نِعْمَةُ التَّوحِيدِ وَالأَمْنِ وَوَحْدَةِ الصَّفِ

مبارك العشوان 1
1445/03/06 - 2023/09/21 11:57AM

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران 102]

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [ إبراهيم  34 ]

نِعَمُ اللهِ تَعَالَى عَلَى العِبَادِ لَا تُحْصَى؛ وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَأَجَلِّهَا نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرِار.

نِعْمَةُ الأَمْنِ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ؛ يَومَ أَنْ يَأمَنَ المَرْءُ عَلَى دِينِهِ  يَومَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعِرْضِهِ وَعَقْلِهِ وَمَالِهِ.

مَعَ الْأَمْنِ يَهْنَأُ النَّاسُ بِعَيْشِهِمْ، وَيَتَّجِهُونَ لِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَتَفَرَّغُونَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ.

عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ إِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِ الأَمْنِ لِلْأَشْخَاصِ وَالمُجْتَمَعَاتِ وَالدُّوَلِ؛ إِلَّا بِدِينِ الإِسْلَامِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ، لَا طَرِيقَ إِلَى الكَرَامَةِ وَالعِزِّ، وَلَا أمَلَ فِي التَّمْكِينِ وَالنَّصْرِ، وَلَا وِقَايَةَ مِنَ العُقُوبَاتِ؛ إلَّا بِالرُّجُوعِ حَقَّ الرُّجُوعِ إِلَى الدِّينِ، إلَّا بِالتَّسْلِيْمِ التَّامِّ لَهُ، إِلَّا بِالعَضِّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَيهِ، وَالعَمَلِ بِتَعَالِيمِهِ، وَتَحْكِيمِهِ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ حَالَ العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ عَرَفَ ذَلِكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الأنفال26.  

الأَمْنُ نِعْمَةٌ؛ وَحَقُّ النِّعَمِ أنْ تُشْكَرَ؛ وَإِذَا شَكَرَ العِبَادُ رَبَّهُمْ جَلَّ وَعَلَا عَلَى نِعَمِهِ؛ أَدَامَهَا عَلَيْهِمْ، وَزَادَهُمْ أَمْنًا وَاسْتِقْرَارًا، وَطُمَأْنِينَةً، وَإِنْ جَحَدُوهَا وَتَنَكَّرُوا لِمُعْطِيهَا جَلَّ وَعَلَا، وَبَدَّلُوا نِعْمَتَهُ كُفْرًا، وَبَارَزُوهُ بِالمَعَاصِي؛ حَلَّتْ بِهِمْ نِقَمُهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَزَلَتْ بِهِمُ النَّوَازِلُ، وَاخْتَلَّ أَمْنُهُمْ، وَأُحِيطَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ؛ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الوَاعِظُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112

عِبَادَ اللهِ: مَنْ حَقَّقَ الإِيْمَانَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَبَذَ صَغِيرَ الشِّرْكِ وَكَبِيرَهِ،  وَلَمْ يَخْلِطْ إِيْمَانَهُ بِشِرْكٍ فَهُوَ الآمِنُ المُهْتَدِي: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } الأنعام82

مَنْ حَقَّقَ إِيْمَانَهُ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ؛ فَهُوَ المَوعُودُ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ المُتَوَعَّدُ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ؛ قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور55 .

عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا أنَّ الإيمَانَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ يُحَقِّقَانِ الأمْنَ مِنْ مَخَاوِفِ الدُّنْيَا؛ فَكَذَلِكَ يُحَقِّقَانِ الأمْنَ مِنْ مَخَاوِفِ الآخِرَةِ وَأهْوَالِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30

جَعَلَني اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ الآمِنِينَ، وَوَفَّقَنَا لِلُزُومِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالثَّبَاتِ عَلَيهِ حَتَّى نَلْقَاهُ.

وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ -  أنَّ مِنْ أَعْظَمِ مُقَوِّمَاتِ الأمْنِ: اجْتِمَاعُ الكَلِمَةِ، وَالِالْتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ، وَطَاعَةُ وَلَاةِ الأمْرِ، وَتَحْكِيمُ الشَّرَيْعَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء59  

مِنْ أَعْظَمِ مُقَوِّمَاتِ الأمْنِ: قِيَامُ الرَّاعِي بِحُقُوقِ رَعِيَّتِهِ  وَقِيَامُهُمْ بِحَقِّهِ، مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.

وَإِذَا قَامَ كُلٌ مِنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ بِمَا وَجَبَ عَلَيهِمْ  فَلْيُبْشِرُوا حِينَئِذٍ بِاسْتِتْبَابِ الأمْنِ، وَشُيُوعِ المَحَبَّةِ، وَوَحْدَةِ الكَلِمَةِ، وَالقُوَّةِ وَالمَهَابَةِ فِي نُفُوسِ الأعْدَاءِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أنْ يَحْفَظَ لِهَذِهِ البِلَادِ وَسَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ أَمْنَهُمْ وَإِيْمَانَهُمْ، وَأَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ فِي نُحُورِهِمْ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا شُكْرَهُ عَلَى نِعْمَةِ التَّوحِيدِ   وَنِعْمَةِ الأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَنِعْمَةِ وَحْدَةِ الصَّفِّ  وَاِجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ مَعَ وُلَاةِ أَمْرِنَا - وَفَّقَهُمُ اللهُ وَسَدَّدَ خُطَاهُمْ.   

ثُمَّ  صَلُّوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1695286593_نِعْمَةُ التَّوحِيدِ وَالأَمْنِ وَوَحْدَةِ الصَّفِ.pdf

1695286616_نِعْمَةُ التَّوحِيدِ وَالأَمْنِ وَوَحْدَةِ الصَّفِ.doc

المشاهدات 1967 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا