلِ الخيرِ وإن قلَّ، قال النبيُ-عليه وآلِه الصلاة والسلام-: "ولَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أحَدُكُمْ يَومَ يَلْقَاهُ، وليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ له، فَلَيَقُولَنَّ له: ألَمْ أبْعَثْ إلَيْكَ رَسولًا فيُبَلِّغَكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فيَقولُ: ألَمْ أُعْطِكَ مَالًا وأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عن يَمِينِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ، ويَنْظُرُ عن يَسَارِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ، قَالَ النبيُ-صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم إني أسألُك لي وللمسلمينَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ عَلى الرُّشدِ، وشُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عبادتِكَ، ولِسانًا صَادقًا، وقَلبًا سليمًا، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، يا مصرفَ القلوبِ ومقلِبَها ثبتْ قلوبنا على دينِك وطاعتِك.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1654233306_نعمة الظل-4-11-1443ه-مستفادة من خطبة الشيخ Abosaleh75.docx

1654233307_نعمة الظل-4-11-1443ه-مستفادة من خطبة الشيخ Abosaleh75.pdf

المشاهدات 942 | التعليقات 0