( نعمة التوفيق للعمل الصالح )

مبارك العشوان 1
1445/10/02 - 2024/04/11 23:47PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران 102

عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ؛ رَابِعِ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ فَلْنَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى وَلْنَشْكُرْهُ؛ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ، وَلْنَسْأَلْهُ تَعَالَى القَبُولَ.

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي خَتْمِ آيَةِ الصِّيَامِ: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[البقرة 185]

يَقُولُ الطَّبَرِيُّ ( رَحِمَهُ اللهُ ): يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلِتَشْكُرُوا اللهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ  وَتَيْسِيرِ مَا لَوْ شَاءَ عُسِّرَ عَلَيْكُمْ. ا هـ

التَّوفِيقُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ؛ نِعْمَةٌ لَا يُدْرِكُهَا أَحَدٌ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَلَا بِذَكَائِهِ وَحِكْمَتِهِ.

مَنِ اهْتَدَى فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي هَدَاهُ وَيَسَّرَ الهُدْى لَهُ.

مَنِ اسْتَقَامَ عَلَى دِينِ اللهِ؛ وَثَبَتَ عَلَيهِ؛ فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي ثَبَّتَهُ؛ مَنْ صَلَّى، وَمَنْ زَكَّى، وَمَنْ صَامَ؛ وَمَنْ حَجَّ، وَمَنْ تَصَدَّقَ، وَمَنْ لَازَمَ ذِكْرَ اللهِ، وَمَنْ بَرَّ بِوَالِدَيهِ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَأَحْسَنَ إِلَى عِبَادِ اللهِ؛ فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ، وَأَعَانَهُ، وَيَسَّرَ ذَلِكَ لَهُ.

مَنْ آمَنَ وَأَحَبَّ الإِيمَانَ؛ فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَبَّبَهُ لَهُ.

مَنْ كَرِهَ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ؛ فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي كَرَّهَهُ لَهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ؛ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[ الحجرات 7- 8 ]  

عِبَادَ اللهِ: إِنَّنَا أَحْوَجَ مَا نَكُونُ إِلَى شُكْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى نِعْمَةِ الهِدَايَةِ وَالتَّوفِيقِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَأَحْوَجَ مَا نَكُونُ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةِ دُعَائِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ وَيُعِينَنَا عَلَيْهَا، وَيُجَنِّبَنَا مَعْصِيَتَهُ وَيَعْصِمَنَا مِنْهَا، وَأَنْ لَا يَكِلَنَا إِلَى  أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَينٍ.

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ أَنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ أَنْ لَا يَكِلَكَ اللَّهُ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنَّ الْخِذْلَانَ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ.... وَيَقُولُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَالخِذْلَانُ: أَنْ يُخَلِّيَ اللّهُ تَعَالَى بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَيَكِلَهُ إِلَيْهَا، وَالتّْوْفِيقَ ضِدُّهُ، أَنْ لَا يَدَعَهُ وَنَفْسَهُ، وَلَا يَكِلَهُ إِلَيْهَا... [ إِلَى أَنْ قَالَ ] فَمَنْ خَلَّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، فَقَدْ هَلَكَ كُلَّ الهَلَاكِ... ) الخ

وَمِنَ الأَدْعِيَةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْفَظَهَا وَيُحَافِظَ عَلَيْهَا مَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ حِينَ قَالَ لَهُ: ( يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لَأُحِبُّكَ ) فَقَالَ: ( أُوْصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) [رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني ]

وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ يَسَّرَ لَهُمْ سُبُلَ كَسْبِ الحَسَنَاتِ، وَتَحْصِيلَ الأُجُورِ العَظِيمَةِ بِالأَعْمَالِ اليَسِيرَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ  كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

وَهَذَا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - مَغْنَمٌ عَظِيمٌ، وَفُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ فَلَا تُضَيِّعُوهَا.

مَنْ كَانَ عَلَيهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيُبَادِرْ بِهِ، ثمَّ لْيَشْرَعْ فِي صِيَامِ السِّتِّ.

وَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا مُتَتَابِعَةً؛ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا مُتَفَرِّقَةً.

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصُومَهَا كُلَّ عَامٍ، إِلَّا أَنَّهَا تَنْبَغِي المُبَادَرَةُ لِلصَّالِحَاتِ وَالاسْتِمْرَارُ عَلَيهَا.

وَفَّقَ اللهُ الجَمِيعَ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

المرفقات

1712868388_( نعمة التوفيق للعمل الصالح ).pdf

1712868418_( نعمة التوفيق للعمل الصالح ).docx

المشاهدات 1112 | التعليقات 0